إنى أفتقدُ جُليبيب!

لطالما تأملتُ فى سيرته ووفاته و إدخرت منها عِبرةً وسكبت عليها من دمعى الغزير، فقد كانتقصته خيوطٌ مغزولة ببريق الصِدق والنقاء والبساطةإذ تحملُ سِرَ قوة ضعف الناس ودروسٍ مُستقاه تنطُق عنهم وتدافع عن بساطتهم وفقرهم وقلة حيلتهم، فقد كان فى زواجه عِبرة لشباب مُجتمعنا الذين ليس لهم مالاً يُعينهم ولا نسباً يشُد من أزرهم ولا حُسناً وثيراً، فقد أهدتنا أملاً …من خلال تلك المقاييس الالهية التي تسقط أمامها مقاييس البشر أصحاب العقول القاصرة والملكات المحدودة.
على ضوء ذلك الجليبيب نقشتعلى جِدار تعامُلاتى سِتاراً يحميني من السقوط فى وحل الإنزلاق الطبقى فلا أُقيمُ للناس وزناً من خلال صورهم ولا مظاهرهم ولا مستوياتهم الإجتماعية، فإتخذت تلك القناعة دِثاراً يصنونى ويحمي حُكمى على البشر فكانت سلاحي ضد أقوى المُغريات من بعض أفكار المُجتمع الجوفاء و كذلك من نفسيّ الضعيفة الأمارةِ بالسوء.
جُليبيب رضى الله عنه لمن لا يعرفه: هو رجلُ من الأنصار ممن جعل الله تقواه سببا للفوز بمحبه الله ، كان كالطائر مُحلقاً دون وطن نقي القلب والسريرة يحملُ من المال فقراً وفى الوجه دمامةً ومن النسب كساداً غير أنه يحمل ايمانا في قلبه اشد رسوخا و ثباتا من الجبال، كان يُكثر الجلوس فى حضرة النبي صلى الله عليه وسلم ليستقى منه السُنة وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحبه حُباً جما، فقد لامس الايمان شغاف قلبه فاحس بتلك النعمة وتعايش معها و أحب النبي صلي الله عليه وسلم حبا ملك عليه لبه وفؤاده.
سأقُصُ عليكم قِصة جُليبيب كما رواها أنس بن مالك رضى الله عنه: عرض الرسول صلى الله عليه وسلم على جُليبيب أن يزوجه ، فالتفت جليبيب إلى الرسول وقال: إذاً تجدني كاسداً يا رسول الله، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: غير أنك عند الله لست بكاسد. ثم لم يزل النبي يتحين الفرص حتى يزوج جليبيباً فجاء في يوم من الأيام رجل من الأنصار قد توفي زوج أبنته فجاء إلى النبي يعرضها عليه ليتزوجها النبي فقال له النبي: نعم ولكن لا أتزوجها أنا، فرد عليه الأب: لمن يا رسول الله؟فقال أزوجها جليبيباً، فقال ذلك الرجل: يا رسول الله تزوجها لجُليبيب!يا رسول الله انتظر حتى أستأمر أمها، ثم مضى إلى أمها وقال لها إن النبي يخطب إليك ابنتك قالت: نعم ونعمين برسول الله فمن يرد رسول الله! وعندما علمت أنها لجُليبيب قالت: لجليبيب؟ لا لعمر الله لا أزوج جليبيباً وقد منعناها فلاناً وفلاناً فاغتم أبوها لذلك ثم قام ليأتي النبي صلى الله عليه وسلم فصاحت الفتاة من خدرها وقالت لأبويها: من خطبني إليكما؟؟ قال الأب: خطبك رسول الله قالت: أفتردان رسول الله أمره ادفعاني إلى رسول الله فإنه لن يضيعني! قال أبوها: نعم ثم ذهب إلى النبي وقال: يا رسول الله شأنك بها فدعا النبي جليبيباً ثم زوجه إياها ورفع النبي كفيه الشريفتين وقال: اللهم صب عليهما الخير صباً ولا تجعل عيشهما كدًا كداً!! ثم لم يمض على زواجهما أيام حتى خرج النبي مع أصحابه في غزوة وخرج جليبيب معه فلما انتهى القتال اجتمع الناس وبدؤوا يتفقدون بعضهم بعضاً فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتفقدون من أحد قالوا: نعم يا رسول الله نفقد فلاناً وفلاناً كل واحد منهم إنما فقد تاجراً من التجار أو فقد ابن عمه أو أخاه، فقال صلى الله عليه وسلم: نعم ومن تفقدون قالوا: هؤلاء الذين فقدناهم يا رسول الله فقال : ولكنني أفقد جليبيباً فقوموا نتلمس خبره ثم قاموا وبحثوا عنه في ساحة القتال وطلبوه مع القتلى ثم مشوا فوجدوه في مكان قريب إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم غلبته الجراح فمات فوقف النبي على جسده المقطع ثم قال: قتلتهم ثم قتلوك أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك ثم تربع النبي صلى الله عليه وسلم جالساً بجانب هذا الجسد ثم حمل هذا الجسد على ساعديه وأمرهم أن يحفروا له قبراً قال أنس: فمكثنا والله نحفر القبر لجليبيب ماله فراش غير ساعد رسول الله قال أنس: فعدنا إلى المدينة وما كادت تنتهي عدت زوجته حتى تسابق إليها الرجال يخطبونها
رضي الله عنك يا جليبيب فكم دفعتنى سيرتك لأتعمقبالتفكير كثيراً عن ماهية وجود مثلك بيننا اليوم القانعين بنصيبهم القليل من الدنيا، اللذين يحملون طُهراً وثراءً فى الدواخل وفقراً ودمامة فى ظواهرهم، طالما تساءلت عن مكنون بساطتهم و بكُنهالأملٍ الذى يهتدون به إذ يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وإيمانهم بالله يمنحهم كل قوةَ وثراء.

