أخبار السودان

طالع المقال الذي بسببه يُحاكم رئيس تحرير “ايلاف” وأحد الكتاب بتهمة انتقاص هيبة الدولة

شرعت محكمة الصحافة والمطبوعات بالسودان، في محاكمة رئيس تحرير صحيفة اسبوعية، على خلفية بلاغ من جهاز الأمن.
ووجه قاضي المحكمة، رافع محمد عبدالنور، تهمة انتقاص هيبة الدولة إلى رئيس تحرير صحيفة “إيلاف” الأسوعيية الدكتور خالد التجاني، وذلك على خلفية البلاغات التي تقدم بها الجهاز ضده بدعوى نشر الأخبار الكاذبة لأجل الانتقاص من هيبة الدولة.
وبنى الأمن اتهاماته على مقال نشرته الصحيفة للكاتب عوض محمد الحسن بعنوان “من هم، ومن أين أتوا، ولماذا” في زاويته الراتبة “إبر النحل”.
ويشن الأمن هجمات ممنهجة على الصحف بغرض تركيعها، وكانت أخر تلك الهجمات بمضاعفة أسعار الطباعة بنسبة 40%.
من هم ومن أين أتوا … ولماذا؟

وفي ما يلي نص المقال

بقلم: عوض محمد الحسن

نشر بتاريخ: 12 كانون1/ديسمبر 2017

تنتابني منذ نحو ثلاثة عقود إلا قليلا، هي عمر هذا النظام العجيب المُسمى (نكاية – على رواية جريزلدا الطيب – في الشعب السوداني الممكون) “الإنقاذ”، حيرة عميقة. ماذا يريدون منا وبنا؟ ولماذا يُقدمون كل يوم على ما يُخالف الرشاد والحس السليم، وحتى وصايا ميكيافيللي، ومصلحة البلاد (وحتى مصلحة النظام)؟ ومتى ستتوقف استباحتهم للبلاد وشعبها ومواردها ومستقبلها؟ ومتى ستبرد “زلعتهم” وشهواتهم بعد ان امتلأت البطون والجيوب، وإن لم تمتلئ العيون فيما يبدو؟ متى يرسل الله في قلوبهم الغلف بصيص رحمة على أهل السودان بعد أن ساموهم سوء العذاب والمذلة سنة بعد سنة دون كلل او ملل حتى حين فتح الله عليهم بأموال النفط التي “تبخرت” – أم تراها “بُخِّرت” – فعادوا يواصلون “عصر” الناس بجباياتهم بحجة الحظر والدعم والموازنة حتى جفت أعواد الناس.
أحيانا أتذكر قصص كتب المطالعة الأولية (المترجمة جلّها من هانز كريستيان أندرسون)، خاصة قصة ذلك الملك “فايداس” الذي ما مَس شيئا إلا أحاله ذهبا خالصا: مالهم كل ما مسّوا شيئا أحالوه رمادا؟ زراعة السودان، وصناعته، وخدمته المدنية، وقواته المسلحة ،وتعليمه، وعلاقاته الخارجية ،وسمعته، و”طويل التيلة”، والأخلاق؟
أحيانا أخرى، حين أرى “زلعتهم” ونهمهم وعجلتهم وهمتهم في الفساد والدمار، وفي أكل السحت والمال العام من أفواه اليتامى والأرامل والمساكين، ونسف مستقبل البلد واستقرارها، وإفقارها، وبيع أراضيها ومشروعاتها الكبرى، ومواردها، ومقدراتها، يخيّل لي أننا سنصبح ذات يوم ولا نجدهم بيننا: جمعوا ما تبقى من السودان، وما خُف وزنه وغلي ثمنه، ورحلوا خلسة إلى بلاد اخرى لهم فيها منافع وضيع ومكتنزات. والحق يقال، لماذا يبقون في بلاد تهوي بسرعة فائقة نحو مصير مظلم تحت ثقل الغبن، وتهتك نسيجها الاجتماعي، وسلامها الأهلي، ووحدتها الوطنية، وسيادتها على أراضيها وسمعتها، وانتشار السلاح والعنف المصاحب له، وانفراط الأمن، وإفلاس رأس المال الاجتماعي، التردي الاقتصادي، والديون المليارية لمن لا يرحم. تصرفاتهم وسياساتهم وتصريحاتهم لا تشبه من يريد بلادا معقولة يحكمها، مهما كانت دوافعه وأيديولوجيته. ما بالهم يُقدمون على كل ما فيه أضرار ودمار للبلاد والعباد؟ ألا يريدون أن يحكموا السودان لحين ظهور المسيح الدجال، كما زعموا؟ لماذا إذن لا يحسنوا قليلا حتى تبرد آذانهم من دعوات الناس عليهم ليلا ونهارا، وهي دعوات مظاليم؟
وحين أعياني التفكير في هذه المعضلة، وازدادت حيرتي، لجأت إلى مستودع الحكمة في الشأن السوداني وفي طبيعة هذا النظام : صفحة الطيب صالح، رحمه الله، في مجلة “المجلة” قبل أكثر من عقدين من الزمان، في بدايات هذه المصيبة: “من هم ومن اين أتوا” التي رأى فيها الطيب، بثاقب بصره وبصيرته، علّة هذا النظام وسرّه الذي استغلق عليّ (وعلى العالمين). في تلك الصفحة الواحدة، وفي ذلك الوقت المُبكر من عمر النظام، عبّر الطيب صالح، بفطنة المفكر الأصيل والكاتب الموهوب، عن حيرتي العميقة بتساؤلاته المتكررة عن “من هم، ومن أين أتوا، وكيف”. كتبتُ له آنذاك مضيفا إلى تساؤلاته تساؤلاتي: “وماذا يُريدون منّا وبنا؟”
