أخبار السودان

متى نحترم أنفسنا؟ ومتى يحترمنا العالم؟

ياسر عبد الكريم

إن كنت من عشاق الإجابات السريعة لك الإجابة : أي أمة تحترم نفسها ويحترمها العالم عندما تصبح قضيتها الأولى مقاومة الإستبداد ومستعدة لدفع ثمن التغيير الديمقراطي عندئذ ستُحترم كما يُحترم رئيسها الوطني المنتخب وستكون له هيبته ومكانته الداخلية والخارجية ودعمه إن دعت الحاجة
نأخذ نموذجا لرئيس منتخب ديمقراطيا أتى به الشعب ولم يسطوا على الحكم : الرئيس الأثيوبي في أول زياراته خارج وطنه لبعض دول الجوار الأثيوبي لقد كانت من أهم أولويات هذه الزيارات بالإضافة للتعريف بسياسة حكومته الإقتصادية والأمنية هي (الإنسان) بالتحديد المساجين الأثيوبيين في كل دولة زارها والجدير بالذكر إن الدولة الأثيوبية أغلقت سجونها الخاصة بالسياسيين وتم تحويل هذه السجون إلى متاحف , لقد طلب من جميع رؤساء هذه الدول التي زارها إطلاق سراح المساجين الأثيوبيين بعد أن زار المساجين في سجونهم وجلس معهم وأستمع إليهم بكل أدب وتقدير وفي بعض الدول كان حريصا جدا بأن يذهبوا معه في نفس الرحلة.
تابعت ردود فعل السودانيين والعرب في الأسافير على هذه الزيارات وكانت كلها تحترم وتمتدح الرئيس الأثيوبي أبيى أحمد وإهتمامه بالإنسان الأثيوبي وكذلك تحترم الشعب الأثيوبي الذي صبر وضحى من أجل التغيير الديمقراطي وتحدثوا أيضا عن مزايا الديمقراطية ونعيمها هذا كلام صحيح لكن فضل الديمقراطية لا يعود للرئيس وإنما للمواطن وكذلك فإن مسئولية الاستبداد لا تقع فقط على الحاكم وإنما على الشعب أيضا. إن الاستبداد علاقة بين طرفين: حاكم مستبد وشعب يقبل الاستبداد. إن ما فعله الرئيس الأثيوبي لا يمثل عملا استثنائيا ان المواطنين في الدول الديمقراطية يستطيعون أن يتحدثوا مع رئيس الدولة إذا قصر في أي ملف مهم خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان , وإن لم يقم الرئيس الأثيوبي بزيارة المساجين يمكن لأي مواطن أن يستوقف الرئيس ويسأله عند عودته البلاد ويوجه له اللوم عبر الصحف أو أي وسيلة أخرى ويستمع إليه بكل سرور ولا أحد يستطيع استدعائه ولا يتم مصادرة الصحيفة كتأديب لنقض الرئيس
السؤال الذي لم يخطر علي بال المعلقين هو : لماذا لم يطلب الرئيس الأثيوبي من أي دولة ديمقراطية إطلاق سراح المساجين الأثيوبيين في سجونها ؟ فهل لأنه لا يوجد مساجين في هذه الدول ؟ يوجد مساجين والأثيوبيين انتشارهم الكثير أيام الاستبداد كحالنا اليوم كانوا ضحايا لتجار الهجرة وتجار البشر . السبب لأنه يعلم بأن الدولة الديمقراطية فيها قانون والعدالة فيها حاضرة ولا يمكن أن يكون هنالك سجينا واحدا تمت محاكمته من غير توفير كافة حقوقه للدفاع عن نفسه كما يعلم أن الرئيس في الدولة الديمقراطية تحكمه قوانين ومنظمات حقوق إنسان وليس بيده أن يطلق سراح سجين تمت إدانته في أي عمل كما لا يستطيع الرئيس في الدولة الديمقراطية أن يسجن أي مواطن بدون قضية مهما عارض سياساته لأن القانون هو الفيصل بين الطرفين ولو قُدر لأبيى أحمد، وطلب إطلاق سراح المساجين في أي دولة ديمقراطية فإن أقرب رد دبلوماسي كان سيجده هو:( نوعدكم يا فخامة الرئيس سننظر في هذه القضية في القضاء سريعا كما نوعدكم يا فخامة الرئيس إن ثبت براءته سيطلق سراحه فورا ). الدليل على ذلك كثير من الدول الاستبدادية لديها معارضين لسياساتها في دول أوروبية ولهم نشاطات ضخمة جدا وقنوات فضائية ولهذه الدولة صفقات وتبادل تجاري ومصالح مشتركة بالرغم من ذلك لم يتجرأ أي منهم أن يطالب بتسليم أي واحد معارض يقيم في هذه الدولة أو تلك لعلمه إن الإنسان في الأنظمة الديمقراطية أهم من أي صفقة تجارية بغض النظر عن جنسيته أو دينه أو عرقه . لكن لو كان العكس سيقوم الرئيس الدكتاتور بتسليم المطلوب فورا دون الرجوع للقضاء لأنه لا يعير أي إهتمام لمنظمات حقوق الإنسان كما لا يوجد برلمان منتخب يقف أمام الرئيس ولا أحد يستطيع نقضه أو اعتراضه
