الهرج بالهوية: تاجر سوداني تحت طائلة التجارة مع البرتغال (19

د. عبد الله علي إبراهيم
كان نقاش هويتنا من جهة انتماء السودان إلى العرب او الأفارقة (علاوة على زيف الأطروحة أصلاً التي افترضت انتماء واحداً أحداً للسودان) معرضاً لأقوال مغرضة من المتأفرقة الجدد. وهي أقوال لم يطرأ لهم أن يقيموا بها الحجة على تنصل السودان عن ولائه الأفريقي جرياً وراء ولاء عربي صمد. فلا يُسأل هؤلاء الأفارقة المحدثين على ما قالوا برهانا في حديث الشاعر العربي. وأكبر عصيانهم على التدليل على عقيدتهم في جنوح سياسة السودان نحو العرب واهمال أفريقيا أو كادت. وكنت أمر بالأمس على أرشيف لصحيفة المورننق نيوز، التي صدرت عن دار الأيام في الخمسينات، ووجدتها نقلت عن الرأي العام (15 سبتمبر 1964) خبراً مفاده أن شرطة الخرطوم القت القبض على تاجر بالمدينة بتهمة المتاجرة مع دولة البرتغال. وسبب التهمة للتاجر أنه خرق حظر الحكومة التجارة مع البرتغال التي كان يكتوي باستعمارها الأفارقة في موزمبيق وأنقولا وغينيا بيساو. بل نهضوا في كفاح مسلح لإزاحة حكم البرتغال عنهم صوره المؤرخ البريطاني الناشط بازل ديفدسون في كتب غراء عن دار بنغوين البريطانية للنشر اطلع عليها جيلنا فأشراب متضامناً معهم. وتمت تلك المطاردة لتاجر المدينة من حكومة عسكرية كان لنا نقاط خلاف قوي معها في سياساتها العربية والأفريقية والعالمية أودت بها بعد شهر واحد من تاريخ القبض على التاجر المتبرغل بثورة أكتوبر 1964. ولم يمنع انحياز حكومة عبود المعروف للغرب من الدخول في مقاطعة البرتغال تقرباً من الأماني الشعبية وامتثالاً لقرارات منظمة الوحدة الأفريقية (1963) السابقة للاتحاد الأفريقي. ووقع تاجر بالخرطوم نتيجة لذلك تحت طائلة القانون.

وأعادني نبأ جريدة المورننق نيوز إلى الهرج بالهوية الذي فلقنا به المتأفرقة الطارئون طوال عقدين من الزمان. فمتى نظرت في علم هوية البرجوازية الصغيرة المتأفرقة وجدته يدور حول تميمتين. أولها أنه كان بوسعنا أن نكون أحسن الأفارقة فصرنا، بتهافتنا على العرب، أسوأ العرب. أما الرقية الثانية فقولهم إن الذي يفرقنا هو المصموت منه من علائق الجنوب والشمال التاريخية.

أتعرض هنا لتميمة أحسن الأفارقة وأسوأ العرب من جهة قولهم إننا انجررنا منذ استقلالنا وراء العرب دون الأفارقة. وسأهمل المغازي العنصرية السفلى للعبارة نفسها. وقد سدرت هذه الصفوة في القول بتنكبنا الطرق الأفريقية لا يسندها دليل ولا يلجمها دليل مضاد. وظلت على هذه العقيدة الفاسدة حتى بعد صدور كتاب الدبلوماسي الأديب المرحوم عبد الهادي الصديق “السودان والأفريقانية” في التسعينات الذي استقصى المسألة في مظانها ولم يجدنا تدابرنا أفريقيا. فدولتنا ظلت، على تعاقب النظم، تلتزم بأفريقيا بصورة ما كما فصّله عبد الهادي. وكانت لها كبوات حين وجدت نفسها في حلف استعماري في الكنغو في 1960 أزهق حياة باتريس لوممبا، رئيس وزراء الكنغو الذي خذله نظام عبود، مما حكاه العقيد محمد محجوب حضرة في كتاب جيد. وقد احتج الشعب على لؤم الحكومة في الكنغو في مظاهرات مشهودة في 1960. وخرجت مظاهراتنا دعماً للومببا من جامعة الخرطوم وغيرها تهتف “يا للعار خذلوا الجار”. وشممنا رائحة الغاز المسيل يومها لأول مرة. ونهضت حكومة أكتوبر 1964 بدعم ورثة لوممبا، ومنحتهم حق اللجوء السياسي ومَرَّرت لهم العون المصري والجزائري.

