أخبار السودان

قراءة أخرى لتشكيلات الصراع في السودان على ضوء نظرية التبعية والإجابة على مسألة جبال النوبة!

مبارك أردول

مدخل:
من خلال المناقشات والتحاليل المتاحة لعوامل الصراع السياسي السوداني وجدنا ان التركيز كان على مناهج متعددة منها ما يعبر عن الفهم القومي والمناطقي، واخر يعبر عن المفهوم الطبقي، ظلا هذين الخطابين السياسيين ركائز تبنته الجهات المعارضة في مواجهة خطاب المركز، ولقد تم تجاهل جذور الاستعمار الذي عمل على تشكل المركز وبل ارتباطه به حتى الان، لم يوديا هذين الخطابين الي إحداث التغيير في بنية وشكل الدولة السودانية بالرغم من تغيير الحكومات فيها، وما اشارت له نظرية التبعية، بان هنالك مركز عالمي يسيطر على القرار السياسي والاقتصادي ويستحوذ على ثروات العالم وتديره نخبة عالمية في الوقت الذي يجعل بقية الدول الطرفية (الهامشية) تابعة له و خاضعة سياسياً واقتصاديا لقراره والمترجمة لمصالحه وتتعاون معه نخبة وطنية في كل دولة هامشية، ويؤطر لذلك كله عبر قوانين وتحميه مؤسسات، نجد أنه بالرغم من أهمية هذا التحليل وفاعليته لم يعمل بما جاء فيها بشكل كافئ لشرح وتحليل ابعاد الصراع السياسي في السودان.

الواقع الآن أن أمد الصراع قد طال خاصة الذي أخذ الطابع المسلح في دول الهامش وتسبب في مقتل الملايين وتشريد اضعافهم كنازحين ولاجئين منذ خروج المستعمر، واوصل الخطاب القومي الدولة السودانية حد الانقسام ولكنه لم يستطيع أن ينهي الصراع في الجهتين، في الوقت الذي ظل المركز القديم موجود وله الفاعلية والقدرة على الاستمرار ولا يلوح امل في القريب لإحداث التغيير، ولاحظنا ان عمليات التغيير التي حدثت بعد الاستقلال قد أنتجت نفس المنظومات التي غيرتها، بل الواقع يشير حالياً الي تراجع الثورات وانقسامها وتشظيها امام المركز، وتقاعس الجماهير وعدم حماستهم لأي عملية تغيير بالرغم من سوء الأوضاع ولأسباب مختلفة.

في جانب آخر نرى أن صمود المركز أمام معارضيه لم يأتي الا لشيئين أولهما ارتباط المركز الوطني بمركز اخر خارجي يدعم بقائه، والثاني فشل خطاب الجهات المعارضة له لحشد جميع المتضررين في صف واحد لهزيمته وتفكيكه، ولم يستمر المركز لان بناءه يقوم بقيم عادلة وسياساته منصفة، وانما نعتقد أن تمديد عمره جاء بسبب التبني الخاطئ لمناهج تحليل الصراع من قبل المعارضين له، والذي كان إن صح يمكن ان يؤدي الي عزلته وهزيمته.
وجدت النخبة المركزية الأجواء مواتية بسبب خطاب المعارضة المختل فقادت خطابا مغطى بالدين والاثنية لضمان بقائها في الحكم، أوصل ذلك الخطاب الأوضاع لمرحلة الإبادة الجماعية والحرب الجهادية المقدسة ضد المواطنين، ولكن مع كل ذلك ظلت النخبة عاملا ثابتا في أي معادلة تسوية سياسية، بل حافظت على وضعيتها وامتيازاتها، وما قامت به في اغلب الأحوال هو إدماج المعارضين لها في نظامها بمعادلة مختلة رجحت الكفة دوما لصالحها.
تبني الجهات المعارضة للمنهج القومي بشقيه (الانفصالي أو المناطقي) لم يحدثا التغيير بل صانا المركز وحافظا عليه، وفي احسن الأحوال ادي ذلك الخطاب الي الالتحاق بالمركز او تأسيس مركز جديد، لذلك توجهنا الي أن نبحث عن خطاب جديد بيده يحدث التغيير ويجمع المضطهدين ويعالج قضاياهم بصورة شاملة وكاملة، يفكك المركز ونخبته التي تستنزف الموارد وتمكن بقائها النخبة العالمية، كان لابد منه، من أجل ان يعاد البناء بأسس عادلة ومتساوية، فالنخبة المسيطرة في المركز لم تأتي بمحض الصدفة بل مرتبطة بالنظام الاستعماري وساهمت تلك القوى الاستعمارية من قبل في تخلقها.
قال العالم يوهن غالتونج أن النخبة السياسية التي تشكلت في الدول المستقلة والتي لم تشهد عملية استقلال بلدانها حركات تحرر وطنية ضد المستعمر، ونالته عن طريق التفاوض، يري ان المفاوضات لم تكن متوازنة بل أنتجت إملاءات و شروط قاصرة، كما تم نقل السلطة من الإدارة الاستعمارية إلى النخبة المحلية التي أنتجتها واستخدمتها لاحقا.
وتم الاستقلال بعد ان قبلت تلك النخبة الوطنية إملاءات القوى الاستعمارية وهو ما اطلق عليه تقبل شروط التبعية، يضيف غالتونغ أن التبعية السياسية قادت إلى تبعية اقتصادية مزمنة، بحكم أن الاستعمار قد أنتج هيكلة إنتاجية ضعيفة موجهة للتصدير سواء من حيث كونها مواد زراعية ( مثل الكاكاو في الكوت ديفوار و الكاميرون أو المطاط في اندونيسيا ) أو التعدينية (مثل اليورانيوم في النيجر التي تستفيد منه فرنسا بصفة حصرية عن طريق شركة أريفا ) أو الطاقوية مثل النفط، لذلك تفكيك المركز الوطني يجب ان تمتد الجهود بعده لتفكيك المركز العالمي الذي صمم القوانين التي تحكم أوضاع التبعية في عالم اليوم.