يقول الطيب رحمه الله في صفحته الخالدة “لماذا يعملون على إعماره وكأنهم مسخرين لخرابه”. في جملة واحدة بليغة يضع الطيب يده على موطن العلة. يقول – تلطفا ربما، وربما ضربا من البلاغة أسميه التشكيك بما يشبه التاكيد – “وكانهم مسخرين”. وأقول أنا، بلا تلطف ودون بلاغة: “وهم مسخرين لخرابه”. لدي قناعة متزايدة اأن هذا النظام “مُرَسّل”، مُسخّر، “مكري” لخراب السودان. جهة ما أرسلته وطلبت منه تدمير السودان بحيث لا تقوم له قائمة أبد الدهر. كلما قلبت الفكر في حالنا ازدادت قناعتي بذلك إذ ليس هنالك تفسير لهذا الدمار المُمنهج المستمر تفسير آخر، فهو ليس فقط نتاج جهل فاضح (ولهم من ذلك نصيب كبير)؛ وليس فقط نتاج فساد (ولهم في ذلك باع طويل وعبقرية وجرأة نادرة). لا يبقى إذن سوى احتمال أنهم ينفذون تكليفا من جهة ما أرسلتهم وتركت لهم غنائم “غزوتهم” على السودان.
تترسخ قناعتي بهذا التفسير كلما استعرضت، (على سبيل المثال)، بعض قرارات وإجراءات النظام منذ اليوم الأول وحتي كتابة هذه السطور، وهي في مجملها، وكيفما نظرت إليها، لا هدف لها، في رأيي، إلا التدمير الممنهج للركائز الأساسية التي تقوم عليها الأمم والدول والمجتمعات. بدأوا أولا برأس المال الحقيقي للأمة ألا وهو الموارد البشرية، وهي موارد لا غنى عنها لتسيير دولاب الدولة وتنظيم حركة المجتمع: أفرغوا البلاد من الخبرات المتراكمة التي لا تُشترى بتهمة “الصالح العام” ليُمكنوا لمنسوبيهم الذين يفتقدون المعرفة والخبرة (والأمانة كما اتضح) مهما بلغت حساسية المنصب أو الخبرة المطلوبة لملئه (معمل استاك، البنك المركزي والجامعات، مثلا). وقد قرنت ذلك بإضعاف التعليم النظامي (أو قل التجهيل المنظم) بتغيير السلم التعليمي بين عشية وضحاها (وقد استغرق تغيير حركة السير في السودان من اليمين إلى اليسار في السبعينيات عاما كاملا من التوعية والإعداد)، وإضعاف دور مدرسة الأساس في تمليك الأطفال المهارات الأساسية في الكتابة والقراءة والحساب، وزرع التفكير الناقد في المرحلة الثانوية).
ثم اعتمدوا بعد ذلك مبدأ الإستقلالية المالية للوزارات والمؤسسات والوحدات الإدارية للحكومة، مُنهين بذلك ولاية وزارة المالية المركزية على الإيرادات والمنصرفات مما أطلق الحبل على الغارب، ويسّر الفساد وإهدار الموارد، وصعّب المتابعة والمحاسبة. وتبع ذلك إلغاء هيئات الرقابة والإعتماد والترشيد والتوحيد، وعلى رأسها وزارة الأشغال، والنقل الميكانيكي، والمخازن والمهمات. وانظر ما حل في غيابها من فوضى وفساد بفي المباني والمنشئات الحكومية، والمركبات الحكومية (والخاصة)، واثاثات وتجهيزات مكاتب الحكومة ومدارسها ومرافقها الصحية. واقترن ذلك بهدم أسس وعافية الاقتصاد الوطني، وخنق قطاعاته المنتجة، وبيع مقدراته وأراضيه وثرواته، وإضعاف الجهاز المصري واستباحة موارده في السمسرة والمضاربة، واغتناء القلةّ، وإفقار الغالبية وإثقالها بالديون لأجيال قادمة، ووأد مقدرات القطاع العام في النقل البري والبحري والجوي، وفي الاتصالات، وخصخصتها بأثمان بخسة.
هذا غيض من فيض من القرارات المُدمرة التي لا يتسع المجال لذكرها هنا، ومنها إضعاف المؤسسات القومية مثل الجيش والشرطة والأمن بتكوين قوات موازية متعددة متضاربة السلطات، وإشعال الحروب والنزاعات الأهلية وإذكاء نارها بتقديم السلاح والموارد لها، وتخريب علاقات السودان الخارجية بتغليب مصالح غير المصلحة الوطنية، واحكام عزلته واضعاف دوره الإقليمي (مهما تعددت استضافة المؤتمرات)، وعشرات القرارات الأخرى التي لا هدف لها إلا المزيد من الدمار للبلاد والفقر والإذلال لشعبها.
السؤال الآن هو: ما هي تلك الجهة التي أرسلت النظام لهدم بنيان السودان؟ وما هي غبينتها الدفينة التي لا تقنع، فيما يبدو، بما أصابنا حتى الآن؟

