وزراء الأزمة… قراءة في سيرة ومسيرة قادة القطاع الاقتصادي

الخرطوم ? رندا عبد الله
بعد فقدان البلاد ثلاثة أرباع إنتاج النفط مع انفصال الجنوب، ظهرت الأزمات بوجهها الكالح على المواطن، حتى مست بشكل مباشر خلال الفترة الأخيرة تفاصيل المواطن اليومية وتمددت صفوف البنزين والغاز وتزايد الغلاء، بجانب حرمان المواطنين من سحب أموالهم من البنوك، وارتبطت الأزمات خلال السنوات الثماني الأخيرة بمسؤولين تنفيذيين يحملهم مراقبون مسؤولية الإخفاق في إدارة الأزمة بالشكل المطلوب لاسيما في حكومة الوفاق الوطني الحالية إذ يرون أنها فرضت الترضيات على حساب الكفاءة.
مأساة من ثلاثة فصول:
وعلى الرغم من أن مراقبين يحملون مسؤولية التراجع الاقتصادي الماثل في الأساس إلى ممارسات التجنيب وخلق بيئة للفساد، ومن ثم يحيل الميزانيات المغضوب عليها إلى مجرد أرقام، لكن حسن عثمان رزق القيادي في حركة الإصلاح الآن والبرلماني؛ جدد خلال منتدى حزب المؤتمر الشعبي في بداية الأسبوع الجاري، مطالبته بإعلان فشل موازنة 2018م، وشدد على ضرورة إبعاد الفريق الذي يخطط للاقتصاد لحل الأزمة، مشيرا إلى أن عددا كبيرا منهم رجال أعمال ومديرو شركات وقال: هنالك أعضاء في مجالس إدارات مؤسسات اقتصادية كبيرة، كما شدد على ضرورة وقف النزيف في الاقتصاد وأوضح أنه فساد وتجنيب واحتفالات على مدى ?29? عاما بجانب السفر والصرف والترهل في المجالس التشريعية، وكان الهجوم متصاعدا على الطاقم الاقتصادي حتى وصل إلى المطالبة من قبل أحد نواب البرلمان بالاستعانة ببيت خبرة عالمي لإعداد الموازنة وإخضاع الطواقم الاقتصادية التي يراد تعيينها إلى معاينات واصفا موازنة العام 2018 بالمخيفة.
ويعد لافتا أن جميع الوزراء الذين تقلدوا المالية من أبناء جامعة الخرطوم كلية الاقتصاد، وربما ارتبط ابن منطقة رهيد البردي بجنوب دارفور وزير المالية الأسبق ورئيس اللجنة الاقتصادية الحالي بالبرلمان ?على محمود? بأحداث سبتمبر نتيجة لرفع الدعم عن الوقود، وكان أول وزير يتم تحميله مسؤولية الأوضاع الاقتصادية، وفضلا عن إطلاقه في ذلك الوقت تصريحات استفزازية للمواطنين نفاها في وقت لاحق، أشهرها مطالبته بالعودة إلى عواسة الكسرة، وعلى الرغم من ذلك يعد محمود أكثر وزراء المالية مرحا بالمقارنة مع وزراء المالية بعد الانفصال، وقد التحق بالحركة الإسلامية منذ أن كان طالبا بمدرسة نيالا الثانوية بحسب ما نقل عنه، يقول المحلل السياسي الهادي أبو زايدة إن الحزب يأتي بوزرائه وفقا لتوازنات محددة وترضيات تتضمن تقديرات سياسية وكاريزمية، لجهة أنه سيواجه البرلمان والميديا، ما يتطلب أن يتمتع أيضا بقدرات سياسية، مشيرا إلى ان اختيار وزراء المؤتمر الوطني يعتمد على المؤهل الاقتصادي بدليل أنهم جميعا كانت لديهم خبرات في البنوك، بالإضافة إلى القدرات السياسية، لافتا إلى وجود توازنات أيضا تتم في الاختيار لاعتبارات جهوية، منوها إلى أن (محمود) كان يدير أزمة انفصال الجنوب، وتم الإتيان به لوجود خلل في الميزان التجاري الخارجي ومعالجة تبعات الانفصال، وأشار إلى أنه أول شخصية من دارفور تتقلد مسؤولية وزارة سيادية، مع تجربة ابن دارفور إبراهيم سليمان السابقة في وزارة الدفاع، منوها إلى أن التوازنات السياسية والاستراتيجية كانت في ذلك الوقت تتطلب اختيار أحد أبناء دارفور باعتبار أن الحرب كانت في أوجها عندئذ، بالإضافة إلى خبراته كرجل اقتصادي، وقدرته السياسية على مواجهة الميديا وقضايا ما بعد الانفصال، باعتبار أنه كان واليا ووزيرا ولائيا من قبل، ما منحه قدرات عالية في مخاطبة الاحتجاجات نسبة لأنه جاء من منظقة مقاتلة، ورأى أبو زايدة أن الظروف التي أتت بعده الوزير السابق بدر الدين محمود كانت حرجة حيث فقدت البلاد العديد من التمويلات الخارجية عطفا على الحراك في الجبهات العسكرية الذي أخذ الكثير من الجهد المالي للدولة، وقال: ?أعتقد أنه استطاع إلى حد ما النجاح في المحافظة على سعر الصرف والتضخم وكبح جماح الأسعار?.