سياسات الاستغلال التي تتبناها النخبة الافريقية من خلال تغولها وسيطرتها على الموارد الطبيعية مثل الأراضي الزراعية والاستثمارية بنزعها من أصحابها وتوزيعها لنفسها واقامة المشاريع التي تستفيد منها هي على حساب أصحاب الارض ودون تعويض مرضي لهم وبدعم من الخارج، وكذلك التنقيب عن المعادن مثل الذهب وغيرها وتصديرها للخارج وفق مصالحها، واحتكارها لسوق تصدير الثروة الحيوانية في نفس الوقت والتي تمكنها من كسب اضعاف مضعفة من عوائدها وبالمقابل كسب الراعي صاحب الثروة لأقل من ثلث قيمتها، الحديث عن مثل هذه القضايا وشرح مظالمها وانتهاكاتها بدقة يمكنها أن توحد المتضررين وتجعلهم يعملون تحت مظلة واحدة وبشكل منظم، من أجل إلغاء عملية الاستغلال هذه وابدال نظامها بنظام لصالح هؤلاء المتضررين، ليس الخطابات التي بحثت عن اثنية النخبة ودينها وثقافتها وحاولت تحميل الاثنية والثقافة نتائج تلك السياسات، فهذه الخطابات في حقيقتها خدمت النخبة وخطابها، وجعلتها تكون محمية باصطفاف قاعدي اثني وثقافي، جعلت عملية التغيير صعبة المنال.
ونشير هنا لحديث الكاتب اواب احمد – الذي ذكر فيه ” إن مناقشة قضايا الهامش والمركز داخل الخطابات الثقافية/الهوياتية/الإثنية وحدها يحرمنا من رؤية وفهم تضاريس واقع التهميش. فعوضا عن إنكار واقع التهميش، أو إرجاعه إلى محض المصادفات التاريخية، فإننا نحتاج أن نستعيد مقولات الهامش والمركز داخل تحليلات الاقتصاد السياسي، بما يستفيد من مكوناتها الثقافية والطبقية، ويحفظ قيمتها المفهومية، ويعالج مشكلاتها المنهجية” نتفق معه ونضيف عليه بان المناقشة بتلك الطريقة لن تحرمنا فقط من تقفي اثار القضية لمعالجتها بل تخلط وتشوش علينا الرؤية فنكاد لا نفرق بين المهمِش والمهمَش، وبالتالي نتوه عن دراية ما الذي يمكننا فعله، لذلك تعيش الثورات المنطلقة من الهامش في السودان حاليا هذا النوع من الارباك وفقدان الاتجاه، خاصة عندما يبدر سؤال عن لماذا تأخرت عملية التغيير؟ وما الذي كان خطأ في تجربتنا؟
تأتي هذه الورقة في اطار البحث عن مناقب أخرى لتحليل عناصر الصراع والفاعلين فيه لتمهد الطريق لأصحاب المصلحة في التغيير للمضي قدما لإنجازه، سيما أن المشاريع الأخرى قد بات بالفشل او لم تحقق مساعيها، وقد حافظت على المركز بسياساته المستغلة والمضطهدة، وسيرتكز حديثنا حول نظرية التبعية لتحليل أبعادها وارتباطها بالأوضاع في السودان.

