محمد عيسى عليو الأمين العام لقوى الإصفاف الوطني: المؤتمر الوطني لن يسكت وارادتنا أكبر من الإبتزاز ..

بدا الدكتور (محمد عيسى عليو)، القيادي السابق بحزب الأمة القومي، الذي يتولى الآن منصب الأمين العام لقوى الإصفاف الوطني، متحمساً لفكرة اجراء حوار معه، ليفرغ ما بداخله من قضايا تنصب في مصلحة البلاد ? حسب قوله، فجاء إلى مكاتب صحيفة (الوطن) مستجيباً لطلبنا، وهو ينشد ما يبتغى الإفصاح عنه، ويجيب على الأسئلة المطروحة عليه بكل شجاعة، في كل ما يتعلق بالمسائل السياسية، إلى جانب كشفه سراً لأول مرة يبوح به..
حوار : أمير علي الكعيك
ماهي صفتك الحزبية الآن ؟.
أنا عضو في حزب الأمة القومي مع وقف التنفيذ، وكنت عضواً في المكتب السياسي، ولا زلت في تقديري، مع العلم أنه تم فصلنا من المكتب السياسي مجرد مقارعة الرأي بالرأي الآخر، ونحن مجموعة على رأسنا الدكتور آدم موسى مادبو، ومولانا حامد محمد حامد، وتم فصلنا قبل حوالي أربع سنوات.
حالياً هل تنتمي لأي تنظيم سياسي ؟.
أصلاً أنتمي لحزب الأمة، ولكن اختلافنا في الرؤى السياسية أدى إلى تجميد نشاطنا في الحزب، وحالياً أتقلد منصب رئيس المجتمع المدني الدارفوري، وأحد مؤسسي الحوار في العام 2014م، وهو تنظيم لمجموعات وهيئات دارفورية معنية بحقوق الإنسان، وهي هيئات مطلبية، ولكننا إرتضينا أن نتوقف عن العمل السياسي، رغم أن مطالبنا تمس السياسة.
ماهي الدواعي لإنشاء “الإصفاف الوطني” ؟.
يضم الإصفاف الوطني مجموعة من الأحزاب المعارضة، وعندما نادى رئيس الجمهورية للحوار الوطني تداعينا في إجتماعات، واتفقنا في المرحلة الأولى على اطلاق مُسمى (الأحزاب والتنظيمات المعارضة)، التي قبلت بالحوار، ولكن لاحقاً تغيّر الإسم إلى (تحالف القوى الوطنية)، وضم (18) حزباً، وكنا الجهة المعارضة الوحيدة في مواجهة الطرف الحكومي، وتم إختيار سبعة من المعارضة، ومثلهم من الأحزاب المُتحالفة مع الحكومة، وبدأنا النشاط الوطني، وبعد فترة انسحب حزب الأمة من الحوار، ونحن واصلنا، ووقعنا خارطة الطريق التاريخية مع البروفسيور إبراهيم غندور، ولكن الحكومة إنقلبت (180) درجة عن (الطريق)، وأثر موقف دخول الإنتخابات على تحالف القوى الوطنية، وكنا اتفقنا في خارطة الطريق على تنظيم الإنتخابات بعد الفترة الإنتقالية، ولكن المؤتمر الوطني قرر أن يدخل للإنتخابات، بينما أصر إثنان من التحالف على المشاركة في الإنتخابات، وتم فصلهما من لجنة (7 في 7)، الشيء الذي أدى إلى تصدع في تحالف القوى الوطنية، وبعدها قرر المؤتمر الشعبي المضي في حواره مع المؤتمر الوطني، وتم اختيار لجنة جديدة من المعارضة؛ والتي نعتبرها لجنة غير حقيقية (مُزوّرة)، وبعدها جمّدنا الحوار إلى العام 2016م، وبعد إتصالات من المؤتمر الوطني واصلنا في الحوار، ونحن (حسبناها) وطنياً، وليس لنا خيار سوى الحوار، وكنا مختلفين.
ماهي أسباب الخلاف ؟.
