العطالة وبكرة…. اغلا!!!

لم اؤمن بالنظرة السوداوية يوما فى كل مناحى الحياة مطلقا، واكره النظر الى المستقبل بعين خالية من لون تفائلى بدون شطط لان الحياة اذا ما فقدت الامل لا معنى لها، رغــم المؤشرات الضبابية التى تشكل الاتى الملوث برياح التردى…وكم اتمنى صادقا لو تضحك لنا كل المعطيات الواضحة وتمنحنا سعادة مستقبل فى ابتسامة وطن … اتمنى ان تكـــون يوما بلادنا قبلة الانظار حقيقة وسلة غذاء العالم ليس مجرد فرقعات اعلامية جوفاء، وان يجد كل سودانى مصدر لعيش كريم …اتمنى… ان يمتد الخير ويدخل بيــوتنا المنسية هنا وهناك… بين القرى البعيدة.. والمدن النائية المنفية…. والاراضى المهجورة ويسكن بين رواكيبنا وعناقريبنا ويسامرنا العيش الرغيد …ويفـــــارقنا الفقراللعين الى الابد فى وداع اخير بدون عودة….
اتمنى ان نمتلك ثقتنا فى انفسنا باننا شعب نستطيع ان نكون ونبنى…. ويمكننا ان نتحدى ونغير الواقـــع ونقتلع الاستكانة من جذورها ،ونمضى قدما الى الامام، ونعلم العــــالم ان السودان ليس ارض للخنوع ولا ملاذا…. التقوقع والانكسار…
اتمنى ان يشرق علينا صباح، وعلم السودان يخفق فى قلب كل ســـــودانى غيور، ونتفيأ ظلال المحبة والسلام بالمعانى الحقيقية ….على ارض الواقع… ونتـــفق بان الســــودان يحتاج لنا جميعا ، اكثر مما نحتاج له نحن… اتمنى وانا اعلم ان الاوطـــان لاتبنى بالتمنى …ولكن تؤخذ الدنيا غلابا….اتمنى ان ياتى اليــــوم الذى تذوب العطــــــالة فى فلك العطاء والعمل ، وتتماسك السواعد من اجل غاية تتعدى المصالح الرخيصة وانانية الاستحواذ….
اليوم وبكل بساطة بلادنا اصبحت مساحات تكتظ بكثافة سكانية عاطلة، او شبه عاطلة ولا اجـــد الفارق شاسعا… ولا البون واسع ، بين شخص لايجد العمل واخر يعـمل ولايقدر ان يجارى السوق براتب لا يغنيه من جـــوع…ففى كل الحالات هــــذه …عــــطــــالة مــركبة وتلك عطالة مقنعة…
ركبت مع سائق ركشة قد يتجاوز الثلاثين من عمره، تقريبا ومن خلال حديثى معه عرفت انه خريج كلية الهندسة، منذ عشرة سنوات ..فقلت له وانا احاول ان الطف الحوار :جميل ان لـــــديك هذه الركشة !! اجابنى ضاحكا بسخـرية مهذبة : ركشة ياريت انا سواق عليها …ثم استطرد قائلا تعرف يا ابن العــــم الواحد نسى انو مهندس يعنى شهادة تعــلقها فـــى الحيطة، وتعــــاين ليها عشـــان بس تذكــــر انك خــــريج جامعة مع ايقـــــاف التنفيذ !! قلت له: طيب ما دخلت معاينات لاى وظيفة منذ سبعة سنين؟؟ قال لى ضاحكا بشىء من التهكم : ياخ الظاهر عليك ما عايش فى البلد يااستاذ…معــــاينات شنو ياخــــال لو عندك واسطــة من ناس الحكومة ديل الوظيفة…. تجيك لحـــدى عندك ، ولا معـاينة ولايحزنون …والماعندو واسطة الزينا ديل يتخارج يشوف ليهو ركشة، والبلقا الركشة ذاتو محظوظ فى اليومين ديل!!
تذكرت احد اقربائى وهو خريج فيزياء ،وداخ الف دوخــة ولم يجـــد شىء اسمه وظيــفة، ولما ضاق عليه الحال وطالت فترة العطالة، اختار وظيـــفة لا تحتاج الى واسطة حكومية يعنى مادايرليها ضهر… فعمل معلما فى مدرسة حكومية ، ولم يمضى عليه شهرفقط حتى وجدته قد تركها وجلس تحت الضللة مع العطالة ، قلت له بكل جــدية وحزم : ليه تــــركت عملك يا استاذ ؟ قال لى بكل برود: استاذ انا كل يوم استلم مصاريف المواصلات والافطار من الوالد!! ولما قارنت الراتب مــع مـــصروف المواصلات والفطـــور وجــــدت ان راتبى لا يغطيها… فقلت بدل الخسارة افضل العطالة … حاولت ان اوضـــح له ان التعليم رسـالة عظيمة ،جدا ولا يجب ان نرهنها للحسابات المالية فقـــط وكيف تتعلم الاجيال القـــادمة اذا ترك كل معــلم مدرسته واستكان للمكاسب المادية البحتة … (علما باننى كنت احـــاول ان اقنــــع نفسى ، قبل ان اقنعه كيف يمكن ان يواصل المعلم رحلة الحياة ،وهويواجه السوق الـــــذى لايرحم) …قال لى وكــانى اؤذن فى مالطة… ياخ كــلامك دا ما بأكل عيش .. وانا بصـراحة لا اقتنــع بان المعلم المظلوم براتبه الضئيل جـــدا مقــارنة بالحيـــاة الصعبة جدا اليـــوم سيكون له احساس برسالة التعليم التى تتحدث عنها…
ان حالنا اليوم يغنى عن السؤال، فقــد تفاقمت العـــطالة، وامتـــدت كما تمتد الاحـــزان فى احساس ابناءنا واخواننا من العاطلين اجبارا… لا اختيارا… الذين يعــــيش حولهم وفيهم الاحباط وما تكدس من الالم والظلم… ويسكن بين عيونهم الخوف، من القادم المجـــهول … فمتى ….تشرق شمسك…. ياوطن.
منتصر نابلسي
[email][email protected][/email]
تشرق شمس السودان عندما تغرب شمس الكيزان إلى الأبد وترجع خريطة الوطن كما كانت أرض المليون ميل ومحمدأحمد يعانق كوال دينج وكلنا أكوان .. وسيتحقق حلم أغانينا القديمة حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي .. ودمت أخي ..