عن نظرية التبعية:
من المهم الذي يجب أن يشار إليه أن نظرية التبعية (Dependency Theory) تصنف بأنها قراءة جديدة للفكر الماركسي، ولها عدة قراءات منها نظرية تحليل النظام العالمي لإيمانويل وليستاين، والتبادل الغير متكافئ لسمير امين والمركز والمحيط (الهامش)، والإشارة الماركسية تعود إلى أندريا غندر فرأنك أحد رواد النظرية، كذلك قدم راؤول بريبيش الليبرالي الإصلاحي قراءة أخرى لها، والتبعية هي أكثر النظريات عمقا وقربا وتحليلا لوقائع الصراع العالمي بين دول الشمال العالمي والجنوب العالمي بشكل عام، وتشرح ابعاده وجذوره وكذلك إرتباطاته على المستوى المحلي في السودان.

النظرية هي ضمن نظريات التنمية، وقد جاءت رداً على نظرية الحداثة للإجابة على التساؤل عن أسباب عدم تطور بعض الدول والشعوب سيما في الجنوب العالمي مقابل الشعوب الأخرى المتطورة في الشمال العالمي، وقد كتب نظرية الحداثة نخبة من العلماء في الغرب وتحديداً في الولايات المتحدة الامريكية، وعزت نظرية الحداثة أسباب عدم تطور الدول والشعوب لعدة أسباب تتعلق بثقافة تلك المجتمعات ونمط الإنتاج الذي يعتمدونه وكذلك الحكومات الفاسدة القائمة في بلدانهم، وغياب الديمقراطية أو طبيعة نظام الحكم فيها، وتجاهلت عن عمد أي دور للاستغلال والاستعمار السياسي والاقتصادي اللذان حدثا ومازالا مستمران بشكل أو بآخر.

كأن المأخذ والنقد الذي وجه لنظرية الحداثة ونخبة العلماء الذين قدموها بأنها نظرية مائلة في رؤيتها للغرب منغمسة في لغته وتفسيراته وتعكس وجهة نظرهم دون اعتبار وقراءة للدول التي تحدثوا عن تخلف ركبها.
تعتبر نظرية التبعية(Dependency Theory) هي أكثر النظريات التي وجهت نقداً صريحاً لنظرية الحداثة، ولم تقف عند ذلك الحد بل قدمت اطروحة مغايرة لنظرية الحداثة وبقراءات متعددة، قامت بعرض حججها ومبرراتها وهي جاءت نابعة من واقع الدول التي أطلق عليها المتخلفة – بفعل فاعل(Underdeveloped) وليست غير نامية (Undeveloped) حسب رواد نظرية التبعية.
كأن إيمانويل والستاين وراؤول بشبيك وأندريا غندر فرانك وسمير أمين وولتر رودني وبول باران وبول سويزي وسانتينو دي سانتوس وغيرهم من رواد نظرية التبعية سيما في أمريكا اللاتينية، هم أكثر من ساهموا في تطويرها في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
وللحديث بشكل دقيق دعونا نعرض محتوى نظرية التبعية بما حوتها حسب مفكريها، والتي جاءت بعد تطور الرأسمالية وانتشارها في العالم وأصبحت عملية استغلال العمال والتمتع بفائض القيمة (حسب كارل ماركس) وتقسيم الطبقات بشكل عالمي بدلا من محدوديته في حدود دول أو مناطق بعينها، وعادت عملية الانتاج غير متكافئة وأيضاً توزيع الثروة العالمية أخذ الطابع الرأسمالي بشكله غير العادل، حيث تكدست الثروة في ايادي نخب داخل حدود دول محددة وحرمت بقية الدول، سيما بعد تطور الرأسمالية وخروج نمط انتاجها خارج حدود أوروبا والتي هي حسب لينين في كتاب (الإمبريالية اعلى مراحلة الرأسمالية) إذ قال ” أن الرأسمالية هي الإنتاج البضاعي في مرحلة تطوره العليا التي تغدو فيها قوة العمل بضاعة كذلك، واتساع التبادل في داخل البلاد ولا سيما على الصعيد العالمي هو السمة الخاصة للرأسمالية” وتكون عملية التبادل حر ولكن تتطور هذه الرأسمالية إلى مرحلة الإمبريالية و(الإمبريالية هي الرأسمالية في مرحلة الاحتكار) ? المرجع السابق، أي مصادمة لفكرة المنافسة الحرة، والدخول في شكل تجمعات ومجموعات رأسمالية كبرى تلتهم الصغرى ، ودخول العالم بعدها لمرحلة العولمة وانتشار سياسة السوق الحر وأنشاء المؤسسات المالية العالمية التي ترعى ذلك، مثل مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها، والتي نشأت بعد اتفاقية بريتون وودز ( Bretton-Woods Agreement 1944 ) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى يكون الحديث مترابطا من منابعه دعونا نترك المجال لنستعرض قليلا نظرية الحداثة حسب منظريها، وتناول النظرية لا ينبع من اللاموضوع بل أنها ذات ارتباط وثيق بعنوان الورقة هذه، ولأننا نبحث عن الإجابة على سؤال تخلف وعدم تنمية السودان وكذلك نقوم بقراءة عميقة لصراعاته والحروبات التي تشهدها منذ ما قبل خروج المستعمر، بالإضافة للاضطرابات السياسية اللانهائية حتى تاريخنا هذا، ولأن السودان لا يعيش في جزيرة معزولة فهو يؤثر ويتأثر بما يجري في العالم من أحداث، فعلينا أن ننظر إلى أزماته بطريقة عميقة.