هسمات – عبير زين
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. بارك الله فيكي يا اختنا عبير وجعله الله في ميزان حسناتك. ولا حرمنا الله من مثل هذه المواعظ التي عسى أن توقظ قلوبنا الغافلة بحب الدنيا.

  2. مقال دسم غني بكل متطلبات الكتابة وفيتميناتها مع ثقافة دينية مُركّزة فالافتتاحية وحدها اشبعتني حد القهم ! ففي البساطة كل الانبساط ، تعاملك مع كل الناس بغض النظر عن مستوياتهم الاجتماعية والعلميةوغيرها يدل على تواضعك وهو في الحقيقة اغلبه تعامل اسفيري تندر فرص لقاء كل اصحاب شبكات النت والتواصل الاجتماعي الافتراضيه على الواقع ان لم تحرمهم الظروف والزمن والمسافات فهناك اشياء غيرها فالبتالي ربما يكون اغلبهم وجد فيك ما نال اعجابه واشبع فضوله كتابة أ طيبة ، حسن تعامل او غيرها ، فــ جليبيب و أويس القرني وبنت شعيب وعريس احد وشهيدها حنظلة وكل المشاهير لولا حُسن تعاملهم وتواضعهم مع الناس ومواقفهم المشرفة لم يكتب عنهم التاريخ ولا تناولتهم الاستاذة والكاتبة عبير زين بمقال جدير بالقراءة والتأمل ، دمتي ودام مدادك يقطر شهد

  3. نسب كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمودا

    فهنيئاً لـجليبيب ! وهنيئاً للصادقين! وهنيئاً للمخلصين! وهنيئاً للسائرين إلى الله! وقبحاً للمتخلفين عن ركب النجاة! وحسرةً على الضائعين الشاردين عن الله! وخيبةً لمن لم يعرف طريق الله! لقد ضاعوا.. لقد ضلوا.. لقد تقطعت بهم الحبال.. لقد نكسوا على رءوسهم من رءوس الجبال!
    فيا من أخذَ بأيدي الصالحين! خذ بأيدينا إليك، وردنا إليك، وافتح قلوبنا إليك، وعَمِّرْ بيوتنا وقلوبنا ومجتمعنا بالتقوى، واغْرِس في قلوبنا لا إله إلا الله لتؤتي أُكلها كل حين بإذنك يا واحد يا أحد.

  4. (((((((((((((عطّر الله أجواءك بمثلما عطرت أجواء القراء بهذه السيرة العطرة لذلكم الصحابي والذي نأمل من ساستنا و(وجهاء بلادنا)أن يمروا على سيرة امثال هؤلاء , ولو مرور الكرام , فعسى ولعل ان يرعووا شويتين من الجري وراء الدنيا , والهندمه الزايده والترفع (الدنّنيء)

  5. في البداية يا أستاذة احب اقول ليك ) الله ينور قلبك بالعلم والدين ويشرح صدرك بالهدى والتقى واليقين وييسر أمرك ويرفع مقامك ف عليين ويحشرك بجوار النبي الأمين .. آمين ويجعل جمعتك مباركة . مقال جميل في يوم عظيم … ليك التحية وياريت تكون كل مواضيع الراكوبة مثل مقالتك القيمة هذة .

  6. اللهم صب عليهما الخير صباً ولا تجعل عيشهما كدًا كداً – بالله ما أعظمه من دعاء يشرح الصدر .
    ثم قال: قتلتهم ثم قتلوك أنت مني وأنا منك، أنت مني وأنا منك – يعني ربح الدنيا والآخرة الله أكبر الله أكبر الله أكبر ، الله يجعل ذلك في ميزان حسناتك يا بت الزين ولك مثل مثل ذلك يا رب .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..