النوبة.. منطقة لا تنام بأمر(الرودس)

حشرات غريبة تغزو المنطقة وارتفاع متزايد لمرضى الملاريات
المواطنون يصرخون: من يوقف هذه المعاناة؟
مجدي: المستثمر (استفز) الأهالي وعرض عليهم شراء منازلهم
حميات وحساسيات غريبة تضرب قرية (النوبة) والقرى المجاورة
أهالي المنطقة يلوِّحون: سنقوم بالتصعيد لمنظمات حقوق الإنسان الدولية
قرية النوبة: مياه النيل مبارك ـــ بشرى الجوهري
قرية النوبة التي تبعد حوالى(50) كيلومتراً من العاصمه الخرطوم يمر بها طريق الخرطوم مدني تبلغ مساحة القرية حوالى(7)كيلو مترات مربعة، شكا سكان المنطقة الذين التقتهم (الصيحة) والقرى المجاورة لها كـ(ود بسرى، الحريق، الحفير، المسعودية ،السمير،المسيد،المسيد المحطة،وألتي)والبالغ عددهم حوالى (60) ألف نسمة، من مخاطر زراعة مشروع محصول(النبت الشيطاني) الرودس الذي يعدُّ أعلافاً للمواشي ويتم تصديره إلى خارج السودن، حيث يغطي مساحة(3)آلاف فدان بقرية النوبة، ويعرف هذا المشروع بمشروع البرير الزراعي ويجاوره بقرية السمير مشروع الشركة العربية، التي تسببت في أضرار صحية وبيئية بالغة الخطورة للسكان حيث يبعد عن المساكن حوالى (86)متراً ويفصلهما خط السكة الحديد. وتعود بداية زراعة محصول الرودس في المنطقة منذ العام (2015)م، والذي ظهر في فترة زراعة المحصول انتشار كثيف للباعوض وظهور حميات غريبة وطفح جلدي حاد مع انتشار لأمراض الحصبة والبرجم وارتفاع نسبة الإصابة بالملاريا والتايفويد بالمنطقة الناتجة من لسعات الباعوض، مع انعدام النوم والسهر والقلق طوال الليل.
أخطاء المشروع
ويقول الخبير الزراعي باشمهندس مصطفى إبراهيم عبد الرسول إن المشروع صاحبته العديد من الأخطاء الفنية والهندسية، مبيناً وحسب الإجراءات المتبعة في إدارة المشاريع الزراعية لابد من إجراء دراسة شاملة عن مدى الأضرار الصحية والبيئية للمشروع مع مراعاة موقع المشروع من السكان ودراسة الأضرار الناتجة عنه والتي يمكن أن تسببها مستقبلاً، وأضاف في هذا المشروع يتم استخدام طريقتي الري المحوري والغمر حيث يكون المحصول مغموراً داخل المياه لفترة طويلة الأمر الذي يؤدي إلى توالد الباعوض داخل تلك المياه، مشيراً أن دراسة المشروع تمت بطريقة عشوائية جداً مما ترتب عليها أضرار، منوها إلى أن الصحيح هو إجراء دراسة خطورة مدى استخدام المبيدات ومضارها على الجهاز التنفسي وأمراض الحساسية.
ويضيف أحد المواطنين – فضل حجب اسمه – أن الترعة الرئيسة التي من المفترض تكون محازية لقرية( ود بسرى) تجري منها القنوات الفرعية لأسفل نحو النيل تعمل الآن بالعكس وقال حتى تأسيس هيكلة مجلس الإدارة المكونة من (11)عضواً ونصيب الملاك فيها (5)% فقط وتغوُّل وزارة المالية على حقوق الملاك والتوقيع نيابة عنهم، وأرجع بداية المشروع إلى العام (1983)م في عهد حكومة مايو وبمنحة من بنك التنمية الأفريقي مقدارها (3) ملايين دولار ويهدف إلى إحداث التنمية الريفية واستقرار سكانه وإنتاج الألبان ومشتقاتها والأعلاف وتغذية العاصمة بالمنتجات وخلق فرص عمل جديدة لأهالي المنطقة. مضيفاً بأن أهمية هذا المشروع في قرب موقعه للعاصمة الخرطوم وتم افتتاحه في العام (1992)م وهو مشروع ألبان الجزيرة الشمالي المعروف، وفي عام (1994)م صاحبته العديد من المشاكل انتهت باستئجارها والذي انتهى بزراعة الرودس الذي تسبب في أمراض لسكان المنطقة.
