أخبار السودان

الخلاوي من الداخل… طلاب يعانون من الأمراض الجلدية والصدرية وأولياء الأمور يطالبون بتأهيل الشيوخ نفسياً

تحقيق: محمد الخاتم حسين
ظلت الخلاوي بالسودان وستظل من أهم المؤسسات التعليمية، وإحدى أكبر المنارات الدينية التي ساهمت في نشر الإسلام وفي حفظ القرآن الكريم وتجويده، فضلاً عن تعليم مبادئ القراءة والكتابة والعمليات الحسابية البسيطة، فقد كانت من أهم المحطات في حياة كل طالب علم لينهل من معين علومها المختلفة، فيجئ الالتحاق بالكتاتيب كمرحلة أولى لكل طالب علم، ومن ثم يلتحق بالمدرسة، وتنتشر الخلاوي في جميع المناطق بالسودان، ومن أشهرها خلاوي الغبش بربر وهمشكوريب بشرق السودان وغيرها.
وبحسب آخر إحصائية لعدد الخلاوي في السودان أكد القيادي بإحدى الطرق الصوفية الشيخ قريب الله الصابونابي أن عدد الخلاوي بلغ (2.356) خلوة، في الوقت الذي تعاني فيه بعض الخلاوي بالبلاد أوضاعا صعبة في ظل تدهور بيئتها التعليمية وانتشار بعض الظواهر السالبة بها والتي أدت لفقدان الثقة لدى بعض الأسر لإرسال أبنائها إليها.
في الوقت الذي طالب فيه جابر عويشة رئيس المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد بولاية الخرطوم الدولة بتحسين بيئة الخلاوي، مشدداً على أهمية الرقابة وضبط الخلاوي لجهة تنامي ظاهرة الاعتداء على بعض الطلاب، واستنكر السلوك الفردي لمشايخ الخلاوي واعتبره سلوكاً مشيناً.
من خلال هذا التحقيق وقفت (اليوم التالي) ميدانيا على واقع بعض الخلاوي بولاية الخرطوم وخرجت بتفاصيل مثيرة وكثيرة عن ما يدور داخل هذه البيئة.
كافة أشكال العنف
سجلت الدوائر القانونية ودفاتر الطب الشرعي والأخيرة تحصلت (اليوم التالي) على نسخة منها، أن هناك كثيرا من الحالات الجنائية المتعلقة بجرائم الاعتداءات بكافة أشكالها على بعض طلاب الخلاوي، ويتعرض بعض أطفال الخلاوي إلى كافة أشكال العنف الجسدي والمعنوي، وقد حدثت الكثير من حوادث الاعتداءات الجنسية ببعض الخلاوي، وآخرها حادثة اغتصاب بشعة قبل بضعة أسابيع هزت ولاية القضارف، حيث قام شيخ خلوة باغتصاب (11) من تلاميذه ممارساً أبشع أنواع الاغتصاب والتحرش الجماعي لضحاياه من الطلاب، الذين يقوم بتدريسهم القرآن الكريم وعلومه الإسلامية بالخلوة، في حادثة صادمة وجدت استنكارا واسعا من كافة مواطني الولاية، وألقت السلطات القبض على الشيخ الخمسيني وسجل اعترافا بالواقعة المؤلمة، وتم إغلاق الخلوة، وتبرأ والد شيخ الخلوة أمام الملأ بأحد المساجد من ابنه المتهم. ومن قبلها تم اغتصاب طالب آخر بمنطقة شرق النيل. وتتعدد الحوادث التي لا تسع المساحة لذكرها إلا عرضاً، وقد أيدت المحكمة العليا بدائرة دارفور الكبرى، غربي السودان، حكم السجن والغرامة الصادر في حق صاحب متجر اغتصب طالب خلوة، وذلك بحبسه عشرين سنة والغرامة (20) ألف جنيه، ودفع تعويض للطفل يقدر بـ(5) آلاف جنيه.