وكان دور السودان ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا شديداً. فاحتفلت أفريقيا بعيد استقلالنا في 1957 بعقد اجتماع اتحاد كرة القدم الافريقي الأول في الخرطوم واستبعدت جنوب أفريقيا من المنافسة لعنصريتها في الرياضة. وأعلن السودان في مؤتمر قمة افريقيا إغلاق مطاراته في وجه طائرات جنوب افريقيا وبريطانيا بعد استقلال روديسيا الزائف بيد المستوطنين البيض في 1965كما سيرد. كما التزم بتدريب المناضلين السود على أرضه. وزارنا مانديلا قبل اعتقاله في 1962 لدراسة هذه الترتيبات. وفتحنا الكلية العسكرية لمجاهدي أنغولا ونامبيا (جنوب غرب أفريقيا). وجعلنا مساهمتنا لقوي التحرر الأفريقية في 1970 بنداً في الميزانية العامة ورفعناها الي 50% من السابق. وقد ذكر ذلك للسودان رئيس ناميبيا سام نجومي في أول خطاب رسمي له. ذكر أياماً له بفندق الأكربول بالخرطوم وكيف ضمه السودان الي وفده ليعرض قضيته بعد ان أعيت السودان الحيلة ليقنع الامم المتحدة بقبول مندوب الحركة نجومي مراقباً في الامم المتحدة.

كما ذكر أيدي السودان الأفريقية أغوستينو نيتو، رئس أنغولا الأسبق، الذي خطب يوماً في الخرطوم قائلاً “لا احتاج أن اذكر الحضور الكريم بعون السودان للمناضلين في انجولا وبقية بلدان افريقيا. يكفيني القول إن طبقة الضباط المتنفذة في بلدي اليوم قد تلقت تدريبها العسكري في كلية السودان الحربية.” ومن أطرف ما اعان به السودان مجاهدي أنغولا هو قطيع من الحمير التي أخرس البيطريون نهيقها لتعين في ترحيل معداتهم دون أن يصدر عنها صوت ينبه العدو. كما زار يعقوب قاوون السودان ليشكر له وقفته الي جانب وحدة نيجريا والامكانيات العسكرية التي وضعها تحت تصرف الجيش النيجيري. واشتغل السودان بنضال روديسيا الجنوبية. فحين أعلن إيان سميث العنصري استقلال القطر من انجلترا من جانب واحد (1965) لينفرد البيض بالحكم دعا السودان في قمة أفريقية طارئة الي استخدام القوة لرد الحق الافريقي. وقطع علاقته مع بريطانيا لموقفها المجهج من حقوق السود في روديسيا من 1965 الي 1966. ودرّب عناصر حزب زانو الروديسي ووفر لهم الباسبورتات وأوراق الهجرة وعلاج الجرحى. وحين ضايق إيان سميث، رئيس وزراء روديسيا عن الأقلية البيضاء المستوطنة، زامبيا لعونها نضال زانو طلب السودان من منظمة الوحدة الافريقية أن تعين زامبيا لتحمل العقوبات التي فرضت عليها.

القول بأننا أسوأ كذا وأحسن كذا مجرد تميمة لا تغني عن الحق شيئاً. والقول بأن السودان انصرف عن المسألة الأفريقية تقرباً من العرب لا يخلو من مبالغة مصدرها قلة النظر واتساع الفم.

تعليق واحد

  1. بروف عبد الله. خالص تحياتي لك.
    استميحك العذر ان اسال السؤال الذي دوما ما اردده لماذا يقول بعض ممن ظنوا انفسهم خالقي الهوية. لماذا يطلبون دائما (خليه يمشي للبنان او العراق او الخليج خليهم يعترفوا بيك عربي). هل من اللازم ان اخذ الشهادة من اي من العرب الراهنة او حتى العرب البائدة. لما لا يقرون ان ثقافة بعضنا عربية خالصة وان سلمنا جدلا بخلو الدم العربي في عروقه. شكرا لك بروف.