نظرية الحداثة:
هي نظرية معنية بشرح خطوات التحول المتقدم من المجتمعات من مرحلة ما قبل الحداثة أو التقليدية إلى الحداثة وهذه النظرية يرجع أصلها إلى أفكار عالم الإجتماع الألمأني ماكس ويبر (1860-1920)، وقد وضع صيغ تحول المجتمعات وفق نظرية عالم الاجتماع بجامعة هارفرد تالكوت بيرسونس (1902-1979)، والتي نظرت إلى العوامل الداخلية للدول أو المجتمعات وطورت ثلاثة فرضيات، أولها هي أن هذه الدول يمكن أن تتبع نفس السبيل نحو الحداثة والتقدم، وثانيها أن الحداثة والتنمية لهما وجه واحد، وأما الفرضية الأخيرة تمثلت في الخطوات الخمسة نحو الحداثة (أدناه) والتي تمر بها نفس الدول وباتجاه واحد دون رجعة وهي مرحلة المجتمع التقليدي في هذه المرحلة يكون اقتصاد ذلك المجتمع يعتمد على الاكتفاء الذاتي، وينتشر فيه نظام البيع بالمقايضة، وتكون الزراعة عاملاً رئيسياً ولكن في ظل عدم وجود قطاع الزراعة الآلية، وتسود في ذلك العلاقات الأسرية في ظل وجود هيكل هرمي اجتماعي، ثم المرحلة المسبقة للإقلاع وتكون فيها ثورة زراعية لزيادة الانتاج وكذلك تقسيم لسوق العمل مع وجود أرباح أو فائض قيمة، وهنا تشهد المرحلة دخول نظام المواصلات للدفع بعملية التجارة وأيضاً تتميز المرحلة بظهور قطاع الأعمال التجارية للادخار والاستثمار في وجود حكومات وقيادة مركزية تشجع على الاستثمار في القطاع الخاص وتتدخل فيها علاقات الاقتصاد والإنتاجية بالسياسة وبالتغيير في الأنظمة مع حساب للأخطار أو المصالح، ولتصل مرحلة الإقلاع وفيها تزداد ظاهرة التمدن والثورة الصناعية والتمدد في الزراعة التجارية وأيضاً في قطاع النقل ويشمل هذا خطوط السكك الحديدية ومصانع الفحم الحجري والتوسع في الأسواق ويتجه قطاع الاعمال إلى إطالة فترة الرفاه وتكدس رأس المال ويمكنها أن تتخذ طرق استثمارية عالية المخاطر لتحقيق أهدافها الاقتصادية، ثم مرحلة النضج وتتمثل في انتشار قطاع التكنولوجيا والصناعة، وتتنوع وتتعدد الأنشطة الاقتصادية وتكون هنالك نسبة عالية في تقسيم العمل مع التخصصية كذلك وزيادة في القدرات والرواتب، وانتشار للتجارة العالمية وسرعة نمو اقتصادي وكذلك زيادة مستويات الدخل القومي والفردي، ويكون مستوى الاستثمار حوالي ٢٠٪ من معدل الناتج القومي مع وجود فرص عالية في العمل والاستثمار، وتأثير سلبي في النشاط التجاري على البيئة والصحة، واخيراً مرحلة الاستهلاك العالية فيقول رسوتو في المرحلة الأخيرة وهي مرحلة الاستهلاك العالية أن يكون فيها سيادة للقطاع الثانوي وقطاع المال وينحو الاقتصاد ناحية الاستهلاكية العالية وفيها يكون من السهل صناعة وبيع المنتجات في ظل وجود نظام اقتصادي عالمي(العولمة)، ودخول للشركات المتعددة الجنسيات وزيادة في فوائد الخدمات الاجتماعية وزيادة كذلك لمستويات الدخل الفردي وتستبدل عملية الإنتاج والامداد بعمليتي الاستهلال والطلب.
وحتى ولو قدمت النظرية بعض التفسيرات قد يرى القارئ أنها منطقية وقريبة مع حال بعض الدول أو الشعوب، إلا أن النقد للنظرية كان، بالإضافة لما نأتي إليه في موضوع بحثنا في نظرية التابعية، هو أن نظرية الحداثة كانت وصفية لجغرافية محددة أكثر من واقعية لكل دول العالم، وهي لا تنظر إلى وفرة الموارد ولا للسكان في أي دولة وظروفهم وتعقيداتهم التي يمرون بها، وكذلك نقدت بأنها كانت منحازة إلى الغرب في رؤاها وقراءتها، وتجاهلت تأثيرات الدول الأخرى (الغرب أو الشمال العالمي) على تطور بعض الدول (الجنوب العالمي) خاصة في مرحلة الاستعمار ومرحلة الإمبريالية العالمية، وكذلك لم تهتم النظرية بالأنظمة والمؤسسات المالية التي أنشأت لتضمن احتكار التكنولوجيا ورأس المال في يد نخب تقيم في دول معينة.