تعليق واحد

  1. مقال عجيب مليان حيرة والم وطبيعي جدا ان لا يجد غير تصرف الحكام عليه بالعقاب لكاتبه فهو كلام واضح وصريح ومكتوب بلا مواربة ولا مداهنة ولا تلميح

  2. سبحان الله! من يحاكم من؟ هذا الموضوع يصور تماماً ما اقترفت أيدي صعاليك الإنقاذ في حق هذا البلد الذي كان عزيزاً!! لقد نسي الأستاذ أن رئيسنا أصبح المتسول الدولي!!

  3. كيف يحاكم من يقول كل هذه الحقائق؟
    هذا لسان حال الجميع فقط الرجل إمتلك الجرأة وقال وجبنا ولم نقل

  4. جزء مهم من المقال
    منها إضعاف المؤسسات القومية مثل الجيش والشرطة والأمن بتكوين قوات موازية متعددة متضاربة السلطات، وإشعال الحروب والنزاعات الأهلية وإذكاء نارها بتقديم السلاح والموارد لها، وتخريب علاقات السودان الخارجية بتغليب مصالح غير المصلحة الوطنية، واحكام عزلته واضعاف دوره الإقليمي (مهما تعددت استضافة المؤتمرات)، وعشرات القرارات الأخرى التي لا هدف لها إلا المزيد من الدمار للبلاد والفقر والإذلال لشعبها.

    فطبيعى يغتاظون و يغضبون المشكله كلها فى هذه الجزئيه فهم لديهم حساسيه عاليه على انتقاد ضعف الجيش و الشرطة فأضعاف الجيش كان ممنهج لكى لا ينقلب عليهم فأضعفوا الجيش و اضاعوه

  5. بسم الله الرحمن الرحيم (فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) الأعراف/79
    هذه المحاكمة تذكرنا بمحاكمة البطل السوداني عبد القادر ود حبوبة، أو محاكمة الطليان لمحارب الصحراء البطل عمر المختار.

