أخبار السودان

حاسوب الدَّم

عمر الدقير

الأحداث الدامية التي شهدتها كلٌّ من منطقتي “حجير تنجو” و”قريضة” بجنوب دارفور – خلال الأيام القليلة الماضية – تتجاوز الحزن والأسى لتفتح كتاب تاريخ الإنقاذ الذي اختلط فيه حابل الدم بنابل الدمع، فما حدث في “حجير تنجو” و”قريضة” حدث مثله، وقبله بأيام، في معسكر “خمسة دقايق” بوسط دارفور، وسبقتهما إليه أماكن كثيرة – في دارفور وعموم السودان – نزفت من الدم ما يكفي لأن يجاوز سيله الزُّبى كلها .. ما يتبدل هو أسماء الشهداء والجرحى، بينما الجريمة واحدة يعاد إنتاجها في كل مرة برصاصٍ جديد وأمام شهود زورٍ جدد.

إذا كان التاريخ الإنساني عبارة عن حربٍ مستمرة وأن فترات السلم التي تخللتها ليست سوى هدنات لاستراحة المحاربين وتنظيف الأسلحة وإعادة شحذها ولجمع الغنائم، كما يقول ويل ديورانت مؤلف كتاب “قصة الحضارة”، فإن ما حدث في دارفور خلال أقل من عقدين “إنقاذِيَيْن” ربما فاق ما حدث طوال قرنٍ من قرونٍ سلفت من تاريخ السودان، ليس من حيث عدد الضحايا فقط، بل من حيث استرخاص دم الإنسان والتعامل مع الضحايا في معظم الأحيان كأرقام بلا أسماء كما لو أنهم قطعان كِبَاش.

المؤسف أن العبارة المعروفة: “من يعاني السياط على ظهره، ليس كمن يتسلى بعدِّها”، تغيرت وأصبح هناك من يعدُّ القتلى والجرحى بحيادٍ بارد كما يفعل حاسوبٌ أصم .. كأن كيمياءَ لعينةً قد نجحت في تحويل الدم إلى ماء، بعكس ما يقول المثل الشهير، فلم يعد هناك إحساسٌ أو إنفعالٌ يليق بنتائج حاسوب الدم، وصار الموت المجاني بالجملة مجرد كلمات شجبٍ وإدانة تحملها بيانات بعض قوى المعارضة أو يبثها نشطاء في وسائط التواصل الإجتماعي .. بينما يودع الضحايا الحياةَ بأعينٍ مفتوحة يحتشد فيها شعورٌ بالقهر والتخلي والخذلان لتكون النظرة الأخيرة أشبه بعتابٍ حزين لكنه جارح، وكأنها تقول: إن كان مثل هذا المشهد الراعف ينتهي على المستوى الأممي بالصمت وضَرْبِ الذكر عنه صفحاً، كما تفعل اليوناميد في كثيرٍ من المرات، وينتهي على المستوى الوطني بالبيانات وكلمات الإدانة للنظام فذلك بمثابة تحليق مرتفع وبعيد عن هذا الدم المسفوح .. وهو ردُّ فعلٍ غير رادع – إن لم يكن مشجعاً على التكرار -وربما لا يبتعد كثيراً عن لامبالاة شخصيات رواية نجيب محفوظ “ثرثرة فوق النيل” حين سأل أحدهم صاحبه: “متى تُحَل هذه القضية التي يسمونها الشرق الأوسط؟”، فأجابه قائلاً: “عندما يُعْلَن في الصحف أنها حُلَّت”.

خلال فترة حكم نظام الإنقاذ، التي قاربت الثلاثة عقود، نهضت كثيرٌ من الدول المثيلة بحيوات شعوبها في واقع السياسة والإقتصاد والمجتمع بحيث أصبحت الحواسيب هناك تراقب معدلات الإنتاج وتقيس نسب التنمية وخدمات الصحة والتعليم والرفاه، بينما حاسوب الإنقاذ لا يعرف غير قياس معدلات الدم البشري المتدفق من شرايين القتلى الشهداء، بدءاً من مجدي محجوب وعلي فضل وضباط رمضان ثم أولئك الآلاف الذين زَكَمَ رماد أجسادهم المحترقة أنف السماء في دارفور والمنطقتين، مروراً بضحايا هبة سبتمبر وما قبلها وما بعدها من الحراكات الإحتجاجية والمطلبية السلمية – الذين أُهْرِقَتْ دماؤهم كما الماء في الشوارع والساحات – وليس انتهاءً بأطفال المناصير اليُفَّع الذين قضوا بلدغات العقارب مع انعدام الأمصال.