الخلاص:
في أواخر أشهر العام 2016م، كانت المفاجأة بإعلان بدر محمود الاستقالة أمام البرلمان بعد مساجلات مع رئيس البرلمان ونوابه، قبل أن يحسم الأمر في تشكيل حكومة الوفاق عبر تعيين الوزير الحالي، وكان الوير بدر الدين محمود الذي جاء إلى منصب الوزير من بوابة نائب محافظ بنك السودان، شخصية مثيرة للجدل، ارتبط اسمه بقضية شركة الأقطان، وكان أبرز قرارات الوزير تحرير سلعة الدقيق وفك استيراد القمح من قبل مطاحن (سيقا وويتا وسين) للغلال، التي اعتبرت تمهيدا لرفع الدعم الحكومي تدريجيا عن القمح .
وكان رفع سعر الدولار الجمركي إلى (18) جنيها القرار الأبرز في ميزانية العام الجاري، وما تلا ذلك من ارتفاع جنوني في الأسعار، وصل معه سعر قطعة الخبز الواحدة إلى جنيه، يشير أبو زايدة إلى أن مسالة رفع الدولار الجمركي ربما تؤثر على إيرادات الجمارك ويخرج إثرها عدد من تجار الاستيراد بسبب قيمة الدولار الجمركي ما ينعكس على المواطن، في غلاء جميع الواردات.
المحراث.. وقرارات القصر:
لم تخرج سياسة الحزب الحاكم تجاه الوزارات الاقتصادية مؤخرا عن سياسة تعيين التكنوقراط في إطار الزراعة والصناعة والاستثمار، فكان الدخيري الذي رشحته الحكومة من بعد إلى المنظمة العربية للزراعة والعجيمي ومحمد يوسف ومدثر عبد الغني، وكان القيادي إبراهيم محمود عقب توليه زمام الداخلية الوجه الأبرز خلال هذه الفترة وزيرا للزراعة بعد توليه الداخلية في فترة سابقة قبل أن يعود إليها مؤخرا، وكان تعيينة حينها من منطلق تخصص الرجل ـ الذي عمل من بعد مساعدا لرئيس الجمهورية ورئيس وفد التفاوض الحكومي مع حركات متمردة ـ في الزراعة خلال المرحلة الجامعية.
يقول أبو زايدة إن الزراعة تحتاج إلى جراحة عميقة، ورفع رأسمال البنك الزراعي، وأهمية وجود بنك الصادرات والبنك الصناعي للقيمة المضافة للمنتجات الصناعية وبنك تجاري لغرض الصادرات وإدخال الميكنة الزراعية، مشيرا إلى عدم الاهتمام بإدخال مدخلات إنتاج للزراعة في السنة، لزيادة المساحات المزروعة، ووصف الحديث عن السياسة الزراعية في ظل هذه الأوضاع بأنه غير منتج.