الاستبداد هو آفة المجتمعات ومعطل التنمية وتطور الإنسان إن الشعوب الغربية تعلمت من تجربتها القاسية مع الاستبداد فلم تعد تسمح أبدا لأي ديكتاتور بتولي السلطة وصارت ترفض الاستبداد من حيث المبدأ بدون انتظار نتائجه. لقد رأينا كيف قاوم الشعب التركي محاولة الإنقلاب الأخيرة وقف أمام الدبابات وكان على إستعداد أن يموت الجميع ليس من أجل أردوغان بل من أجل الديمقراطية وكانت هنالك قنوات فضائية معادية لحزب العدالة في تركيا ولكنهم رفضوا الإنقلاب دون إنتظار للنتائج نسبة لتجربتهم القاسية مع الدكتاتورية العسكرية ولقد أذاع أردوغان بيانه من مخبأه خلال قناة فضائية كانت ومازالت معارضة وبشراسة لسياسة أردوغان قاموا بهذا العمل وعسكر الإنقلاب مصوبين مدافعهم على أبواب هذه القناة وعلى إستعداد لتحمل أسوأ النتائج حتى الموت لأجل الديمقراطية ولم يقل أحد من هؤلاء المعارضين (الديمقراطية لو شال كلب فلن نقول له جرّ !!) وكانوا على يقين بأن أردوغان وحزب العدالة في تركيا سيذهب عاجلا أم آجلا إذا ما كثفوا من عملهم وسط الجماهير لكن في ظل الديمقراطية والقانون ولكن الدكتاتور العسكري القادم لن يسمح بهذا العمل وسط الجماهير لكي يذهب وسيقوم بسجن وقتل وإخفاء كل من يعارضه في ظل غياب العدالة والقانون وستوجه تهمة الخيانة العظمى والتخابر مع دول الإستكبار (!!) وللأتراك تجارب قاسية مع العسكر والإستبداد
أما شعوب الدول المتخلفة ما زالوا خاضعين لأنظمة مستبدة ولا زالوا يعتبرون الحاكم فوق مستوى النقد والمحاسبة فإن الحكام في هذه الدولة يعتبر نفسه والد الشعب ومن الكبائر أن يعارض الولد والده, والحكام المستبدين ينهبون أموال شعوبهم ويمارسون القمع والاعتقال والتعذيب بدون أي محاسبة. وبينما نرى الشعوب في الدول الديمقراطية لا يعتبروا رئيس الجمهورية والدا للشعب ولا رمزا للوطن والشعب يفهم جيدا أن معارضة أي شخص للنظام لا تعني أبدا أنه يريد هدم الدولة وأن معارضته للحاكم لا تعني أبدا أنه خائن للوطن. المواطن في الدولة الديمقراطية يتعامل مع رئيس الجمهورية باعتباره موظفا عاما من واجبه أن يخدم المواطنين. وإنه يتعامل مع الرئيس كما نتعامل نحن مع أي موظف في أي محلية . نطلب منه أن يؤدي واجبه في خدمتنا فإذا قصر يكون من حقنا أن نلومه ونوبخه. وهؤلاء الرؤساء الدمقراطيين احساسهم بالعدالة حاضر تماما والحاكم الديمقراطي لا يقبل الظلم وبالتالي يرفض أن يمارسه على الآخرين يخضعون لمحاسبة الشعب ويحالون للمحاكمة إذا ارتكبوا أي خطأ . وللأمانة لقد سبق الإسلام هذه الديمقراطية الحديثة منذ أكثر من 1400 سنة ويكفي أول خطبة للخليفة أبوبكر الصديق عندما تولى الخلافة قال: (أيها الناس لقد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن أحسنت فأعينونى وإن أسأت فقوموني، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم) وكان الخلفاء الراشدين الأربعة كانت تحكمهم الرقابة الشعبية كما في الدول الديمقراطية اليوم.
متى نتعلم ان الديكتاتور مهما حقق من انجازات لابد أن ينتهي ببلاده إلى كارثة كبرى نهيك عن الدكتاتور الذي كان كل إنجازه دمار الدولة ويعمل على زوالها . فان الأضرار النفسية والذهنية للاستبداد لا تقل خطورة عن أضراره السياسية. ان النفاق والكذب والغش والسلبية وانعدام الانتماء والتدين الكاذب والعنف ..كلها من مضاعفات الاستبداد. لن تنهض الدولة أبدا في ظل حكم الاستبداد