يأتي شرحنا عن نظرية الحداثة لأننا نرى أن الحديث عن نظرية التبعية يتطلب شرح لنظرية الحداثة في المقام الأول لأن نظرية التبعية جاءت كنقد لها، وكمال يقال لفهم اشتراكية كارل ماركس يجب الاطلاع على رأسمالية آدم سميث، لان الاولي جاءت كنقد للثانية، وهنا جاءت نظرية التبعية لتقدم أجوبة مختلفة لنظرية الحداثة عن سؤال تخلف بعض الدول وثراء الأخرى على حسابها.

نظرية التبعية (Dependency Theory):
كما أشرنا بالحديث أعلاه عن نظرية التبعية وقلنا أنها جاءت كرد على نظرية الحداثة فعلينا أن نتحدث عن فحوى نظرية التبعية، لنكون على بينة في كيف كان الرد، وللنظرية عدة قراءات منها المركز والمحيط وكذلك التبادل غير المتكافئ وغيرها، يقال عن نظرية التبعية بأنها تصنف كماركسية جديدة، أي تستند عليها كمنطلق، وقد جاءت في الخمسينيات والعقدين اللذان أعقباه، في منطقة دول أمريكا الوسطى والجنوبية، واعتبرت النظرية كواحدة من الثورات العالمية حيث قدمت أجوبة لأسئلة في العلاقات الدولية، منها لماذا هنالك دول متخلفة في العالم؟ كانت الإجابة السهلة حينها بأن تلك الدول لا تتبع الطريق السليم من اجل النمو والازدهار الاقتصادي! أو تحكمها حكومات استبدادية وفاسدة، ولكن رواد نظرية التبعية كانوا ينظرون إلى تلكم الأجوبة السهلة بأنها مجرد ملامة فقط، ومضوا يقولون أن تلك الدول ستظل متخلفة لأن النظام العالمي مصمم ليمنعها من التطور، وأن النظام العالمي مصمم على الاستغلال(Exploitation) ولسيادة بعض الدول على الأخرى، وقامت نظرية التبعية بشرح حجتها ومنطقها كالآتي:

أولاً: تقوم النظرية على أربعة فرضيات، فالفرضية الأولي أن دول العالم تنقسم إلى أربع مستويات يكون لكل منهما دوراً في عملية الاقتصاد العالمي واعطت لكل مستوى مسمى كالآتي:
1- دول مركز المركز(States Core of Core): وهي الدول الغنية والقوية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وغيرها.
2- دول هامش المركز (Periphery of Core States): وهي الدول الحديثة الصناعية الغنية وتشمل مثل كندا وهولندا واليإبان ولهذه الدول الغنية قوة عالمية ولكنها أقل تأثيرا من دول المركز.
3- دول مركز الهامش (Core of Periphery States): وهي الدول التي تنمو حالياً ولكن لها ثروات مقدرة وتشمل مثلا جنوب افريقيا والهند والبرازيل.
4- ول هامش الهامش (Periphery of Periphery States) : وهي الدول الفقيرة المثقلة بالديون في افريقيا وآسيا والشرق الأوسط.

[CENTER]
[/CENTER] ثانياً: تقول أن هنالك تقسيم عمل عالمي بين الدول أعلاه، وهي أن دول مركز المركز هي الدول التي تحتكر المصانع والتكنولوجيا وتتكدس عندها رؤوس الأموال والبحوث التكنولوجية، ودول الهامش وغيرها هي مجرد دول مستغلة في اقتصادها، مثل تصدير المواد بشكلها الخام من معادن ومنتجات زراعية وغابية وغيرها وكذلك تصدر العمالة الرخيصة، ونتيجة لذلك فإن الاقتصاد العالمي تمت هيكلته على النهج التالي:
– تقوم دول هامش المركز بخدمة المصالح الاقتصادية لدول المركز، كما موضح في السهم أعلاه الذي يمتد من الدائرة (pc) نحو(cc) مباشرة.
– في الوقت الذي تقوم فيه دول مركز الهامش بخدمة المصالح الاقتصادية لدول هامش المركز أولاً ومن ثم دول مركز المركز كذلك، كما موضح في السهمين أعلاه الممتدين من الدائرة (cp) نحو الدوائر (pc) و(cc) مباشرة.
– واخيراً تقوم دول هامش الهامش بخدمة المصالح الاقتصادية لدول مركز الهامش وهامش المركز ومركز المركز الثلاثة مجتمعات، كما موضح في الأسهم الثلاثة أعلاه الممتدة من الدائرة (pp) نحو الدوائر الثلاثة (cp) و(pc) و(cc) مباشرة.