الجرائم لا تسقط بالتقادم، والمجازر لا يواريها غبار النسيان .. ولا بدَّ لشجرة الدَّم التي سقاها الشهداء والجرحى أن تطرح ثمارها ذات يوم، طال الزمن أم قصر.

*صحيفة “أخبار الوطن” – 10 يونيو 2018

تعليق واحد

  1. معروف ان دجالين دارفور كثر وهي أرض اشتهرت بذلك أين الجثث التي اعتمدت عليها هذه الأرقام كله كذب وافك مبين اين عم رجاء دارفور الذين وقفوا حتى يقتلوا كلهم تجار يسعون للمال وهم اهلنا لهم معنا انساب شوية متاجرين في الفنادق يجمعون من مصيرهم معدة كلابنا افهموا ذلك وأقولها نكون أو لا نكون

  2. التحية للمناضلين في المؤتمر السوداني قيادة وقاعدة.

    قبل الاندغام مع النظام في انتخابات 2020 التي هي في رحم الغيب، ندعوكم لترتيب عصيان مدني يوم 30 يونيو متوافقاً مع الذكرى الكارثية التاسعة والعشرين لثورة الانتكاس الوطني.

    هي سوف تنجح هذه المرة وقد واصل النظام السقوط في الأزمات الداوية وآخرها اقتلاع أموال الناس لإدخالها في نظامه المصرفي الذي يشبه جحور الأفاعي الرقطاء.

  3. معروف ان دجالين دارفور كثر وهي أرض اشتهرت بذلك أين الجثث التي اعتمدت عليها هذه الأرقام كله كذب وافك مبين اين عم رجاء دارفور الذين وقفوا حتى يقتلوا كلهم تجار يسعون للمال وهم اهلنا لهم معنا انساب شوية متاجرين في الفنادق يجمعون من مصيرهم معدة كلابنا افهموا ذلك وأقولها نكون أو لا نكون

  4. التحية للمناضلين في المؤتمر السوداني قيادة وقاعدة.

    قبل الاندغام مع النظام في انتخابات 2020 التي هي في رحم الغيب، ندعوكم لترتيب عصيان مدني يوم 30 يونيو متوافقاً مع الذكرى الكارثية التاسعة والعشرين لثورة الانتكاس الوطني.

    هي سوف تنجح هذه المرة وقد واصل النظام السقوط في الأزمات الداوية وآخرها اقتلاع أموال الناس لإدخالها في نظامه المصرفي الذي يشبه جحور الأفاعي الرقطاء.

  5. البديل هو كلمة واحدة دستور المساواة والحقوق والواجبات والعمل السياسي من خلال مؤسسات الدولة والخدمة العامة في التخطيط والتنفيذ والرقابة والمتابعة والإختيار لها بضوابط وشروط القانون في التأهيل العلمي للوظيفة العمومية واللياقة الطبية ولا حاجة للعمل الحزبي ولا الأحزاب السياسية بكل أشكالها.
    هذا هو البديل الذي يجب الاتفاق عليه مسبقاً وسيجبنا هذا من كافة الصراعات الحزبية والقبلية والمناطقية حيث لا حساسية بشأن مركز أو هامش فالتخطيط للتنمية لكل بقاع البلاد بقدر الحاجة والكفاية والجدوى الاقتصادية واللوجستية.

  6. يبدو أن الباشمندس الدقير أراد كتابة مقال والسلام “” Anyway “” لذلك تجد أن كلمة حاسوب مقحمة بشكل قسري !!!!!

  7. البديل هو كلمة واحدة دستور المساواة والحقوق والواجبات والعمل السياسي من خلال مؤسسات الدولة والخدمة العامة في التخطيط والتنفيذ والرقابة والمتابعة والإختيار لها بضوابط وشروط القانون في التأهيل العلمي للوظيفة العمومية واللياقة الطبية ولا حاجة للعمل الحزبي ولا الأحزاب السياسية بكل أشكالها.
    هذا هو البديل الذي يجب الاتفاق عليه مسبقاً وسيجبنا هذا من كافة الصراعات الحزبية والقبلية والمناطقية حيث لا حساسية بشأن مركز أو هامش فالتخطيط للتنمية لكل بقاع البلاد بقدر الحاجة والكفاية والجدوى الاقتصادية واللوجستية.

  8. يبدو أن الباشمندس الدقير أراد كتابة مقال والسلام “” Anyway “” لذلك تجد أن كلمة حاسوب مقحمة بشكل قسري !!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..