مثلاً حزب التضامن، ومعه آخرين كانوا يفتكرون أن الحكومة غير جادة، بينما أسس غازي صلاح الدين، والطيب مصطفى (قوى المستقبل)، ونحن ظللنا في تحالف القوى الوطنية، ثم رجعنا، وقررنا الدخول في الحوار، وكنا أعضاء في الجمعية العمومية الأخيرة، ووقعنا الوثيقة الوطنية، وفي شهر يناير الماضي (2018م) تنادينا مرة أخرى، باعتبار أن اختلافنا لم يكن استراتيجياً، وإنما تكتيكي، وبدأنا عملاً جديداً بالإستفادة من أخطائنا السابقة، إذ لم يكن لدينا اتفاق على الحوار، وبرنامج وطني موحد، وعملنا ورش لنقد الحوار خلال الخمسة الأشهر الماضية، إلى جانب إصدار لائحة لضبط الإجتماعات ونظاماً أساسياً، وكتابة مذكرة عن الحوار الوطني (ما تم تنفيذه، وما لم يتم)، ونعتقد في الوقت الحالي أن (الإصفاف) عمل وطني كبير، وقمنا بتوزيع مذكرة للجهازين التنفيذي والتشريعي؛ اعتمدنا فيها على ورشة بالبرلمان، وأكدنا في المذكرة تنفيذ (10%) من مخرجات الحوار الوطني، بينما تدعي الحكومة تنفيذ (36%)، ومرة أخرى (66%)، ومن ضمن الذي طُبق هو منصب رئيس الوزراء، ومن الأشياء التي اتفقنا عليها هو انتخاب الولاة والمعتمدين، وليس تعيينهم، ونحن نحذر من ذلك، باعتباره من (صلب الحوار)، إلى جانب ضرورة تعديل الدستور، الذي تنتهي صلاحياته بمرحلة الإنتخابات، وبعدها تضع الجمعية التأسيسية المُنتخبة (الدستور الجديد)، وأي التفاف حول هذه المرجعية سيُدخلنا في اشكاليات كبيرة.
لماذا سُمي بـ(الإصطفاف الوطني) ؟.
تم اختيار الإسم في جلسة استمرت حوالي ثلاث ساعات، وجاء الإختيار بعد ترشيح (9) خيارات، وأطلقنا الإسم باعتبارنا في مرحلة المرونة، فقط (نصطف من أجل الوطن)، بدون ايدلوجيات أو قبليات أو جهوية، وعندما تم اختيار الإسم كانت أعيننا في قوى الإجماع الوطني؛ الذين نعتبرهم (أناس وطنيين) ولهم قضية، إلى جانب اخواننا في حزب الأمة، ونسعى أن نمد أيدينا لإخوتنا خلف البحار، وفي المرحلة الأولى (عايزين نصطف)، من أجل قضايا محددة، ولا توجد لدينا (نظرة ضيقة)، وهذا البلد يمضى إلى (إنحدار)، ونحن نريد الإصطفاف من أجل قضايا أساسية من ضمنها الحوار، ومعاش الناس، وتوقيع اتفاق سلام شامل لكل المعارضين والحركات المسلحة، باعتبار أن الحروب انعكست على (معيشة الناس)، وأي إنسان يقول (الحرب وقفت موهوم)، لجهة أن التمرد مستمر.
الساحة تمتلي بالأحزاب والتحالفات.. ما هو المغزى منها ؟.
اعتبر ذلك (شيء ليس له معنى)، والسبب فيها المرونة التي جاءت في عهد ما يُسمى بـ(التوالي السياسي)، واتاحة الفرصة لأي مئة شخص تكوين حزب، وهذه الأحزاب في تقديري هدفها (الشوفونية)، مع العلم أن الكثير من الأحزاب لاتملك داراً ملكاً لها، أو برامج، ونحن هدفنا في (الإصطفاف الوطني) استكشاف بعضنا “وطنياً وأخلاقياً وفكرياً”، وهل بالإمكان في حال انضمام أحزاب أخرى أن نخوض الإنتخابات المقبلة في إطار حزبي واحد، أو حزبين أو ثلاثة، أو الدخول بمرشح واحد لقوى الإصطفاف، وهذا (مُمكن جداً).
هل تتوقع أن يحدث لكم اختراق من الحزب الحاكم ؟.
أتوقع ذلك، ليس غريباً على حزب المؤتمر الوطني، والأمثلة كثيرة من قبل؛ كان آخرها تأثيره على تحالف القوى الوطنية بسحب مجموعة مننا، باعتبار أن الحزب لايريد أن تنافسه أي قوى سياسية، وقام في فترة سابقة بتعيين لجنة السبعة (المُزوّرة)، التي أخطأت بتسليم مخرجات الحوار لرئيس الجمهورية، وتفويضه رسمياً بتنفيذها، ماعدا إبراهيم السنوسي (المؤتمر الشعبي)، وهي أكبر عِلة في تاريخ الحوار، وواضح جداً أن المؤتمر الوطني لن يسكت على تكوين قوى الإصطفاف، ولكن ارادتنا أكبر من الإبتزاز، وأقوى من الإختراق، وإن تضاءلت أعدادنا إلى سبعة أو أقل، سنستمر في عملنا، ونعمل على زيادة أعدادنا، وأذكر أن بعض الشخصيات المُهمة من المؤتمر الوطني أجرت اتصالاً معي عقب المؤتمر الصحفي الذي عقدناه قبل شهر رمضان، وكشفا لي أنهم معنا، وطلبوا مني بعض المستندات، ليقفوا معنا، وفي اعتقادي أن هنالك روح جديدة.