    والتاريخ ملئ بقصص الطغاة المعرضين عن الحق، ولك أسوة يا أستاذ خالد التجاني في مؤمن آل يسن، حبيب النجار، الذي نصح قومه كما تنصح أنت سفهاء الإنقاذ، فكان أن داسوا على على بطنه حتى خرجت أمعاءه. وقد أدخله الله الجنة وأكرمه حتى قال (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين)يس/26-27

    إن أهل الإنقاذ لأتعس من شقي ثمود الذي عقر الناقة، كيف لا وهم يعرضون عن الحق في هذا الشهر الفضيل ويضيقون على من أسدى إليهم النصح، وهم في نفس الوقت يصلون ويقومون، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، ويصومون وليس لله حاجة بصيامهم وهم لم يتركوا قول الزور والعمل به.

    نسأل الله أن يفرج كربنا ببركة ليلة القدر وأن يرفع عنا كرب الإنقاذ بين عشية وضحاها فيجعلها دكاً دكاً ونسياً منسياً ما ترى لهم من باقية.

  6. مقال عجيب مليان حيرة والم وطبيعي جدا ان لا يجد غير تصرف الحكام عليه بالعقاب لكاتبه فهو كلام واضح وصريح ومكتوب بلا مواربة ولا مداهنة ولا تلميح

  7. سبحان الله! من يحاكم من؟ هذا الموضوع يصور تماماً ما اقترفت أيدي صعاليك الإنقاذ في حق هذا البلد الذي كان عزيزاً!! لقد نسي الأستاذ أن رئيسنا أصبح المتسول الدولي!!

  8. كيف يحاكم من يقول كل هذه الحقائق؟
    هذا لسان حال الجميع فقط الرجل إمتلك الجرأة وقال وجبنا ولم نقل

  9. جزء مهم من المقال
    منها إضعاف المؤسسات القومية مثل الجيش والشرطة والأمن بتكوين قوات موازية متعددة متضاربة السلطات، وإشعال الحروب والنزاعات الأهلية وإذكاء نارها بتقديم السلاح والموارد لها، وتخريب علاقات السودان الخارجية بتغليب مصالح غير المصلحة الوطنية، واحكام عزلته واضعاف دوره الإقليمي (مهما تعددت استضافة المؤتمرات)، وعشرات القرارات الأخرى التي لا هدف لها إلا المزيد من الدمار للبلاد والفقر والإذلال لشعبها.

    فطبيعى يغتاظون و يغضبون المشكله كلها فى هذه الجزئيه فهم لديهم حساسيه عاليه على انتقاد ضعف الجيش و الشرطة فأضعاف الجيش كان ممنهج لكى لا ينقلب عليهم فأضعفوا الجيش و اضاعوه

  10. بسم الله الرحمن الرحيم (فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) الأعراف/79
    هذه المحاكمة تذكرنا بمحاكمة البطل السوداني عبد القادر ود حبوبة، أو محاكمة الطليان لمحارب الصحراء البطل عمر المختار.

    والتاريخ ملئ بقصص الطغاة المعرضين عن الحق، ولك أسوة يا أستاذ خالد التجاني في مؤمن آل يسن، حبيب النجار، الذي نصح قومه كما تنصح أنت سفهاء الإنقاذ، فكان أن داسوا على على بطنه حتى خرجت أمعاءه. وقد أدخله الله الجنة وأكرمه حتى قال (يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين)يس/26-27

    إن أهل الإنقاذ لأتعس من شقي ثمود الذي عقر الناقة، كيف لا وهم يعرضون عن الحق في هذا الشهر الفضيل ويضيقون على من أسدى إليهم النصح، وهم في نفس الوقت يصلون ويقومون، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر، ويصومون وليس لله حاجة بصيامهم وهم لم يتركوا قول الزور والعمل به.

    نسأل الله أن يفرج كربنا ببركة ليلة القدر وأن يرفع عنا كرب الإنقاذ بين عشية وضحاها فيجعلها دكاً دكاً ونسياً منسياً ما ترى لهم من باقية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..