إشراقات وزراء الحوار:
ويمضي محدثنا بأن كلا من مبارك الفاضل رئيس وحاتم السر القيادي بالاتحادي الأصل وموسى كرامة القيادي بالمؤتمر الشعبي وهم الوزراء المشاركون في الحكومة نتيجة لمحاصصات الحوار، أصابوا قدرا من النجاح في وقت نوه فيه إلى أن وزارة التجارة غير معنية بالأسعار باعتبار سحب مؤسساتها وصلاحياتها مما أثر على فاعليتها، داعيا إلى تمكين الوزارة عبر السياسات، وقال إن حراكها على المستوى الخارجي كان ناجحا إلى جانب المعارض التجارية داخل وخارج السودان وفتح أسواق جديدة بجانب حراك وزارة الاستثمار في مجال الزراعة، غير أن المالية أخفقت في التحصل على قروض وعادت بخفي حنين من الصين في وقت ترفع فيه الدولار الجمركي منوها إلى أن ذلك يمثل فشل سياسات، مشيرا إلى أن المشكلة عامة في الإدارات التنفيدية وليس القيادات العليا، مشيرا إلى أن الحاجة الفعلية لعباقرة في التنفيذ والتمويل وليس التفكير المالي، إلى جانب تدني معدل الكفاءة في الخدمة المدنية وسوء الإدارة.
وبحسب متابعين للأوضاع الاقتصادية فإن المشكلة تتعقد بين مجالات الاقتصاد على اختلافها، حيث تتداخل أسباب عدم تهيئة المناخ الملائم للاستثمار، بأسباب متعلقة بالسياسات والتشريعات وفرض الرسوم والجبايات، وضعف الصادرات وعدم الاستفادة من إنتاج الذهب والقيمة المضافة للمنتجات ما أدى إلى خلل في الميزان التجاري، وتتحمل قيادات الحوار الوطني الذي تكونت من خلاله الحكومة مسؤولية معظم الوزارات الاقتصادية، بينما أثارت هذه القيادات الجدل في عدة مناسبات بتصريحات كان أبرزها الدعوة للتطبيع مع إسرائيل التي أطلقها وزير الاستثمار ونائب رئيس الوزراء ورئيس القطاع الاقتصادي إلى جانب تمسكه بالموازنة بعد ارتفاع الأسعار وعبارته الشهيرة ?لن تنازل عنها.. ولا سطر?.
ومن أبرز الأسماء التي دخلت معترك الوزارة موسى كرامة الذي تخرج في كلية الاقتصاد مرتبة الشرف من جامعة الخرطوم، وشغل كرامة في عدد من المؤسسات الاقتصادية رئيسا ومديرا ومستشارا، من بينها شركة الصمغ العربي ومساعد في منصب الملحق الاقتصادي لسفارة اليابان في الخرطوم.
الرجل الذي فقد أعصابه:
ربما كانت تصرفاته تجاه وسائل الإعلام التى وجدت استهجانا واسعا، هي المواقف الأبرز في عهد (عبد الرحمن عثمان) وزير النفط والغاز السابق، بعد أن أغلق هاتفه في وجه مقدم برنامج تلفزيوني خلال مناقشة أزمة البنزين، وهو يتساءل عن مكان وجودها، فضلا عن ما رشح عن اتهامه للصحفيين بالبرلمان بـ?قلة الأدب?، وربما كانت عدم قدرة هذا الوزير على حماية ملفه سببا أساسيا في الأزمة النفطية، إذ يقول رئيس تحرير الوفاق رحاب طه القريب من دهاليز الوزارة لـ(اليوم التالي) إن عثمان جاء في إطار الرأي الذي بدأ يسود في البلاد بالبحث عن ما يسمونه بالتكنوقراط، حيث أنه مشهود للرجل في النواحي الفنية وأن له باعا طويلا في النفط، وهو كذلك من الركائز الأساسية التي قامت عليها صناعة النفط السوداني في عهد الدكتور عوض أحمد الجاز وعمل أيضا مستشارا لعدد من الشركات خارج السودان، ووصف رحاب الوزير السابق بأنه رجل مؤهل من ناحية كفاءة فنية، وأردف: ?لكن التحديات في السودان لا يناسبها وزير تتوفر لديه المقدرات الفنية أو العلمية فقط وإنما تحتاج إلى الجمع بين الكفاءة الفنية والقدرات الإدارية العالية والقدرة على تجاوز التحديات والبيرقراطية التي تسود البلاد وعدم ترتيب الأولويات? منوها إلى ?أن الأولوليات ترتب حسب قدرة الوزير على حماية ملفه?.