ثالثا: تقول أن هنالك تقسيم طبقي في مستويات الدول الأربعة أعلاه، ويوجد التقسيم الطبقي هذا بشكل واضح بين الطبقة الغنية وهي النخبة(Exploiters) والفقيرة والمضطهدة (Exploited)، وبشكل آخر طبقة الملاك والعمال، وتتميز الطبقة الأولي بأنها نخبة سياسية واقتصادية صغيرة(أعلى كل دائرة في المخطط) مقابل الثانية بأنها الغالبية المضطهدة، ويوجد هذا التقسيم الطبقة في كل مستويات الدول الأربعة أعلاه، وتقول نظرية التبعية بأن هذه النخبة المتواجدة في كل الدول أعلاه تتعاون مع بعضها البعض من اجل استدامة مصالحها الاقتصادية ونفوذها المالي والسلطوي، وتتخذ عدة مبررات ومختلف الوسائل للاستمرار والمحافظة على النظام القائم أعلاه بتقسيماته (مشار إليها بالخط المنقط) .

رابعا: تقول نظرية التبعية أن هذا النظام أعلاه بتقسيماته وطبقاته موجود ومحمي بنظام عالمي واحد تقف خلفه الرأسمالية العالمية، وهذا يعني أن النظام الاقتصادي الليبرالي يحمل ملامح السوق الحر والشركات العابرة للقارات، ومؤسسات بريتون وودز مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرها تمت اقامتهم لحماية واستمرارية هذه النظام الذي يؤمن مصالح النخبة السياسية والاقتصادية لدول مركز المركز والمتعاونين معهم في بقية أشكال الدول الأخرى بنسب متفاوتة.

تدعم تلك المحافظة والاستمرارية أيضاً السياسة الاعلامية والدعاية العالمية وهي مجرد سياج وقشور أو مبررات، وكذلك النظام التعليمي، فكلهم يعملون لخدمة مصالح هذا النظام، وليس مصالح الدول التي تقع في هامش الهامش، ولا يمنح هذا النظام الفرص المتساوية للجميع، بل يشجع لسيادة النخبة لاستغلال الجماهير المضطهدة، وفي هذا النظام لا يمكن للدول أو المجتمعات في هامش الهامش أن تتطور، بل يمكنها أن تزداد تخلفاً، وهو ما أطلقت عليها نظرية التبعية بتنمية التخلف، أي أن هذا النظام يعمل على تنمية وزيادة تخلف الدول والمجتمعات.

نجد أن نهب الموارد واستغلال الشعوب لا يتم بشكل علني مكشوف دائما وإنما تحت مبررات كثيرة منها تتعلق بنشر الحضارة واستدامة السلام والنظام العالمي ومحاربة الإرهاب، وكذلك تستخدم الفوارق العقدية والاثنية والجهوية كغطاء تعبوي دعائي تضخه الآلة الإعلامية وتؤطر له المناهج التربوية والبيوتات الدينية لترويض الشعوب لتعبئتهم أو لتفريقهم عن بعض، ليتمكنوا من نهب الموارد والمحافظة على بقاء هذا النظام، والشعوب المضطهدة (البروليتارية) حسب المصطلح الماركسي الكلاسيكي فوحدتها كطبقة خلف مصالحها مضر بهذا النظام.

ونتاج استمرارية ذلك النمط الاستغلالي الذي رسخ أركانه إبان فترة الاستعمار ومواصلته لمدة خمسة عقود خاصة في افريقيا بعد خروج المستعمر، أدت إلى حدوث فوارق كبيرة في العالم بين الدول وبين الشعوب، تم احصائها بواسطة نفس هذه الأجهزة التي أنشئت لحماية هذا النظام العالمي، فتقارير صندوق النقد الدولي توضح بين كل عقد واخر دقة نظرية التبعية، بحيث الفوارق في مستوى الدخل القومي بالنسبة للفرد كبيرة جدا مقارنة بين الدول في الشمال العالمي والجنوب العالمي، وكذلك في النمو الاقتصادي. دعونا نأتي ببعض الاحصائيات.

