أخبار السودان

دِمَاءٌ مِن أَجْلِ شَيكٍ..!!

عثمان ميرغني
حَادثةٌ مُؤسفةٌ ومُؤلمةٌ تعرّض لها مُوظّفان بأحد البنوك.. تعكس وجهاً آخر غير الفعل الجنائي.. يقول الخبر الصحفي: (اعتدى عميلٌ بأحد البنوك السودانية على مُوظّف، وتسبّب له بجروح خطيرة، بعدما رفض البنك تزويده بمبلغ 50 ألف جنيه.. ولم يتقبّل أحد عُملاء بنك بالخرطوم، مسوغات صراف البنك بعدم وجود سُيُولة تُمكِّنهم من صرف شيكٍ بقيمة 50 ألف جنيه فانفجر غاضباً وهاجم المُوظّف على رأسه بطفاية حريق كَانت مَوجودة في المَكتب، ومن ثَمّ هاجم زميلاً للمُوظّف حَاوَلَ التّدخُّل لإنقاذه).

هذا مُجرّد مثال لما تفعله الأزمة الاقتصادية في المُجتمع.. فالاقتصاد ليس مُجرّد حركة أموال وتجارة، بل أحد أهم المؤثرات على حضارة وأخلاق الأمم.. فالعميل الذي حَاوَلَ سَحب بعض أمواله من البنك غالباً يحمل فوق رأسه هُمُوم أعمالٍ كثيرة في ظل أوضاعٍ شَرسةٍ، فلم يَحتمل أن يجد الأبواب مُغلقةً أمَامَهُ في الحُصُول على حَقِّه الذي هو مِلْك يمينه.. فانفجر وكانت النتيجة دماء سالت من بريئين ليس لهما من الأمر شئٌ، سوى أنّهما مُجرّد مُوظّفيْن يُؤديان واجبهما..

نفس هذا المشهد يتكرّر يومياً، لكن بصُورةٍ أخرى أسوأ وأبشع.. أب يعول أسرة كبيرة لا يجد لهم ما يكفي طَعام يومهم ولكنه مُصابرون على الجُوع وقادرون على احتماله.. لكنّ الأكبر من الاحتمال أن تمرض فلذة كبده فيكتب له الطبيب الروشتة فيأخذها إلى الصيدلية ليُباغت بالرقم الصعب.. الذي لا يَملك ولو عُشْرِهِ.. فتكون الدمعة على خَدِّه إشهار حالة ووضعٍ اجتماعي جديدٍ.. ففي مثل هذه الأحوال يصبح الحرام حَلالاً والمَمنوع مُتاحَاً بأمر الأمر الواقع..!

الإنسان السُّوداني (المحور) هو سلالة الأزمة الاقتصادية المَاحقة الرّاهنة.. كل الرصيد الأخلاقي النَّبيل الذي دبّجنا فيه القصائد سَيكون في مَهَبّ الريح طَالما أنّ النفوس باتت تنفجر والدِّماء تَنهمر من أجل صَرف شَيكٍ في بنكٍ..!

كثيرٌ من الشُّعوب الإفريقيّة حوّلتها الضوائق الاقتصاديّة إلى مُجتمعات غاب يأكل فيها القوي الضعيف.. فهل نحن سائرون في الطريق ذاته؟!

الله أعلم..

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..