نجيلة النبت الشيطاني
ويعتبر محصول الرودس علفاً نجيلياً ينمو جيداً في الصيف ذو سيقان ملساء وضعيفة يتراوح ارتفاعها ما بين (70ــ110)سم ،ويرجع موطنه الأصلي إلى أفريقيا حيث ينمو في معدل أمطار (650)ملم وتحمل (15)سنبلة في شكل دائري ويزرع في معظم الأقطار (كينيا، يوغندا،أستراليا) ومن عيوبه أنه يخلق مشكلة في الدورة الزراعية للمحصول الذي يليه لصعوبة الرزايزوات التي تتكاثر منها المحصول خضرياً وكذلك البذور التي تتساقط لتنمو من جديد.
معالجات فاشلة
ويشير سفيان السني أحد مواطني قرية النوبة بأنهم توجهوا صوب إدارة مشروع البرير الخاص بزراعة الرودس بعد اكتشافهم بأنه وراء انتشار الباعوض وأخطروهم بذلك، مضيفاً أن إدارة المشروع قطعت وعدا بتوقيف الرودس فورا وحتى هذه اللحظة لم يتم تنفيذ الوعد، لافتاً أن المشكلة تفاقمت أكثر.. الأمر الذي أدى لتوالد الباعوض بصورة مخيفة وظهور أنواع غريبة من الحشرات، مضيفاً أن مواطني القرية والقرى المجاورة تحركوا بوقفة احتجاجية وتسليم مذكرة للمشرف على المشروع (محصول النبت الشيطاني) ومشرف ومحلية الكاملين وشرطة المسيد بالإضافة إلى مذكرة أخرى إلى والي الجزيرة حيث تحركت المحلية، وقامت إدارة المشروع بحملات رش ضبابي منتظمة. وأضاف أنهم عندما فشلت المعالجات قمنا بتنظيم وقفة احتجاجية ثانية وزعنا فيها منشورات على طريق الخرطوم، طالبنا خلالها بتوقيف محصول الرودس وكانت بمثابة رسالة إلى رئاسة الجمهورية علماً بأن هذه الأراضي التي عليها المشروع هي ملك حر لأهالي قرية النوبة وبها شهادات بحث.
رش السموم
من جانبه أكد سامي إبراهيم محمد رئيس اللجنة الشعبية بقرية النوبة أن أراضي المشروع مستأجرة لصاحب مشروع البرير الزراعي، موضحاً بأنه في السابق كان يقوم بزراعة البرسيم والأرز وبعض الفواكه وقبل أربع سنوات بدأت أسراب الباعوض تنتشر بصورة مخيفة داخل المنطقة والقرى المجاورة، كاشفاً بأنهم تحركوا صوب إدارة الشؤون الصحية بالمحلية التي نظمت حملات رش، وفي عام (2016)م أيضا تمت ثلاث حملات بمساهمة جزء من مال اللجنة الشعبية. ذاكراً في حديثه لـ(الصيحة) أن مشكلة زراعة الرودس بدأت عند دخول الحصادات فتنتشر أسراب الباعوض بكثافة مثل السحاب وتغطي المنطقة، مشيراً إلى أن كل الحملات باءت بالفشل وأضاف قائلاً: بأنه في العام (2017)م تم إعادة حملات الرش أربع مرات بواسطة المحلية واللجنة الشعبية وقال إن الأمر أصبح أكثر سوءاً من الأول حيث أصبحنا نلحظ طفحاً جلدياً غريباً لم نجد له علاجاً.
تصعيد قادم
وشدد سامي إبراهيم بأنه في حال فشل توقيف زراعة الردوس سنلجأ إلى منظمات المجتمع المدني ورفع دعوة أصحاب المشروع بواسطة قانونيين وسوف يتواصل التصعيد، مشيراً إلى أن عدد القرى المتأثرة ما يقارب (10)تقريباً منوها إلى أن مفعول الرش (48) ساعة فقط ويزاد مع عمليه الحصاد، تحركنا من جديد بوقفة احتجاجية في شهر رمضان الأسبوع المنصرم، مضيفاً بأن مدير إدارة الوبائيات ومدير المشروع تحركوا بعمل حملات جديدة والتي لم تكن هناك نتائج إيجابية، وأمهلنا إدارة المشروع شهراً ومن ثم رفع تقرير من المحلية وبعد مرور أكثرمن شهر لم نتسلم أي تقرير تحركنا صوب كاشفاً عن بعض الدراسات التي تمنع زراعة الرودس في دول الشرق الأوسط والخليج لما تترتب عليه من آثار سالبة نسبة لاستهلاكه للمياه الجوفية بكمية كبيرة، وقال إن النوبة نالت جائزة وقدرها (50) ألف جنيه في العام (2005)م لما تتمتع به من نظافة على مستوى ولاية الجزيرة ومنطقتنا خالية من النفايات والبرك والمستنقعات.