الفوارق في مستوى الدخل القومي بالنسبة للفرد بين دول الشمال عالمي مقابل الجنوب العالمي:
أهمية هذه الجزئية تؤكد أن الحديث عن نظرية التبعية ليس محصور في الأروقة الاكاديمية وحدها بل تتنزل إلى أرض الواقع وتعكسها الاحصائيات نفسها من لدن نفس المؤسسات التي أنشأت لحماية النظام العالمي المالي، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بحيث أكدت الاحصائيات أن الفوارق كبيرة بين الدول والشعوب، ونسبة لكثرة عدد الدول فإننا لن نستخدم كل دولة على حدة بل سوف نأخذ اقرب تصنيف والذي سيتماشى مع موضوع ورقتنا وهو التصنيف الذي ظهر في الستينيات من القرن الماضي، بواسطة عدد من العلماء منهم توماس أركسين وجوناثان ليك واخرين، حيث قسمت الدول إلى الجنوب العالمي ودول الشمال العالمي.
فدول الجنوب العالمي أغلبها هي دول مركز الهامش وهامش الهامش وتمثل حوالي 80% من دول العالم، بينما دول الشمال العالمي هي دول هامش المركز ومركز المركز وتمثل فقط 20% من دول العالم، والتقسيم اقتصادي، اجتماعي، وسياسي معياره هو مستوى الغنى والفقر أي الدول الغنية والدول الفقيرة(Jing Wang -2011 واخرون) وليس جغرافي بحيث يمكن لدولة أن تتواجد جغرافيا في الجنوب ولكنها تتبع للشمال مثل أستراليا.
فالجدول أدناه يبين الفوارق بين دول الشمال العالمي والجنوب العالمي بمليارات الدولارات الأمريكية من جهة وكذلك هنالك مجموعة اطلق عليها (Jing Wang -2011 واخرون) باسم الثلاثة الكبار وهم( الصين والهند والبرازيل) ويقعون ضمن دول الجنوب العالمي ويمثلون حسب التبعية بدول مركز الهامش ، بينما الجدول الثاني يبين دول مصنفة بمجموعة السبعة تقع ضمن دول الشمال العالمي وهي(أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا واليابان) وهي دول أغلبها دول مركز المركز بالإضافة إلى دول هامش المركز.

الفوارق في مستوى الدخل القومي / بالنسبة للفرد (Growth Domestic Product/ per Capita) باستخدام تصنيف صندوق النقد الدولي كانت كما في الجدول(١) التالي:

[CENTER]
[/CENTER] Source: Authors? calculations based on World Development Indicators (WDI) of the World Bank, [url]http://data.worldbank.org/data-catalog/world-development-indicators[/url].
الجدول أدناه يبين الفوارق بين دول مجموعة السبعة والجنوب من جهة بالإضافة إلى الدول الثلاث الكبار مجتمعة وكل على حدة، ومن جهة اخرى يعقد مقارنة بين الفوارق بين بقية دول الشمال العالمي مع الجنوب العالمي وبين دول الشمال العالمي مع مجموعة الثلاث الكبار مجتمعة ومتفرقة كمقارنة أخيرة.

[CENTER]
[/CENTER] وبما أن معيار مستوى الدخل القومي هو مقياس لا يعطي حقيقة مستوى الرفاه بين الشعوب، وأن مستوى الدخل القومي / بالنسبة للفرد يقاس بقسمة مستوى الدخل القومي السنوي لكل دولة على عدد سكانها، فإن أحد أكبر عيوبه أنه ينقصه معايير التوزيع العادل لهذه المداخيل بين المواطنين جميعا، فقد تبين الأرقام مستويات دخل الفرد عالية في دولة ما ولكن الواقع يظهر فقر مدقع، ولكن برغم من ذلك نجده المعيار القياسي الوحيد الذي مازال يعمل به في المؤسسات المالية العالمية وكثير من مؤسسات الدول، لذا قمنا باستخدامه، هنالك معيار اخر هو معدل تكافؤ القوى الشرائية (Purchasing Power Parity )، ولكنه غير مستخدم بشكل شائع، لذلك سنتجاهله.
فالفوارق الظاهرة في معدل الدخل القومي بالنسبة للفرد تبين كيف أن دول الشمال العالمي خاصة مجموعة السبعة ( G7 ) تكون مساحة الفارق دوما حادة بينها وبين دول الجنوب العالمي، بينما تتناقص حدة هذه الفوارق مع الدول الثلاث الكبار، وهنالك فارق اخر بين بقية دول الشمال العالمي مع دول الجنوب العالمي عموما وبشكل ضئيل مع الدول الثلاث الكبار، مما يؤكد ذلك الفرضية أعلاه عن التقسيمات الأربعة للدول.
خلاصة الحديث من هذه الجزئية أن الفوارق المبينة في الأرقام أعلاه والتي تظهر تراكم الثروات في دول محددة مع افقار للأخرى لم تأتي نتاج صدفة أو كما برر لها في نظرية الحداثة، وإنما حصاد لنظام تم تثبيته والعمل به منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أو قبله، نظام نخبوي عالمي له امتدادات وطنية في كل دولة، وقد ألقى هذه النظام بظلاله على الواقع في السودان، خلق نخبة وطنية تستأثر بالسلطة من أجل نهب ثروات البلاد، ولأن السودان جزء من هذا العالم ويتفاعل مع أحداثه سلباً أو إيجاباً، نعتقد أن الحروب وعدم الاستقرار السياسي الذي يشهده هو بسبب ذلك الاختلال في موازين السلطة وتوزيع الثروة في المستويين الوطني والعالمي.

