فحولة الكرة بين الفنادق والملاعب? صلاح ليس ميسي? وهل خسرنا لأننا لم نستطع أن نفوز أم لم نستطع أن نفرح؟

لينا أبو بكر
(جاءت الفرصة الذهبية لمنتخبنا الوطني للانضمام للفرق الدولية في رومانيا من أجل المشاركة في تصفيات كأس العالم، قبل ما يقارب ثلاثين عاما على ما أذكر، كنت لم أزل طالبا في الجامعة، وكان لاعبونا شبابا يافعين في مطلع القصب، لم يبحروا في حياتهم بعيدا عن شاطئ اللاذقية، ولم يرتفعوا إلى قمة أعلى من قمر قاسيون، لم يمارسوا الحب مع حوريات من جنات محرمة، ولم يقطفوا كؤوسهم من كروم الغرباء بعد، كان الزمن بريئا، والحب دمشقيا خالصا، قبل أن تحدث الكارثة، فليلة المباراة الحاسمة، قرر المسؤولون الرسميون في البلاد، إجراء اختبار الفحولة بعقاقير المتعة، قائلين للفريق: كلوا واشربوا وتمتعوا من طيبات ما رزقكم به زعيم الأبد، حافظ الأسد، فما هي النتيجة؟ الأداء كان خائر القوى، مسطولا، ومنهكا، و»ماكل هوى»!! وهم يا حرام، شباب في أول الحب، لم يخبروا بعد من أين يؤكل التفاح الأشقر!) هذا ما قاله لي إعلامي كبير عشية اختراق الشباك العربية في كأس روسيا، أضفت إليه ما تحب مخيلتك وتشتهي أيها المشاهد غير البريء، فماذا بعد!!
(كرة القدم هي مرآة الفرح لشخصيتنا الوطنية، نرى فيها أفضل ما في أنفسنا ومجتمعنا، ما ينعكس إيجابيا على مشاعرنا القومية وانتمائنا وثقتنا بطاقاتنا وإبداعاتنا، وإلا لماذا نعتبرها تسلية إذن؟ رغبة غامضة، وجامحة تجعلنا نفرح بالتصفيق والتهليل في تلك الساحات الخضراء الساحرة، نرفع أعلامنا إلى السماء، ونقبض على قلوبنا خوفا وطمعا، قائلين في سريرتنا: كل شيء على ما يرام، رجالنا هم الأقوى، وكفاحنا هو الأصعب، وهذا كله تحديدا ما دفع وزارة الدفاع الأمريكية بين عامي 2012 و2015 لإنفاق ما يقارب ستة ملايين دولار للتسويق والإعلان على فرق اتحاد كرة القدم الوطني، بما في ذلك القاذفات العسكرية الطائرة فوق الملاعب، من نفقة دافعي الضرائب).. شيء مما بين القوسين ورد في مجلة «المحور الأدبي» التي ضمت مجموعة من الآراء الأكاديمية والإعلامية، والأدبية حول كرة القدم، كثقافة ولعبة وطنية، والباقي من ذمة الراوي!
بين الفخر والخزي!
حسنا إذن، ماذا عن أفراحنا نحن العرب؟ هل تغدو المسألة في عرفنا الاجتماعي مسألة كرامة أو رجولة؟ لماذا نفقد ثقتنا بأنفسنا ونستصغر عروبتنا حين يتعلق الأمر بهزيمة «لعيبة في ماتش»؟ أليس من الأولى أن نحس بالخزي من حروب الإخوة الأعداء التي لم نزل نخوضها بدمائنا قبل أحذيتنا، وبسمائنا قبل أرضنا، وبثاراتنا الموروثة قبل أحقادنا المستوردة؟ مش حرام علينا أن نحمّل الفرق العربية في مونديال روسيا كل شعورنا الثقيل بالإحباط والقنوط! لماذا يصبح اللاعب العربي في كأس العالم أول القرابين الإعلامية، التي نقدمها للمشاهد كي نواسيه أو ننسيه، بدل أن نساويه بالخيبة التي هو أحد أهم أسبابها!
أيها المشاهد، زعلت؟! طيب ما تزعلش! لأن هناك ما سيرفع معنوياتك حين تعلم أن أول مشهد كروي في التاريخ التقطه السومريون على لوحة نحت في نيبور، لرجل يداعب بقدمه الكرة، بالإضافة إلى مجموعة نصوص كروية لا تقل أهمية عن تلك التي تنشرها «بي إن سبورت» أو يبثها برنامج «صدى الملاعب»، فهل تكفي الآثار المكتشفة في منطقتنا، للاستئثار بأكثر الرياضات سحرا وجماهيرية عبر التاريخ؟
الغريب في الأمر أن المسح الفضائي الذي تجريه وكالة ناسا على كراتنا الذهبية المختبئة تحت الرمال، يلتقط ذخيرة تكنولوجية تفوق ما وصلت إليه البشرية الآن، فالسومريون تواصلوا مع كائنات فضائية من «سلالة السماء الملكية»، في أحد الكواكب، التي هاجرت منها إلى الأرض، لتتزاوج مع سكان البلاد، منتجة كائنات تتمتع بقوى خارقة، وإمكانيات تتجاوز الحدود القصوى للبشر العاديين، معتمدة على الهندسة الجينية، فإن صدقت بحوث الوكالة الفضائية، فهذا يعني أن ما يجري في عروقنا، ما هو إلا دماء مقدسة، وأننا أمة الأرض والسماء، وأن كرة القدم بهذا المعنى هي ابتكار عربي، انتصر به أجدادنا القدماء على العصور اللاحقة، فلماذا إذن تلاحقنا الهزائم، والخسارات، والحظوظ السيئة، والنيران الصديقة، ولعنة أم درمان؟!
