النشامى الدقو النحاس من ضى

الرأى اليوم
صلاح جلال
💎 نظام مايو المباد، لِأول مرة يلتقى الشعب السودانى القوة الغاشمة Naked force وجهاً لوجه،شهد الشعب فيها مجازر و أهوال لم يشهد لها مثيل فى تاريخه الحديث، التصفية دون محاكمات، الإغتيالات السياسية، الإعتقالات المتطاولة للناشطين،من كل الفئات والأحزاب، وتعذيب فى بعض الأحداث، نظام مايو وضع الأساس لدولة الظلم وغياب الحق فى البلاد، فقد أسس نظام شمولى، يتناسب والبيئة الإقليمية السائدة فى ذلك الوقت .
💎 فى المقابل لم يستسلم الشعب السودانى، هبة إثر هبة، وإنتفاضة خلف إنتفاضة مدنية وعسكرية، وإضراب يمسك طرف إضراب، موقف بطولى، أحزاب ونقابات وطلاب وفئات، تواصل الضغط على النظام حتى وصل مرحلة الجنون، وأعلن قائده نفسه، خليفة للمؤمنين، واجب البيعة والطاعة، فسارت خلفه جماعات الهوس الدينى الحاكمة اليوم،مهللين ومكبرين، مبايعين للخليفة التائب عن المعاصى،فى أكبر مهزلة بإسم الإسلام والمسلمين، تصدى الشعب السودانى لكل هذا التهريج،ببسالة وثبات كانت المعتقلات تكتظ بالمناضلين، وساحات الطلاب مِرجل يغلى، والنقابات تعمل للدفاع عن حقوق منسوبيها، والأحزاب المعارضة تنسق وتدير الصراع السياسي.
💎 تتويجاً لهذه المسيرة القاصدة نحو الحرية، كان حُسن الختام، إنتهت إرادة الشعب بتفجير ثورته الخالدة، فى صباح 26 مارس، بموكب هادر من جامعة أمدرمان الإسلامية، وإلتحقت بها بقية الجامعات، وإستجاب الشارع للمظاهرات،وإنضمت الأحزاب السياسية،والحركة النقابية لمسيرة الإنتفاضة، فكان موكب القضائية،الذى توجه نحو القصر، وتحركات صغار الضباط، حسمت الموقف لصالح الشعب، فأعلنت القوات المسلحة الإنحياز، وأسدلت الستار على نظام مايو البغيض، فى السادس من أبريل، هب الشعب وهزم جلادو، فأصبح نظام مايو المباد ورئيسه المخلوع،عبرة لمن يقف فى وجه إرادة الشعب الغلابة التى لا قاهر لها.
💎 لم تحقق الإنتفاضة أهدافها كاملة، فقد تحققت الحرية، والإنعتاق من ذُل الديكتاتورية وحكم الفرد، ولكن إرتدت الثورة،وتقاصرت عن تحقيق أهدافها المرجوة، لأسباب يجب بحثها ومعرفتها، أولا التغيير فى خاتمته، سيطر على تشكيله القيادة العامة للقوات المسلحة فى رتبها العليا، التى كانت تمثل قيادة النظام المباد، إستلمت السلطة ليس إيماناً بالتغيير، لكن للحفاظ على وحدة الجيش، وجاءت حكومة الإنتفاضة المدنية ضعيفة ومخترقة من قوى الثورة المضاد، الفترة الإنتقالية كانت قصيرة عام واحد، لم تتمكن الأحزاب الوطنية فيها من التحضير الجيد، بعد فترة غياب عن النشاط العلنى، مما فتح الطريق لتسلل قوى الردة والثورة المضادة، لمخاضع الجماهير، فكان حزب السدنة الحزب الثالث فى برلمان الإنتفاضة، وكذلك غاب البرنامج الوطنى الشامل، مما قاد للإخفاق فى تحقيق السلام بالبلاد فى الوقت المناسب، وكذلك تشتت قوى الإنتفاضة، وإنقسمت بين عدة مراكز، تفجرت صراعات نقابية غير محسوبة أضعفت النظام الديمقراطى، ويسرت أمر الإنقضاض عليه، من القوى المتربصة غير المؤمنة بالتغيير، هذه وغيرها هى أسباب الردة التى يجب وعيها ودراستها و تخصين الثورة القادمة منها وحراستها لتبلغ أهدافها، فى السلام الشامل والتحول الديمقراطى الكامل، الذى تقوده كتلة تاريخية متماسكة، ذات برنامج وطنى شامل .
💎 لقد أكد الشعب السودانى، أن الديمقراطية القائمة على تعدد الأحزاب هى خياره الإسترتيجى لحكم البلاد، لذلك تصدى للإنقلاب العسكرى الأول، الذى كان أوتوقراطياً وهزمه فى إكتوبر الخالدة، وتصدى الشعب للنظام العسكرى الثانى الذى كان حكم فرد متسلط فهزمة فى أبريل، وأعاد الشعب الحكم الديمقراطى، وجارى التحميل للثورة الثالثة، التى يستعد الشعب لوضع لمساتها، لمواجهة طغمة الهوس الدينى الفاسدة، فالملاحظ تطور النظام الديمقراطى، نحو الأفضل عقب كل إنتفاضة، وتدهور الديكتاتورية العسكرية المتحالفة مع حزب سياسي، فكان التطور من عفريت، نطام عبود، إلى شيطان، نظام جعفر نميرى، ثم إلى مارد، نظام البشير الراهن، مازال الشعب يتصدر المشهد، فى المقاومة لإلقام المارد الحجر النهائى، وإيداعه مزبلة التاريخ حيث يستحق ويسوى.
💎 ختامة
الشعب السودانى شعب عبقرى، وبه كل مقومات الصمود والقوة، وله شراسة غير مسبوقة فى مواجهة الديكتاتوريات، شعب محصن ضد الخضوع والذل، لذلك لم يتمكن نظام المردة الراهن، من إخضاعة ولم يشعر الإنقلاب بالإستقرار، على مدى الربع قرن المنصرم، من جسارة المقاومة، هوالشعب الآن، يضع ملزمة الفصل الأخير لهذا التسلط، كما قال الشاعر مرسي صالح عن شعبنا
قالو تخاذل فإندثر
ومضى فليس له أثر
قالو تملكه الحذر
ورأى السلامة فى التمنى
فإستكان إلى الخدر
قالوا سهى وقالو لهى من قالها
اليوم جاءهم الخبر
كالفجر كالبوق المدوى فى ركاب المنتصر
الشعب ليس بغافل مهما تمالك أو صبر
الشعب إذا رام المحال مضى له وبه ظفر
فى ذاك اليوم عِيدك يا جموع، والخزى والعار للمتسلط والمستبد الجبار، إنه الغد الذى يضرب الأبواب بقوة، ويرفع الآذان، معلناً ختام المهزلة .
حرية سلام وعدالة الثورة خيار الشعب
يا ليتها لم تحدث وماذا كانت ثمارها ونتائجها غير وصول أبشع نظام شمولي دموي جهوي باطش إلى حكم البلاد.
يا ليتها لم تحدث وماذا كانت ثمارها ونتائجها غير وصول أبشع نظام شمولي دموي جهوي باطش إلى حكم البلاد.