حول خطاب (البشير) أمام مجلس الشورى ..!! (2-2)

(*) قلنا أمس أن الرئيس السوداني ” يكفُر ببعض الكتاب ويؤمن بالبعض الآخر ” ، وإلا كيف نفسّر قوله بأن بروتوكول جنوب كردفان والنيل الأزرق يعتبر مرجعية لأي مشكلة تطرأ في هاتين المنطقتين ..!! فإذا كان البشير نفسه قد تلكأ وتباطأ في تنفيذ إتفاقية نيفاشا (أم الإتفاقيات) ، فكيف يطمئن الأهل في جنوب كردفان والنيل الأزرق إلى وعوده الكثيرة بلا جدوى…!! أما حديثه السيئ عن مناضلي دارفور وقوله حولهم أنهم أصبحوا بقايا لحركات ومليشيات للنهب والسلب وترويع المواطنين ، فإن الزمن كفيل بتعريفه بهؤلاء ، فذاك شأن سوداني لا نريد أن نخوض فيه كثيراً .

(*) وسخر البشير كعادته في مثل هذه المناسبات من دول الربيع العربي ، عندما طالبهم بأخذ نموذجه في الحكم . وهو يعلم أن نموذجه الذي ينبجح به هو (السحل والقتل والتنكيل والإعتقالات والإرهاب) ، حتى للنساء والفتيات صغار السن ..!! وقال (بشير السودان) في هذا الصدد ( إن ممارسة الوطني وإلتزامه بالشورى في هياكله ونظمه وفي نظامه الأساسي أنموذج يقدمونه للأحزاب الداخلية وللذين يتطلعون إلى نظم ديمقراطية في دول الربيع العربي )..!! ومن سخريات القدر أن يقدم رئيس السودان نصائحه لدول الربيع العربي ، وهو يعلم يقينا ان أقلّ الدول العربية تنميةً كاليمن ، يتمتع الشعب هناك بكل الحقوق والحريات ، حيث لم نسمع بأن دولة عربية طلبت (إغاثة) من المنظمات الدولية ، على الرغم من أن معظمها تعيش (الجدب والقحط والجفاف) طول العام ، ولا تتوفر لديهم أي غطاء نباتي أو مياه للأنهار تكفي الحاجة للشرب أو الزراعة ..!! وينسى البشير أن مظلومي سياسته قد هجروا السودان وإستوطنوا الدول العربية ، وبالأخص الخليجية هروباً من زبانيته وإستبداده وسياساته غير المدروسة منذ أن إستلم حكم السودان . وينسى كذلك أن المواطن السوداني الحر الشريف الذي غادر السودان فاراً بدينه وأخلاقه وقيمه وإنسانيته ، هذا الذي نجا بجلده ، يعلم تماما أن نظام البشير ، (أكبر وصمة عار) في جبين السودان ، في كل عهوده ، فهو النظام الذي مزّق السودان إلى دولتين ، ويريد أن يمزّق ما تبقى من خريطة السودان ، والتي صارت كمن يلبس (عراقي بدون سروال) كما قال بذلك أحد أصدقائي ..!! أنه (الحكيم البشير) .. يسدي بنصحه للمستبدّين العرب ، والذين إن يتفوقون عليه في شيئ ، فإنهم يتفوقون عليه في الإنسانية والضمير .

(*) وجد الرئيس السوداني فرصته في مؤتمر الشورى ، لكي يوغر صدر المواطن السوداني على إخوته الجنوبيين ، وهو يعلم أن الذي فصل جنوب السودان هو هو ، وأن الذي لم يجعل الوحدة جاذبة هو هو ، وأن البشير هو رئيس السودان الذي كان بيده مفاتيح كل شيئ .. فهل كان البشير و(جنوب السودان يقلّب له قفاه ) فاقد للوعي حينئذٍ ..؟!! وكيف يسمح البشير لرئيس مجلس شورى حزبه المدعو أبوعلي مجذوب ابوعلي أن يعلن الإستنفار .. !! ألا يعني الإستنفار إعلان الجهاد على المكونات الأخرى للسودان ؟ وأعني بهم أهل جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق ودارفور.. ومن ساء حظه فقبع في السودان إنتظارا لحقوق لن يجدها في القريب العاجل من الجنوبيين السودانيين ..!! هل يريد رئيس شورى المؤتمر الوطني إعلان الجهاد ضد أهل دارفور والنوبة والفونج ..؟!! قد يريد ذلك ، فقد كفّروا بالفعل قادة الجبهة الثورية ومن وقّع على (الفجر الجديد) من السودانيين أنفسهم .

