في وداع امرأة استثنائية..!!

فجر الخميس الماضي كان العشاق ينتظرون موعدهم مع عيد الحب.. جدتي تتحسس قلبها ثم تطلب جرعة ماء.. بعدها ترخي رأسها بهدوء وتمضي.. هكذا أرادت المشيئة الإلهية أن تنهي الحاجة حسونة بت الشامي حياتها المكرسة لإفشاء الحب بين الناس.. لم تكن بت الشامي امرأة عادية.. احتلت عمادة الأسرة عن كفاءة واقتدار وعبر الإجماع السكوتي في انتخابات لا فيها خج ولا طق.

في جامعة الخرطوم كان الكادر اليساري وائل طه يقارع ابن خالتي الإسلامي الحجة في ركن نقاش.. ووقتها كان وائل يمثل تحالفاً عريضاً اصطف لهزيمة الإسلاميين في جامعة الخرطوم.. ووائل يقسم أن جدة خصمه تؤيد أطروحات التحالف في البديل الديمقراطي.. بهت ابن خالتي عاطف واليساريون يهتفون «الحاجة تحالف.. الحاجة تحالف».

جدتي كانت تتابع مجريات السياسة عبر الراديو والتلفاز.. تتنبأ بفوز أوباما وتحلل حرب الخليج وتطلب من ولاة أمورنا أن يتداولوا السلطة فيما بينهم سلماً.. حيناً تدلي برأيها عبر صندوق الانتخابات.. وحينما توقن أن صوتها مسروق تمارس الاحتجاب.. تؤيد الحزب الحاكم في الدعوة للدستور الإسلامي.. وتقف مع اليسار في المطالبة بالعدالة الاجتماعية.. تنتقد مولانا الميرغني في أنه أهمل حزباً عظيماً رفع راية الاستقلال يوماً.. لها رأي في الإمام ورؤية يسندها منطق في الترابي.

تمارس بت الشامي السياسة بمثالية.. استطاعت أن تمد حبال الوصل والمودة مع جيرانها من الناحية الشمالية.. المنقاريوس من طائفة الأقباط الذين نزحوا من مصر إلى القولد ومنها للخرطوم.. تجد حاجة حسونة معهم في الحلوة والمرة.. حينما تمطر السماء يصيح الجار كمال منقاريوس «حاجة حسونة نعل ما غرقتي».. بعدها يحمل الجار الطورية والبطارية قائداً لفرقة الإنقاذ.. عبر حائط المنزل تصيح جدتي «عليك الرسول يا أمال».. آمال المعنية هي القبطية «أم تامر».

كانت حاجة حسونة تفتيء في كثير من المسائل الحرجة وتجد الجرأة للدخول في أعقد المشكلات الأسرية مقدمة خارطة طريق للحل.. تقول رأيها بشجاعة مهما كانت المواقف ضبابية.. تؤمن بسياسة الحياد الإيجابي مما جعلها وسيطاً مقبولاً لكل الأطراف.. تجد راكوبتها ممتلئة بأناس لا تجمعهم قبلة ولا قبيلة.. تسألني دائماً «الرسول يا عبدو الحكومة دي ما حاسة بحال الناس ديل؟».. لا أجد غير الصمت أمام سؤالها الجريء.

كانت جدتي تقرض الشعر فصيحه وعاميه.. تتدفق وجداً في محبة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.. وحينما يتزوج أحد من الأقارب لا تجد مشقة أن تمسك «المايك» وتصنع قصيدة سيرة وليدة اللحظة والتو.. تأسفت لأننا أضعنا هذا السجل الأدبي ولم نتعهده بالكتابة.

حينما رأيت الناس كل الناس في المقابر.. أيقنت أن بلدنا بخير.. كان هنالك وائل طه بلونه الأحمر وعيناه تدمعان على «الحاجة تحالف».. والشاب النبيل تامر منقاريوس يطلب مساحة إعلانية في الصحف ليعدد مآثر جدتي.. لم يكن بعيداً عنهما عاطف ابن خالتي بخلفيته الإسلامية الغاضبة من كل شيء.. كل هؤلاء جاءوا ليشهدوا أن الحاجة حسونة امرأة استثنائية.

اللهم ارحم جدتي بقدر ما أعطت لهذا المجتمع.. اللهم انزلها منزل صدق وتغمدها بواسع رحمتك وفضلك.

اخر لحظة

تعليق واحد

  1. لها ألرحمه والمغفرة ا…
    أظن والله اعلم انه لا يستقيم أن يكون هنالك جده(حبوبه). كوزه….الحبوبه السودانيه خصوصا والحبوبات عموما حاله انسانيه خاصه تتعارض مع النشاذ الإخواني..
    خاطره: حبوبه كوزه ذي حبوبه سايقه ركشه……شكلها ما جايي

  2. لها الرحمه – وكما قال الشاعر –
    اعهدتنا والقبط الا امة – للارض واحدة تروم مراما- تعلى تعاليم المسيح لاجلهم ويوقرون من اجلنا الاسلام

  3. سأحكى هنا موقفين حدثا يؤكدان قيمة وعظمة الحبوبة عندنا..الموقف الأول حدث بدرى قبل هوجة الربيع العربى بزمن طويل وكان أن سال أحد طلاب كلية أدبية أستاذه السودانى فى إحدى الدول العربية ما هو الفرق بين مظاهرات وإنتخابات ؟؟ تخيلوا ؟؟ فما كان من الأستاذ إلا أن قال له والله لو سألت حبوبتى فى السودان تلقاها عارفة الفرق..
    الموقف التانى حصل من فترة ليست ببعيده وكان فى أثناء إحدى المؤتمرات العالمية عن أمراض الشيخوخة وطبعا فى الدول الغربية كلها توجد دور للعجزة وحتى فى دول عربية كتيرة بقت فيها دور للعجزة فكان هنالك مجموعة من الإخوة العرب يؤيدون الفكرة.. فكرة إقامة دور للعجزة فى بلدانهم وأكدوا على أهمية أن تترك فيها الجدة خاصة أثناء سفرهم فى الإجازات خارج البلاد..فقلت لتلك المجموعة نحن نسمى الجدة عندنا فى السودان حبوبة وهى فعلا حبوبة بمعنى الكلمة والحبوبة عندنا تأتى على قمة الهرم فى الأسرة ومكانتها عندنا فى غاية الأهمية بنرجع ليها فى كل قرارات الأسرة.. العايز يتزوج لازم يشاورها.. والعايز يسافر ويقرأ برة يشاورها.. والعايز يشترى ليه أرض ولا بيت لازم يشاورها..وهكذا نحنا الحبوبة عندنا حاجة عظيمة ولن نودعها دار للعجزة مستحيل ..وكانوا يعاينوا لى كلامى ده بدهشة ..وحقيقة الحبوبة غالية رحم الله حبوبتك وغمدها بواسع رحمته وكل الحبوبات الفارقوا دنيتنا ويدخلهن الجنة.. ويدى الصحة للعايشات ويمد لينا فى أعمارهم هن الخير والبركة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..