خسرنا لأننا لم نستطع أن نفوز!
هل يمكننا أن نعتبر لاعبي الفرق الوطنية، جيشا بديلا أو ناعما؟ كما أطلق عليه نفر من النقاد الأدبيين في أمريكا؟ أم أن لعبة كرة القدم تحرض على الخشونة والعنف والعنصرية، كما يرى البعض الآخر من الناقدين الإعلاميين في الغرب؟
قد تتفاجأ، أن الأمر أكبر من هذا بكثير حين تطلع على رأي المدرب الرئيسي لفريق جامعة ميتشيغان، (جيم هاباوه) الذي يعتبر أن ساحة ملعب كرة القدم هي آخر معقل للرجولة في أمريكا، وهو ما صدم المحقق الرياضي الشهير «براينت جومبل» الذي عده جنونا، وتحيزا فائقا للجنس، لا بل حمل النقاد الإعلاميون التلفزيون مسؤولية عرض هؤلاء الشعبيين على الشاشات، لتشويه الغرائز الرياضية والوعي الثقافي للمشاهد، ولكن، بشرفك أيها المشاهد العربي، بيني وبينك، ألا يعبر هذا الوازع الذكوري عن فحولتك؟
ألا تسأل نفسك، لماذا قرر المسؤولون السوريون في الفقرة الأولى من هذه المقالة، ربط البطولة العربية بأدائين مزدوجين لفحولة واحدة: السرير والحذاء؟ إن لم يكن كذلك، فلماذا إذن نصاب بهشاشة حادة في القيم الرجولية حين نخسر لعبة أو مشاركة في كأس العالم؟ ثم لماذا يتم التعامل بهذه النظرة الحيوانية مع القدرات الرجولية في الحب واللعب؟ ولماذا نحول التحدي الرياضي في سياقه التنافسي، إلى مسألة كرامة، يرتبط بها الفوز أو الخسارة برفع الرؤوس والأعلام والأعصاب الإسفنجية، أو بتنكيسها؟ أم أن جينات سلالاتنا الملكية في الفضاء جينات وهمية أو دعائية لا أكثر ولا أقل؟
هل يا ترى (خسرنا لأننا لم نستطع أن نفوز)؟ أم لأننا فرحنا أكثر مما تحتمله مآسينا وأحزاننا؟ هل كان الأولى بالمدرب الأرجنتيني «كوبر» أن يعزل لاعبي المنتخب المصري في فندق الأشباح في كولومبيا، تجنبا لمصير الخيبة؟ عاوز الصراحة أو بنت عمها أيها المشاهد؟ خذ بنت عمها، لأني مش عايز أقول اللي جرى في تخشيبة سان بطرسبورغ يا جدعان، لأنني رجل حَيِيٌّ وخجول!!
شوط إضافي مع الغيب
شو ما كان دينك أيها المشاهد، لا بد أن نتفق جميعا على حكمة الطبيعة ولعبة القدر، لأن الغيب قال كلمته في الوقت الضائع للمباريات، لا لشيء، إنما لتسأل عروبتك سؤالا واحدا: هل نحن نستحق الفرح فعلا؟ أم أننا لا نستحق الفوز! هل الفرح كافٍ ليغوضنا غزة والقدس واليمن وسوريا وليبيا، والجائعين، والثكالى، والمشردين، وهل يكفي فوزنا ليغفر لأولاد الحرام يتمنا الوطني في ملاجئ كرة القدم؟
كيف لا تحس باليتم وأنت تسمع لاعبا مصريا قبل يوم من المباراة يقول: «إنتو ليه مركزين على صلاح بس، فيه11 لاعبا في المباراة، بتنسوهم ليه»!
ربما يؤكد هذا عصام الشوالي بعد خسارة مصر حين قال: «لاعب واحد لا يقود فريقا إلى كأس العالم، وإلا لفعلها ميسي مع الأرجنتين»! ولكن فعلها مارادونا، فلو تأملت عبارة اللاعب المصري، لن تسأل عن سبب إخفاق منتخب مصر، بما أن صلاح بالمقاييس الأدائية والنفسية يفوق ميسي، ولكنك حتما سترفض مبدأ العدالة القائم على توزيع الضوء بالتساوي، لأن فلسفة الضوء يحكمها قانون الجاذبية، وهذا لا يبطل العدالة، بما أنها تستوجب الإبداع الذي يستحقها، وليس الذي يتقاسمها وهو غير جدير بها? الجاذبية ليست تركة أو معونة، إنها موهبة، ونضال!
صلاح نهض بأمة، وأمة أطاحت بأفضل رجل في العالم، فهل خسرنا لأننا لم نستطع أن نفوز؟ نحن من ضيعنا أوطاننا هل نربح ملاعب الآخرين؟ هناك حكمة تَشِفّ ولا تَصِف، هناك عبر، وهناك غيب، إن نسيته، يذكرك به، وهناك عدالة، إن تجرأت على اختطافها دون استحقاق، تسحقك? حسنا إذن? في زمن بلا وطن? تصبحون على ? كرة!
كاتبة فلسطينية تقيم في لندن
القدس العربي