ترددات مخيفة
من جانبه وصف المواطن تاج الدين عثمان محمد عدم استجابة السلطات وتماطلها في حسم الأمر بالشيء المؤسف مشيراً إلى التزايد المضطرد لانتشار الباعوض الذي أرق مضجعهم وأصابهم بالفتور و(حكة) في الجلد طوال اليوم مما زاد من أعداد مرضى الملاريا المترددين إلى المستشفى، مضيفاً أن الملاريا أصبحت ملازمة بعد إكمال العلاج تعود مجدداً وتفحص وتجد الملاريا لا زالت بالدم.
وتقول فاطمة عمر العبيد ممثلة المرأة بقرية النوبة والناشطة الاجتماعية إن المرأة أكثر تضرراً لأنها تظل طوال اليوم تواجه معاناة طرد الباعوض الناتج من محصول الرودس، وأضافت أن هناك آثاراً سلبية ومخاطر تحدق بالصحة، أضف إلى ذلك الآثار الاقتصادية، مشيرة إلى أن معظم الأهالي تركوا النوم بالحوش ومع ذلك يظل الباعوض يطاردهم عبر فتحات النوافذ وفتحات المكيفات ما أدى إلى سهر وقلق وعدم نوم وحكة واحمرار بالجلد طوال اليوم مع صرف متزايد للكهرباء، وتأسفت فاطمة لمايحدث من أضرار جراء زراعة النبت الشيطاني (الرودس) مشيرة إلى أن هناك أسراً لاتملك كهرباء ولا مكيفات تقيها شر ذاك الباعوض.
مخاطر صحية
وقالت فاطمة إن مواطني المنطقة سوف تواجههم مخاطر صحية في المستقبل خاصة الأطفال حيث بدأت تظهر أنواع من الحميات والملاريات التي أصبحت ملازمة لمواطني المنطقة إذا ما استمر هذا الوضع بتك الحالة وأصبحت صرخات الأطفال تعلو عند منتصف الليل من شدة ألم الباعوض، وقالت إن هذا الرودس انعكس سلبياً على الزيارات الاجتماعية حيث أصبح الأهل يتفادون الزيارات خوفاً على أطفالهم من الرودس وأن كثرة السهر انعكس سلباً على زيادة الإنتاج لأن معظم المواطنين لاينامون وبالتالي يتسبب ذلك في إصابتهم بالأرق والتعب من كثرة السهر وأن هناك موظفين يعملون خارج القرية ويسهرون وأنا أعاني من الربو. وتشير فاطمة إلى قيام أصحاب المشروع برش ضبابي ودخاني وهذا أثر بدوره على صحتي وما زلت أتلقى العلاج، وقد أحضر لي ابني جهازاً للتخفيف 110 جنيهات ويتم تعبئته بسائل دواء بمبلغ (40)جنيهاً يومياً في اليوم ثلاث ساعات للتخفيف، ولكن لديه آثاراً سالبة على الصحة لأن السائل داخل العبوة به كيماويات ولايوجد حل بديل ومتعب للغاية حتى في المناسبات الاجتماعية.
آثار جانبية
من آثار الرودس الجانبية أنه تسبب في غياب الطلبة عن المدارس طوال العام بسبب السهر بجانب إصابتهم بأمراض التايفود والحساسية مع ارتفاع كبير في نسبة البرجم حيث وصل إلى 40 حالة رغم أن هذه الأمراض تتم الوقاية منها عن طريق التحصين دون فائدة. وقالت الطالبة الجامعية أميمة يوسف حمد النيل إنها لم تترك علاجاً إلا واستخدمته حتى العلاجات البلدية مثل المسح بالملح والليمون وبخور بشجر الدوم لمنع لسعات الباعوض إلا أن ذلك لم يجدِ، مشيرة إلى قيام عدد من أهالي المنطقة بالهجرة عنها بسبب تلك الباعوض.