(*) إن أكثر ما يجعلني أعيش في حيرة من أمري ، هو أمر المؤتمر الوطني في السودان ..!! عندما تم التوقيع على (وثيقة الفجر الجديد) الداعية إلى تنظيم صفوف المعارضة السودانية والعمل على إسقاط النظام ، ثارت ثائرتهم ووصموها بوثيقة الكفرة الفجرة ..!! وفهموها على أنها وثيقة تدعو إلى أن يترك أهل السودان دين (الإسلام) إلى الكفر بالله عز وجل ..!! وكفّر نظام البشير الموقّعين على الوثيقة . حتى الشيخ الداعية (يوسف الكودة) الذي يحفظ القرآن بسبع روايات ..!! ألا هل وعى المؤتمر الوطني أن زمان مخاطبة وُدّ العرب في محاولة لكسب حفنة من (الريالات) أو (الدراهم) بمزاعم نشر الدعوة الإسلامية قد ولّى وإلى غير رجعة؟!! ألا هل يدرك القادة في السودان أن الزعماء العرب في شبه الجزيرة العربية قد درسوا العلوم والفلسفات في أرقى الجامعات العالمية ، وأن نغمة (نحن بوابة الإسلام إلى افريقيا) ما عادت تطرب آذان الذين وُلِدوا بجوار (الحرم) وحَجّوا (البيت الحرام) وهم في بطون أمهاتهم ..!!؟ ألا هل يدرك المتأسلمون المستعربون من الدجالين السودانيين أن العالم ما عاد يهمه العصبة للدين أو الجنس أو الإثنية ، وإنما (المصالح تتصالح) وفقا للروابط الإقتصادية المنفعية والأيدولوجيات والقوى العسكرية والتبادل والتعاون المثمر .. !! ألا هل يدركون أن التجارة بإسم (جنوب السودان) لدى عرب الخليج قد إنتهت إلى غير رجعة ، وأن لجنوب السودان وسائل وتكتيكات أخرى لبقائها ككيان وكدولة ذات سيادة لها إحترامها لدى كافة الدول بناء على إحترامها ? دولة جنوب السودان ? للأديان والمعتقدات ..!!

(*) وقال البشير في خطابه (حاولوا يجرجرونا في المحاكم وفي لاهاي بمساعدة رؤساء هم الآن يُجرجرون في المحاكم) . ولا أدري من يقصد البشير : أيقصد الأسد حليفه القويّ ، أم مبارك ، أم سيف القذافي ؟!! وكل هؤلاء (حكام عرب) لا يقلون سوءا عنه …!! أما إن كان يعني الرئيس الإيفواري السابق لوران غباغبو الذي سيمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي خلال الأيام القادمة ، فإنه ذهب بطوع إرادته إلى (لاهاي) ليدفع عن نفسه التهمة الشائنة في حقه وحق البشرية جمعاء .

(*) أما آخر ما قال البشير في خطابه الذي إحتوى على مغالطات كثيرة في حق دولة أخرى وهي جمهورية جنوب السودان ، فإنه قوله فيما يلي (وثيقة الفجر الجديد) التي وقّعت عليه المعارضة السودانية في العاصمة الأوغندية كمبالا مؤخراً (ليس لدينا مانع في ذلك، وإذا فوضه الشعب مبارك عليه) ، وأردف قائلاً: «إذا كانوا عاوزين الوصول إلى السلطة عن طريق العمل المسلح أو التحالف مع الجماعات المسلحة والتعامل مع الوثيقة التي تدعو إلى حل القوات المسلحة والنظامية، فإن البديل هو المليشيات التي سوف تأتي من الجنوب والحركات المسلحة في دارفور)…!! انظروا الآن إلى التناقض الواضح في خطاب رئيس السودان ، فهو من جانب يؤيد الوثيقة في حال فوّضها ووافق عليها الشعب السوداني ، في حين أنه وفي ذات الخطاب لا يعترف إبتداءا بما يسمى بوثيقة (الفجر الجديد) ..!! فكيف إذن يوافق عليه الشعب وها هي أجهزة الأمن تعتقل الدكتور يوسف الكودة رئيس حزب الوسط الإسلامي ، وهو أحد الموقعين على الوثيقة ..؟!! والكودة أحد الإسلاميين الذين يفهمون الإسلام على انه إن أراد الناس أن يرتقوا عبره سلم السلطة ، عليهم أن يدركوا أن (الإسلام دين وسط) ، وأنه ما شاد أحدهم في الدين إلا غلبه ، فلا تشدّد في الدين ، لا في الإسلام أو المسيحية أو اليهودية .. والكودة كذلك (رجل مرحلة) في السودان ، إذ أن فكره يقوم على الديمقراطية الإسلامية القائمة على إحترام الحقوق ورعاية الواجبات ، مثلما كانت دولة النبي (محمد بن عبد الله) في (المدينة المنورة) بعد الهجرة من (مكة المكرمة) .

(*) ونختم المقالين بنتيجة مفادها أن لا تقدم يُذكر في موقف السودان في شأن المفاوضات مع جنوب السودان ، أو الحركة الشعبية – قطاع الشمال ، أو المعارضة السودانية في الداخل والخارج . فالبشير يؤكد في كل خطاباته أن لا صلح أو سلام أو تفاوض مع جنوب السودان ، على نسق (لاءات الخرطوم الثلاث) في قمة 1967م (لاصلح ، لا إعتراف ، لا تفاوض) مع إسرائيل . ويكاد (مطلوب الجنائية الدولية) ينطق بقول بن لادن الشهير : ( لن يهنأ “جنوب السودان” بالأمن والإستقرار ما دمتُ حيا).

إستيفن شانج
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ولله ماءشاء الله يا استيفن شانج … كلامك ريحنى للغاية .. شوف السودان خائن قدر ايش .. نفقدك ويكون معانا في جوقه الصحافة … الاهبل الطيب مصطفي … الف مبروك نتمي ليك دوام المراسلة من دولة جنوب السودان .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..