هل تثق فيهم ؟.
ضحك .. أنا كتابٌ مفتوح، وما نناقشها هي قضايا وطنية، وإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، “ونحن واضحين” في طرحنا، وأي شخص ينضم لنا سنقبله، وإن نقل معلومات (نحن ما خايفين).
هل اتصلتم بالحركات المسلحة ؟.
حتى الآن، لاتوجد اتصالات، ولكن رسائلنا وصلتهم، والحركات المسلحة ليسوا شياطين بين السماء والأرض، وإنما لهم قضايا وطنية نحن نتفق معهم في جُلها، والحكومة لعبت دوراً سلبياً في الحوار مع المُسلحين، لجهة أنها ليست راغبة في دفع مستحقات السلام، والكرة في مرمى الحكومة، وليس الحركات، ونعمل على التواصل مع الحركات المسلحة من أجل توقيع اتفاق سلام، مع الإشارة إلى أن الحوار الوطني لم يصل للحركات رسمياً، وإنما تلقوه عبر وسائل الإعلام، رغم مطالبنا بارسال لجنة لمقابلتهم، وكانت الرحلة اليتيمة التي قام بها أحمد سعد عمر، وغازي صلاح الدين، ووقعوا مع الحركات المسلحة مذكرة في أديس أبابا، ومن المؤسف هو اعتقاد البعض أن أي سياسي داخل السودان هو عميل للحكومة، ومن في الخارج هم عملاء لدول غربية، وهذا غير صحيح.
هناك من يرى أن الطرفين ليس في نيتهم توقيع اتفاق سلام ؟.
أضرب لكل أمثلة، جوزيف لاقو وقع من قبل اتفاق سلام، وكذلك الحركة الشعبية مع الحكومة، وقبل ذلك كان الإتهام قائماً حول نية الطرفين عدم التوقيع على السلام، وهذا يدحض فكرة ما يُقال، ولكني أرى أن الجانبين (ممسوكين) من اليد الضعيفة، والتمرد مثلاً مرتبط مع (الخواجات)؛ الذين يريدون الثمن من ذلك، والحكومة (ممسوكة) من قضية محكمة لاهاي، وكلما تلتقي بالحركات تتحدث عن الحل للاهاي، مع العلم أن الحركات المسلحة ليس لديها حل لذلك، ونحن نطمئن الحكومة أن السودانيين لن يسلموا الرئيس البشير لمحكمة الجنايات الدولية (مستحيل)، وأي شخص متطرف في الحركات لن يفعل ذلك، لجهة أن لدينا الحلول الوطنية.
هل ترى أن “الإصطفاف الوطني” يُمكن أن يسهم في حل مشاكل البلاد ؟.
نحن نسعى مع الآخرين للمساهمة في حل قضايا السودان، ومشاكلنا واضحة تتمثل في حسم الأزمة الإقتصادية، ولكن الحكومة زادت الصرف المالي بالترهل الوظيفي في الوزارات، مع قلة الصادرات وزيادة الواردات، وأعتقد أن الجهاز الإقتصادي هو جزء من المنظومة السياسية، وليس العكس، وإذا ساعدتنا الحكومة سنجد مخرجاً لمشاكل البلاد.
إلى أين يمضي السودان ؟.
هذا سؤال مهم، في تقديري الشخصي إننا إذا لم (نصطف جميعاً) لإنقاذ السودان، ستكون بلادنا في مهب الريح، مع الإشارة إلى أن القوى الدولية لاتخفى أفكارها، ومن بين تفكيرها هو تقسيم السودان إلى دويلات، بدعوى أن حكمه مركزياً (صعب)، وللأسف نحن كسودانيون من نساعدهم، وظهر ذلك بفصل الجنوب، وفي رائي أن المشورة الشعبية هي (إسم الدلع) لتقرير المصير، وسيعمد قطاع الشمال إلى تطبيق الحكم الكونفدرالي بغية الإنفصال، بمعنى أنها ستكون (نيفاشا 2)، وفي دارفور سيكون هنالك (كرزاي جديد)، ولكن للأسف بعض اخوتنا في الحكومة والمؤتمر الوطني يروجون لهذه الفكرة، وأقول : (إن السودان سيكون في مهب الريح، إذا لم ينقذه الوطنيون الخلص).
نتجه لأشياء تخصك، لنتعرف عليك أكثر ؟.