حقوق الإنسان
المواطن مبارك الهاشمي أحد أعيان المنطقة وخبير في مجال الزراعة قال إنه عمل كثيراً في مجال الزراعة ولم يحدث انتشار غريب للباعوض بهذه الطريقة، مشيرا بانهم ساعون لإيجاد حل بين الطرفين بالطريق السلمي، واصفاً الجهات المنوط بها الأمر بالعجز، مشيراً لتصعيد الأمر إلى منظمات حقوق الإنسان.
حشرات غريبة
من جهته تحدث لـ(الصيحة) الفاتح عبد الله كوكو رئيس اللجنة المجتمعية وممثل اللجنة الشعبية من (محطة المسيد)بأن لديهم انتشار كثيف للباعوض الذي أدى إلى تفاقم حالات الملاريا حيث وصل التردد في الأسبوع إلى (10)حالة و(20) حالة لأمراض الجهاز التنفسي والصدري من الرش الكيماوي، ولفت إلى أن معظم سكان المسيد المحطة هربوا من منازلهم إلى جهات مجهولة ليلاً ونهاراً.
تخوُّف وانفلات
وقال إن هناك أشكالاً مختلفة لتك الحشرات المتطايرة التي تهاجم أسرابها المواطنين فتصيبهم بلسعاتها الجارحة، أضف إلى ذلك حميات لم تشهدها المنطقة من قبل، وأبدى كوكو تخوُّفه من حدوث حالة انفلات من قبل أهالي المنطقة إذا ما استمر الوضع بهذه الحالة واعتبر كوكو ما يحدث استفزازاً من قبل إدارة المشروع وقال إنهم اخطروا الجهات الصحية بأن الرش عن طريق الدخان لاينفع وطالبنا بتوقيفه فورا بعد إصابة أهالي المنطقة بضيق حاد في التنفس، فيما يضيف عثمان الصديق أحمد أحد مواطني المنطقة سبق أن زرعنا ولم يحدث مثلما حدث من مشروع النبت الشيطاني في أربع السنوات الأخيرة خاصة أنها مغمورة داخل المياه على مدار (24) ساعة.
مشروع عشوائي
ويشيرمجدداً الخبير والمهندس الزراعي مصطفى إبراهيم عبد الرسول بأن السلطات بالمحلية كانت قد منحت شهرا لمعالجة التأثيرات السلبية وأن استجابة المسؤولين كانت ضعيفة جداً، وقال إنها أخطرتهم في حالة فشلها (اعملو الدايرنو)، فقد حدثت أحداث مؤسفة في مشروعي (سندس،والسمير)مطالباً بالتحرك العاجل من قبل أهالي المنطقة بإلغاء العقد المبرم بينهم وبين صاحب مشروع الرودس، وقال إن هناك لجنة تم تكوينها برئاسة حامد ممتاز حول زراعة الرودس بالنيل الأبيض وولاية الجزيرة لدراسة المضار الصحية، ولفت إلى أن المنازل تبعد من المشروع أقل من (100)متر والمشروع صاحبته العديد من الأخطاء الفنية والهندسية وبدون دراسة واصفاً إياه بالعشوائية حيث لم يتم تسوية الأرض، وعدم خبرة المزارعين، أضف إلى ذلك أن الرياح تساعد على انتشار الباعوض بسرعة علماً بأن المنطقة مأهولة بالسكان.
ضرر بالغ
أما قرية السمير التي تقع جنوب قرية النوبة ويفصل بينهما المشروع فتعرضت إلى آثار سالبة من قيام المشروع الذي تسبب في حدوث (30)حالة إجهاض ونفوق (300)رأس من الماشية وتعرض معظم الأهالي إلى حالات اختناق استدعى نقلهم على جناح السرعة إلى الخرطوم لتلقي العلاج، وقال رئيس اللجنة الشعبية بالمنطقة مجدي حسن في تصريحات صحافية سابقة إن عدد الأطفال الذين أصيبوا بحالات اختناق وضيق التنفس وصل إلى اربع حالات حرجة، ودعا رئاسة الجمهورية بالتدخل العاجل بتوقيف زراعة الرودس، مبيناً أن سلطات محلية الكاملين تجاهلت الشكاوى التي وردت إليهم، واصفاً بعد المشروع عن السكان بحوالى (40)مترا فقط ، مشيرا إلى تعرضهم للاستفزاز من قبل المستثمر الذي طالب بشراء منازل أهالي المنطقة.
الصيحة