البشرى الحزين:
يعد الوزير عن المؤتمر الشعبي سعد الدين البشري الوزير الوحيد من خارج المؤتمر الوطني الذي وجد انتقادات كبيرة خلال الأزمة واتهامات بعدم التمكن من إدارتها سيما بعد أن عبر بنبرة حزينة أمام البرلمان عن حزنهم على حال المواطنين، وطالب نقاد البشري بعدم التركيز على البكاء والانفعالات العاطفية، والتوجه إلى حل المشكلة بطريقة عملية، وشهدت الفترة السابقة أيضا تناقضات في التصريحات بين الوزيرين سيما حيال الاتفاق مع السعودية بإمداد البلاد بالمواد النفطية.
وأشار رحاب إلى أن سعد الدين البشرى مهندس مؤهل عمل في عدة شركات ومؤسسات وجاءت به الكفاءة ولكن عبر محاصصة حزبية تتمثل في مشاركة حزب المؤتمر الشعبي، وتابع: أعتقد أنهما جاءا في ظرف التحديات الكبيرة ويكاد الأمر في في البلاد يكون غير مرتب الأولويات ولذلك لم يحققا النجاح المطلوب لا في زيادة الاستكشاف ولا في القدرة على التعامل مع الواقع الذي يتمثل في انخفاض سعر النفط عالميا، والذي تبعه انخفاض في الإنتاج ونقص في الإمدادات، مشيرا إلى أن صيانة مصفاة الجيلي جزء صغير من الأزمة، لجهة أن المنتج أقل من قدرة المصفاة، إضافة إلى أن الشيء العارض الثاني توقف المصفاة للصيانة، وهو التحدي الإضافي الذي واجههم، مع تزايد الاستهلاك وانخفاض الإنتاج لظروف انخفاض سعر النفط عالميا إلى جانب مصادفتهم لظروف حتمية صيانة المصفاة في هذه الفترة، وقال إن الحكومة كلها فشلت في إدارة الأزمة باعتبار أنه يفترض في حالة النقص أن توجهه الموارد حسب أولويات البلاد منوها إلى أن التوزيع ليس مهمة الوزارة فقط، لأن التوزيع مسؤولية الشرطة والولايات والمحليات وشركات التوكيل العاملة.
وقال رئيس تحرير الوفاق إن أزمة توفر النفط كان يجب أن لا تكون ولكن ما يصفها بـ(سيكولوجية الناس) تأثرت بشكل كبير بتعطل المصفاة وعدم توفر الوقود، ما جعل المواطنين يصطفون في المحطات.
ونبه بأن المصفاة كان يجب أن تطفأ في أبريل الماضي ولكنهم لشح الموارد المالية اضطروا إلى تأجيل هذا الإجراء الفني، وقال: الآن الوزارة اضطرت للتطفئة في هذه المدة لأن هنالك أشياء إذا لم تفعل فربما تأتي بعواقب وخيمة، ورأى أن شح النقد الأجنبي يضطر أحيانا الجهات الحكومية إلى استعمال ما تم توفيره للتطفئة كإجراء احترازي، وأرجع الوزير مشكلة الغاز إلى مطالبة الناقلات بزيادة التعريفة، وانتقد الصحافي رحاب تعبئة البنزين باستخدام ?الكفتيرات والجركانات والحلل? في محطات الوقود، وحمل المسؤولية للرقابة في محطات الوقود، فيما نوه إلى أن الأزمة الآن تتلاشى غير أنه لم يستبعد عودتها إذا شهدت الفترة المقبلة شحا في موارد النقد الأجنبي.
لماذا لم يسأل ?ضرار?؟
يصف قريبون من ملف المالية، وزير الدولة بالمالية السابق عبد الرحمن ضرار بأنه الوزير الحقيقي للمالية، ومن منطلق أن منصب وزير الدولة هو المعني دائما بوضع السياسات الداخلية وإعداد الميزانية وغيرها من المهام.
كان ضرار يمسك بتفاصيل والملفات الخاصة بالوزارة ما جعله دائما في مواجهة الإعلام والبرلمان، ربما شكلت حالات الغضب على وزيري المالية الاتحاديين في الفترة السابقة ساترا مكن الوزير من الاستمرار كوزير دولة إلى حوالي ثماني سنوات، وهو الذي يحمل بكالريوس علوم الاقتصاد ودكتوراة فلسفة الاقتصاد من جامعة الخرطوم إضافة إلى عمله كمدير لبنك الاسرة ولمجموعة شركات تنقوري القابضة.
اليوم التالي
الفسفسوني كععععععععععععع
الفسفسوني كععععععععععععع