الرقابة وضبط الخلاوي
في الوقت الذي طالب فيه الوزير جابر عويشة رئيس المجلس الأعلى للدعوة والإرشاد في تصريحات صحفية الدولة بتحسين بيئة الخلاوي، مشدداً على أهمية الرقابة وضبط الخلاوي لجهة تنامي ظاهرة الاعتداء على بعض الطلاب، واستنكر السلوك الفردي لمشايخ الخلاوي واعتبره سلوكا مشينا، مؤكدا أن الخلوة مؤسسة التعليم الأولى في السودان، وأن نظام التعليم بها يختلف عن نظام التعليم الحكومي والأهلي، وشكا من التشرد والتسول وقال: (عامل لينا إزعاج)، ونحن نحارب الغلو والتطرف ونواجه الغلو بالعلاج بوسائل متطورة جدا، وكشف أن (90 %) من طلاب الخلاوي تقع عليهم الظروف الإنسانية والفقر وأنه لابد من معالجة تلك الظواهر السالبة. لننقل ونعكس بعض من واقع الخلاوي بولاية الخرطوم قامت (اليوم التالي) بجولة ميدانية على بعض منها.
غرف مكتظة
من خلوة أم القرى جنوب الخرطوم بمنطقة مايو كان وصولي للمكان في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرا، الهدوء يجتاح المكان الذي تتطاير الأوساخ بفنائه, وبعد لحظات عرفت أنهم يغطون في نوم عميق (قيلولة)، وعندما حان موعد صلاة الظهر بدأ الطلاب في الخروج من غرفهم التي ظننتها في لحظة وصولي مكتظة, وتأكد لي لاحقاً أنهم يتشاركون السكن مع بعضهم دون التفريق بينهم حسب أعمارهم. وتضم الخلوة (150) طالبا بينهم أطفال صغار في السن، تتراوح أعمارهم ما بين (7-14) عاماً.
تعرض للعنف
تحدثت مع الطفل شمنون يحيى الذي يبلغ من العمر (12) عاما، وأكد لي أن الشيخ نائم ويجب علي أن أنتظر حتى يفيق من قيلولته، وواضح أن عددهم (25) طالباً يتشاركون الغرفة الواحدة في النوم، وأكد تعرضه للعنف من بعض زملائه بالسكن، وخلال جولتي لاحظت أن الخلوة تعاني من الاكتظاظ فعدد الغرف بها لا يكفي لعدد (150) طالبا، فالقائمون على أمرها لا يقومون بفصل الطلاب، حيث يتشارك الكبار والصغار السكن والنوم عشوائيا من دون التفريق بين الطلاب في المضاجع.
أمراض جلدية وصدرية
من خلوة الشيخ دفع الله الصائم ديمة بمدينة أم درمان بمحلية أمبدة الحارة الرابعة التقت (اليوم التالي) بالطالب (ع.م) البالغ من العمر عشرين عاماً (فضل عدم ذكر اسمه)، حيث قال إنه أتى من ولاية شمال دارفور من معسكر أبو شوك للنازحين، من أجل حفظ القرآن بعد تدهور الأوضاع الأمنية بسبب الحرب في منطقته سابقاً والتي أدت لزعزعة الاستقرار بها، وذكر في حديثه أن هناك بعض الطلاب بالخلوة يعانون من أمراض جلدية وصدرية. وعن التغذية والوجبات التي يتم تقديمها لهم، أوضح أن الطبق الرئيسي يحتوي على العصيدة (يتم صنعها من الذرة المحلية وتسمى فتريتة)، وأن الوجبات غالبا ما تحتوي على الأرز واللحم، وذلك في أيام الاحتفالات والجمعات، وأن هنالك الكثير من الخيرين يجودون بمالهم بغرض تحسين وجبات الطلاب.