أنا من مواليد الضعين 1955م، ودرست الأولية بمدرسة (أبومطارق)، ثم الضعين الوسطى، ودارفور الثانوية، الفاشر الثانوية، الجنينة الثانوية، وسبب التنقلات ليس لأن أبي كان موظفاً، وإنما كنا (ناس انتفاضات، وعاملين إزعاج) لنظام مايو (الرئيس جعفر نميري)، ودرست في جامعة بيروت العربية (تاريخ ليسانس)، وحصلت على درجتي الماجستير والدكتوراة من جامعة أم درمان الإسلامية، وأكتب في عدة صحف الآن، وأنشط في الأعمال الحرة، ولم أتلق (أي قرش) من الحكومة، ولم أخذ من مال الشعب بالحلال أو الحرام ، وكنت قبلها مغترباً.
إذا طلب منك أن تكون وزيراً .. هل توافق ؟.
أوافق أن أكون (غفيراً) في هذا البلد، إذا كان هنالك برنامجاً وطنياً متفق عليه، أو أن أُنظف (كناس) في مجلس الوزراء، ولكن (بالحالة دي) إذا عُرض عليّ منصب رئيس مجلس الوزراء فلن أوافق، لأن الحالة مُظلمة، ولا يُمكن أن أحرق ديني ودنياي (في لحظة واحدة).
ماهو طموحك السياسي ؟
طموحي أن يصطف السودانيون في وحدة سياسية متقاربة، مع العلم أن العالم المتحضر لاتوجد فيه أحزاب كثيرة (إثنان أو ثلاثة) في كل دولة، ورائي أن نتقارب وطنياً ونختلف فكرياً.
هل خطر على بالك أن تكون رئيساً للسودان ؟.
لم أحلم بذلك، ولن أفكر، مع الإشارة إلى أن قيادات حكومة الإنقاذ – منذ بداياتها – طلبوا مني أن أكون معهم، ولكني مؤمن أن النظام العسكري ليس له (منتوج)، ولن أتورط مع نظام عسكري نتائجه معروفة، ولكنهم إذا أمنوا بالتحول السلمي مبكراً؛ كنت ساعتبرها فترة انتقالية (زعلة جيش)، بحجة أن التمرد اقترب من كوستي (كما يقولون)، والسودانيون في تقديري ليس لهم حل سوى الديمقراطية.
ماهو السر الذي كتمته وتريد أن تبوح به ؟.
كنا في هيئة جمع الصف الوطني، وستذهل بالفرص الضائعة التي فوتتها الحكومة لتحقيق السلام، وكل أسرار الهيئة في صدري.
ماهو السر الأبرز ؟.
إذا عرِفت الناس حقيقة الرئيس أسياس أفورقي؛ لفتحنا الحدود بيننا وبين أرتريا، وجعلناها دولة واحدة، وأذكر أنه بعدما سمع بهيئة جمع الصف الوطني؛ اتصل بكل الحركات المسلحة وجمعهم، وقابلناهم في أسمرا، بعد ترؤسي للوفد، وكان ذلك في شهر رمضان، واجتمعنا بمعية الرئيس الأرتري، وأبلغته تحيات رجل الأعمال علي أبرسي؛ الذي تجمعه به علاقة قديمة، وقال لي أفورقي : (قول لي السودانيين كلهم بسلموا عليك، فأنا سوداني، وكنت أسكن الديوم الشرقية، ومثلما نجحت في حل مشكلة الشرق، سأحل قضية الغرب، وناسك ديل بكرة حتجي تقابلهم)، ويقصد الحركات المسلحة، وهو ما حدث، وحينما قابلناهم دارت مهاترات بيننا، واتهمونا أننا (جبهجية)، ولكننا في النهاية اتفقنا معهم، وأذكر أن طلباتهم تتمثل في اطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووقف اطلاق النار المشترك، ووعدناهم بأن طلباتهم مستجابة، وعدنا إلى السودان، وجئنا فرحين باعتبارنا نجحنا، وفي طريقنا لمطار الخرطوم؛ ونحن نهم بالعودة مرة أخرى لأسمرا لمقابلة وفد الحركات المسلحة؛ تم ارجاعنا بدعوى مقابلة الرئيس عمر البشير، وتم تحديد مواعيد لنا لمقابلته، والتقيناه، وكانت لغته مُتغيرة، وواضح أن الصقور (أثروا على الفكرة كلها)، في حين توالت الإتصالات من الحركات المسلحة حتى نفيدهم بقبول الحكومة لمطالبهم، واضطر الرئيس أسياس أفورقي منحهم جوازاتهم لكي يسافروا، ولا زلنا ندفع الثمن حتى الآن، وهذه من الأشياء التي تألمت لها.