خفايا تنظيم بطولة العالم لكرة القدم

بعد أيام قليلة تنطلق بطولة كأس العالم لكرة القدم في روسيا، والعالم كله سينشغل بمتابعتها وسيسجل التاريخ الرياضي اسم الدولة المضيفة على صفحاته. الوثائقي التلفزيوني الدنماركي «اللعبة السرية لبطولة العالم» لا يعتني بالجانب الرياضي من الموضوع بل يذهب إلى معرفة الأسرار التي دفعت الاتحاد الدولي لكرة القدم لمنح موسكو شرف تنظيم بطولة ٢٠١٨ وتفضيلها على بريطانيا.
ولئن كان التنافس انحصر في مراحله الأخيرة بين الدولتين، ركز فريق عمل الوثائقي الاستقصائي على معرفة ردود فعل الشارعين الروسي والإنكليزي عبر شابين جلسا في أحد مقاهي لندن وراحا يعبران عن مشاعرهما المتضاربة. يقدم كل واحد منهما قناعاته بالصراع الخفي الذي انعكس بعض منه على صفحات الصحف وفي وسائل الإعلام فيما القسم الأشد سرية تكفل بالكشف عنه معدو البرنامج.
واحدة من الحقائق المثبتة في الوثائقي شدة الخلاف السياسي بين بريطانيا وموسكو والذي انعكس على تنافسهما لنيل شرف الاستضافة. لقد اعتبر كل طرف حصوله عليها يعني انتصاراً في «حرب باردة» تجري خلف الكواليس بين البلدين. الاهتمام بالبطولة يتمثل في عناية قادة الدولتين في اختيار الشخصية المناسبة لتولي الملف المقدم للاتحاد الدولي، ومدى قدرته على كسب أكبر عدد من أصوات الدول الأعضاء.
عين البريطانيون الديبلوماسي السابق والسياسي المحنك لورد تريزمان مسؤولاً عن ملفهم، فيما عين الروس الشاب ألكسي سوروكين.
الوثائقي يستعين بالصحافي الرياضي البريطاني فيليب أوكلير للتعليق على تفاصيل ما يرد من ملاحظات وآراء خلال البحث عن الخفايا. واحد من أسباب شدة التنافس قناعة بريطانيا الراسخة بأحقيتها بتنظيم البطولة انطلاقاً من قوة بنيتها التحتية وتاريخها الكروي فيما الروس أرادوها فرصة نادرة للظهور أمام العالم كدولة قادرة ومتحضرة تهتم بالرياضة لا كما يصورها الغرب دولة «همجية».
على خط التتابع اتصل الوثائقي ببيتر هارجيتاي، الرجل الذي يوصف «بصانع القرارات الخفي» لخبرته الطويلة في عمل الاتحاد الدولي وقوة صلاته بالاتحادات والشخصيات المؤثرة في قراراته. في بودابست سيفجر هارجياتي قنبلة بإعلانه وجود الكثير من العمل غير النزيه في عملية التحشيد قبل اتخاذ القرار ومن قبل الطرفين.
واحدة من الحقائق التي ستثبتها صحافية بريطانية في ما بعد، استعانة الجهة البريطانية بشركات أمنية كُلفت بالتجسس على الملف الروسي ومعرفة تحركات المكلفين بإدارته. إدارة الشركات كانت قريبة من جهاز المخابرات «MI6». تكشف الصحافية أيضاً عن وجود خلاف وعدم ود بين الإنكليز ورئيس الاتحاد الدولي السابق جوزيف سيب بلاتر. وبحسب كلام هارجيتاي «لقد نصحني بعدم العمل مع الملف البريطاني لأن فرصهم بالفوز شبه معدومة».
سيُصعد البريطانيون من ضغطهم على الروس، مستغلين عمليات تصفية مخابراتها بعض جواسيسها السابقين المتواجدين في بريطانيا، وتشبيه حصولهم على تنظيم البطولة بحصول هتلر على «شرف» تنظيم بطولة الألعاب الأولمبية عام ١٩٣٠.
على الجانب الروسي يظهر في مرحلة من مراحل التحشيد اسم الرئيس بوتين الأكثر حماسة لنيل شرف التنظيم في عهده. أراد الحصول عليها بأي ثمن فكلف مخابراته مراقبة وخرق حواسيب اللجنة المسؤولة عن الملف البريطاني واختراقها من الداخل لمعرفة تحركات أعضائها، وفي المرحلة التي شعر بها بميل كفة الميزان لمصلحة خصومه، استدعى كبار رجال الأعمال الروس القريبين منه، وأمرهم بالحصول على البطولة مهما كان الثمن.
سيتحرك قادة الملف الروسي بدهاء على خطين؛ الأول سياسي متوسل يقول: «نحن نطلب من العالم خدمة واحدة؛ ساعدونا على تغيير أنفسنا»، وعلى الخط المالي ستلعب شركة الغاز العملاقة «غاز بروم» دوراً مهماً في تقديم ما يتطلب الأمر تقديمه و «بأي طريقة كانت»، التعبير يشير إلى تقديم الرشى وشراء الأصوات.
كثير من اللعب السياسي موجود في الصراع على البطولة يختصره المثال المقدم من المسؤول البريطاني: «عندما حاولنا إقناع الأرجنتين بمنحنا صوتها قال أحد مسؤوليها بوضوح: إذا قبلتم بإعادة جزر فوكلاند إلينا سنعطيكم صوتنا!».
وفيها من الإفساد ما يزكم الأنوف يتجلى بحسب الوثائقي بفضح صلة كابتن المنتخب الألماني السابق فرانز بيكنباور بشركة الغاز الروسية ودوره في كسب الأصوات لمصلحة روسيا مقابل حصوله على «خدماتها» المتمثلة بعد انتصار الروس بحصوله على صفة «سفير» شرفي للشركة. الغور في التفاصيل سيوصل الوثائقي إلى حقائق صادمة، من بينها أن الصراع على تنظيم بطولة العالم سياسي بالدرجة الأولى وليس كروياً. فالجانب الرياضي يهتم به فقط محبو وعشاق الكرة المستديرة أما السياسيون فلهم حساباتهم الخاصة ويريدون تحقيقها عبرها ودائماً خلف الكواليس.
الحياة