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. التحية والشكر لك أستاذ ياسر على هذه المقارنة الشيقة بين النظام الديمقراطي والنظام الديكتاتوري، والتي تبين أن الفرق بين النظامين هو الفرق بين الثريا والثرا.

    البشير يستجدي دولة الإمارات لإطلاق سراح ولد المأمون المدان في قضايا تمس الأمن القومي الإماراتي .. بعد فشله البشير يوعز إلى بعض الأعيان بتكوين لجنة لمقابلة حاكم الإمارات مناشدين إياه إطلاق سراح ولد المأمون؟؟؟

    النظام يطلب من السعودية إرسال النشطاء والمعارضين السودانيين حتى يتم تصفيتهم والتنكيل بهم في مذبح النظام المضرج بدماء الشرفاء؟؟؟

    البلد محكوم بواسطة زبالة لا تمت لرجال الدولة Statesman بصلة.

  2. اكثر حكام بيحبو حمل العصي والخيزران والعكاكيز في العام هم السودانيون, وده معروف ليه, تخويف الناس وارهابهم.

  3. التحية والشكر لك أستاذ ياسر على هذه المقارنة الشيقة بين النظام الديمقراطي والنظام الديكتاتوري، والتي تبين أن الفرق بين النظامين هو الفرق بين الثريا والثرا.

    البشير يستجدي دولة الإمارات لإطلاق سراح ولد المأمون المدان في قضايا تمس الأمن القومي الإماراتي .. بعد فشله البشير يوعز إلى بعض الأعيان بتكوين لجنة لمقابلة حاكم الإمارات مناشدين إياه إطلاق سراح ولد المأمون؟؟؟

    النظام يطلب من السعودية إرسال النشطاء والمعارضين السودانيين حتى يتم تصفيتهم والتنكيل بهم في مذبح النظام المضرج بدماء الشرفاء؟؟؟

    البلد محكوم بواسطة زبالة لا تمت لرجال الدولة Statesman بصلة.

  4. اكثر حكام بيحبو حمل العصي والخيزران والعكاكيز في العام هم السودانيون, وده معروف ليه, تخويف الناس وارهابهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..