معاملة سيئة
وأكد طالب بذات الخلوة تلقيهم معاملة طيبة من شيوخهم، وعن تعامل الطلاب فيما بينهم أشار إلى أنها تقوم على أساس التآخي وأن العقاب من شيوخهم ليس قاسيا. وأكد عدم وجود اعتداءات بخلوة الصائم ديمة، وشكا أهالي بعض الطلاب الذين يدرسون بخلاوي تقع على أطراف العاصمة من المعاملة السيئة التي يجدها أبناؤهم من بعض الشيوخ المتشددين، الذين قالوا إنهم يوسعون أبناءهم ضرباً مبرحاً في حال أن أخطأ أحدهم، أو يمارسون معهم أساليب أخرى من العقاب مثل حرمانهم من تناول الطعام والشراب لساعات طويلة.
مطالبة بالتأهيل النفسي
ويرى بعض المواطنين الذين استطلعتهم (اليوم التالي) أن هناك أتياماً من وزارة الصحة تزور الخلاوي في فترات متقطعة الغرض منها تطعيم طلاب الخلاوي لتحصينهم ضد الأمراض والعدوى، وأشاروا الى أن الاهتمام بالصحة ليس كافيا. وفيما يخص التأهيل للشيوخ بالخلوة بينوا أن بعض الشيوخ دارسون للعلوم القرآنية, مثل الفقه والتجويد واللغة، وطالب بعض أولياء أمور الطلاب بالتأهيل النفسي والاجتماعي لشيوخ الخلاوي.
غياب الوازع الديني
وعن العنف داخل الخلاوي تحدثت الدكتورة حنان الجاك الباحثة الاجتماعية لـ(اليوم التالي)، وقالت إن المشكلة لها أبعاد متعددة أولها الثقافة الاجتماعية السائدة لدى الكثيرين والمفاهيم المغلوطة، وأشارت إلى أن من يقومون باغتصاب الصغار يعانون من علة مرضية كبيرة ووصفته بأعنف الجرائم التي ترتكب في حق الصغار، وأرجعت ذلك لغياب الوازع والوعي الديني، وقالت إن هؤلاء يأخذون الدين كدثار يختبئون خلفه، وأضافت هذا نوع من الاعتداء السادي يهدد أمن وسلامة المجتمع.
عدم الاتزان النفسي
وبينت أن الدوافع تختلف من شخص لآخر باختلاف البيئة السائدة التي تشكل المؤثر الأول، وأشارت الجاك إلى أن هناك بعض الشيوخ يعانون من عدم الاتزان النفسي الذي لا يظهر ولا يكون خاضعا لأي معايير سلوكية ترتبط بالعادات والتقاليد والأعراف والقيم الأخلاقية والدينية التي تنهى عن الظاهرة الخطرة, وأكدت أن الاعتداء مرتبط بالشذوذ، وقد يكون أحدهم تعرض لاغتصاب في صغره ما جعله مخزنا في ذاكرته ويخرج إلى السطح متى ما وجد الجو مهيأ أو وجد ضالته, أيضا قد يأتي الفرد من بيئة يعاني فيها من اختلاف المعايير النفسية والاجتماعية السيئة, كلها عوامل تتفاعل داخل المغتصب وتحوله إلى شخص ينتهز أي فرصة لإشباع رغباته المريضة، لما تلقاه في حياته من سلوكيات سالبة.
وضع اختبارات للشيوخ
إضافة لغياب الرقابة لاعتبار أنها مكان آمن ولكن بالنسبة لبعض الشيوخ تصحي النزوات لديهم ولا يتم وضع معايير أو اختبارات لهم باعتبار أنهم حفظة للقرآن الكريم، وربما يكون هذا الشخص تعرض لعنف أو ثورة غضب مكبوت ويكون الاغتصاب ناجما عن حالة غضب يفرغ فيه كل مشاعره السالبة وينتقم لكل ما واجهه في حياته، وأحيانا يكون الاغتصاب إحساس إهانة للآخر، أي تتعدد الأسباب التي يختبئ وراءها سلوك الفرد. وقالت الجاك نحن كمجتمع سوداني ننسى تماماً اختلاف البيئة والتنشئة والتربية وكل ما قام عليه الفرد من أنماط سلوكية, بسبب عدم إدراكنا لواقع الحياة ومعايشة البعض.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..