  2. واصلو تواصلكم مع العرب انشاءالله ينفعوكم والله لو نططو ما يشوفكم الا محرد ع…….د لو داير تعرف مقام العرب تعال هنا اوربا العرب بلبدو وبخجلو يقولو عرب لان كلمة عرب مرتبطة طوالى بالجهل والارهاب والتخلف والصرف البذخى الاوربيون بعتبرو العرب مجرد كائنات لا اكثر تعيش وتتكاثر وتتلذذ بالحياة مرة مدير الشركة قال لى انتو السودانيون عرب قلت ليه نحن افارقة قال لى اول ما يشوف شخص لابس عقال بذكرو طوالى بالغباء المفرط

  3. المثقف العضوي جعل الهوية (لبانة) يمضغها أنى شاء بل ويمكنه أن ينفخ منها بالونة وراء بالونة
    ليت الهوية أطعمت نازحي ولاجئي دارفور أو أروت عطاشى همشكوريب أو أنقذت الضحايا في الضعين

  4. وهل مشكلة الإنسان البيئات كل يوم في الفجرية عشان يُؤْمِن لقمة عيش ليهو ولأسرته هوية؟ متى يفيق المثقفاتية؟ يا رب متى؟

  5. مشكلة السودان ادارية واقتصادية ، عليك الله اكتب عن القرارات الاقتصادية والادارية الغطست حجرنا

  6. مقال في الصميم.

    لقد أصبجت مسألة الهوية طريقاً إلى الهاوية.

    إنها دغمسة الانفصاليين العنصريين من أمثال إسماعيل آدم أبكر وقندول والحلو، ولكن ماذا دهى محمد جلال هاشم؟.

  7. سلام يادكتور.
    الجماعة ديل كتروها ومسخوها واصبحت المسألة عنصرية مضادة لو افترضنا اساسا فى عنصرية عربية وبذلك اصبح الامر يسير باتجاه ماتفعله الحكومة من تفرقة ولا ادرى ماذا يستفيدون. عاوزنك تواصل فى قتل الامر بحثا حتى يستفيقوا ويعلمو ان مافى حاجه اسمها الثقافة الاسلاموعروبية فى وجه ااثقافة الافريقانية كما يقول جلال هاشم وابكر ادم واحسن نفهم مصدر الصراع فى السودان بطريقة صحيحة حتى نستطيع النهوض من كبوتنا. وشكرا

  8. قرأت من قبل للدكتور سمير امين انه من السهل ان تختار العدو “الساهل” وتقوم

    بضربه كبفما تشاء وتحتفل بإنتصارك عليه …

    فبدلا من مناقشة اراء كل من ابكر آدم اسماعيل ومحمد جلال هاشم ( والأخير قدم

    انتقاد راقي لك يا دكتور ..) لكن تصر على العدو السهل .. اسوأ العرب واحسن

    الأفارقة … الخ . مبروك هزمتهم شر هزيمة …

    فياخي … عينك في الفيل وتطعن في ضلو …

    ثم ثانيا :

    كل الامثلة التي اردت بها الدلالة على افريقانية الحكومات السودانية

    المتعاقبة كلها كانت في غير ” حبيبتك السرية” الانقاذ … وما هماك …

    ولا تبرير لديك ان تكون امثلتك فرملت هنا …

    الغريب مقالات الأخيرة ، على غير عادتك ، نسيت فيها شتيمة “اولاد المدن ” …

    دايما اقول “في سري ” … البلم السمبر مع السمبر الانقاذي هو “تكجن” اولاد

    المدن المزعوم …

    من جعل اله هواه.. يحور حتى الماركسية كي تتناغم مع هذا “الهوى” المرضي.

  9. بروف عبد الله. خالص تحياتي لك.
    استميحك العذر ان اسال السؤال الذي دوما ما اردده لماذا يقول بعض ممن ظنوا انفسهم خالقي الهوية. لماذا يطلبون دائما (خليه يمشي للبنان او العراق او الخليج خليهم يعترفوا بيك عربي). هل من اللازم ان اخذ الشهادة من اي من العرب الراهنة او حتى العرب البائدة. لما لا يقرون ان ثقافة بعضنا عربية خالصة وان سلمنا جدلا بخلو الدم العربي في عروقه. شكرا لك بروف.

  10. واصلو تواصلكم مع العرب انشاءالله ينفعوكم والله لو نططو ما يشوفكم الا محرد ع…….د لو داير تعرف مقام العرب تعال هنا اوربا العرب بلبدو وبخجلو يقولو عرب لان كلمة عرب مرتبطة طوالى بالجهل والارهاب والتخلف والصرف البذخى الاوربيون بعتبرو العرب مجرد كائنات لا اكثر تعيش وتتكاثر وتتلذذ بالحياة مرة مدير الشركة قال لى انتو السودانيون عرب قلت ليه نحن افارقة قال لى اول ما يشوف شخص لابس عقال بذكرو طوالى بالغباء المفرط

  11. المثقف العضوي جعل الهوية (لبانة) يمضغها أنى شاء بل ويمكنه أن ينفخ منها بالونة وراء بالونة
    ليت الهوية أطعمت نازحي ولاجئي دارفور أو أروت عطاشى همشكوريب أو أنقذت الضحايا في الضعين

  12. وهل مشكلة الإنسان البيئات كل يوم في الفجرية عشان يُؤْمِن لقمة عيش ليهو ولأسرته هوية؟ متى يفيق المثقفاتية؟ يا رب متى؟

  13. مشكلة السودان ادارية واقتصادية ، عليك الله اكتب عن القرارات الاقتصادية والادارية الغطست حجرنا

  14. مقال في الصميم.

    لقد أصبجت مسألة الهوية طريقاً إلى الهاوية.

    إنها دغمسة الانفصاليين العنصريين من أمثال إسماعيل آدم أبكر وقندول والحلو، ولكن ماذا دهى محمد جلال هاشم؟.

  15. سلام يادكتور.
    الجماعة ديل كتروها ومسخوها واصبحت المسألة عنصرية مضادة لو افترضنا اساسا فى عنصرية عربية وبذلك اصبح الامر يسير باتجاه ماتفعله الحكومة من تفرقة ولا ادرى ماذا يستفيدون. عاوزنك تواصل فى قتل الامر بحثا حتى يستفيقوا ويعلمو ان مافى حاجه اسمها الثقافة الاسلاموعروبية فى وجه ااثقافة الافريقانية كما يقول جلال هاشم وابكر ادم واحسن نفهم مصدر الصراع فى السودان بطريقة صحيحة حتى نستطيع النهوض من كبوتنا. وشكرا

  16. قرأت من قبل للدكتور سمير امين انه من السهل ان تختار العدو “الساهل” وتقوم

    بضربه كبفما تشاء وتحتفل بإنتصارك عليه …

    فبدلا من مناقشة اراء كل من ابكر آدم اسماعيل ومحمد جلال هاشم ( والأخير قدم

    انتقاد راقي لك يا دكتور ..) لكن تصر على العدو السهل .. اسوأ العرب واحسن

    الأفارقة … الخ . مبروك هزمتهم شر هزيمة …

    فياخي … عينك في الفيل وتطعن في ضلو …

    ثم ثانيا :

    كل الامثلة التي اردت بها الدلالة على افريقانية الحكومات السودانية

    المتعاقبة كلها كانت في غير ” حبيبتك السرية” الانقاذ … وما هماك …

    ولا تبرير لديك ان تكون امثلتك فرملت هنا …

    الغريب مقالات الأخيرة ، على غير عادتك ، نسيت فيها شتيمة “اولاد المدن ” …

    دايما اقول “في سري ” … البلم السمبر مع السمبر الانقاذي هو “تكجن” اولاد

    المدن المزعوم …

    من جعل اله هواه.. يحور حتى الماركسية كي تتناغم مع هذا “الهوى” المرضي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..