واقع الصراع في السودان:

للحديث عن واقع الصراع في السودان وتشكيلاته، دعونا نتحدث بخلفية موجزة للقارئ عن السودان، فالسودان بلد متعدد الثقافات واللغات والأديان وكذلك المناخ، يمتد من الصحراوي إلى الاستوائي، به اكثر من (500) قبيلة وفوق ال(130) لغة وأكثر من ثلاثة ديانات، ويرجع تاريخه إلى فترة ما قبل كتابة التاريخ، وقد شهد هجرات متعددة من مختلف جهاته، عرف السودان بحدوده السياسية قبل انفصال الجنوب (2011) إبان فترة ما قبل الاستقلال، حيث كانت حدوده قبل ذلك هي حدود ممالك تحكم حسب أنظمة محلية، مثل ممالك النوبة في علوة والمقرة ومملكة الفور ومملكة الفونج …الخ، ولكن لعبت مصالح الدولة المستعمرة ? بريطانيا العظمى ? دوراً كما في بقية الدول المستعمرة في تحديد حدود مستعمراتها، وفق مخرجات مؤتمر برلين ١٨٠٤-١٨٠٥م الذي عقد بدعوة من بسمارك، تقاسم المستعمرون الأوربيون المستعمرات فيما بينهم وحددوا حدودها، في أكبر صفقة رأسمالية إمبريالية حدثت في العالم، لغوا الحدود السياسية والإدارية التي كانت قائمة آنذاك بين الممالك والشعوب، لم يكن للسودانيين دور في صناعة هذه الجغرافيا ولا حتى في المسمى الذي أطلق على دولتهم.
وكنهج الدول المستعمرة عملت حكومتا الاستعمار التركي (1820-1885) والبريطاني (1889-1956) على ترقية والاستجابة لمصالحها، حتى تركيز الخدمات التعليمية والصحية والطرق المختلفة كانت لغرض المساعدة على نهب واستنزاف موارد المستعمرات وتسهيل عملية التجارة خاصة تجارة الرقيق والذهب والمنتجات الزراعية وغيرها وعملت المؤسسات التعليمية التي أنشئت لضمان تخريج شريحة موظفين يساعدون على أداء ذلك الدور، وفي ذلك الوقت تم إدماج السودان في النظام الرأسمالي العالمي.
ونسبة لتكاليف الإدارة المباشرة الباهظة بالإضافة إلى الثورات والتمردات في المستعمرات عملت الدول المستعمرة خاصة بريطانيا بنظام الإدارة غير المباشرة، وذلك بمنح جزء من الصلاحيات والسلطات لبعض زعماء الإدارة الأهلية المحليين الموالين لها، والتي نطلق عليها بالفئة الأولى، وعبرها استطاعت سلطات الاستعمار أن تنشئ طبقة أخرى من المقربين للزعماء الأهليين في مستعمراتها خاصة الإفريقية، هذا بالإضافة إلى العمل في الجندية والقتال خاصة مشاركة جنود المستعمرات في الحرب العالمية الثانية خلقت طبقة أخرى من قادة هؤلاء الجنود في المستعمرات المختلفة، ودخول الكلية العسكرية كأن حكراً على المقربين من سلطات الاستعمار ومن ذوي الحظوة عنده وهي الفئة الثانية. كل هاتين الفئتين بالإضافة إلى التجار ورجال الدين هم كونوا نواة النخبة التي سنتحدث عنها لاحقا.
نال السودان استقلاله أو بصور أدق خرج المستعمر البريطاني في عام (1956) في احتفالية استقلال وسلمت إدارة المستعمرات لحكام وطنيين انتمى أغلبهم إلى الأماكن التي تركزت فيها الخدمات التعليمية إبان فترة الاستعمار، أو النخبة التي تشكلت حسب سياسات الاستعمار، لم يراعي المستعمر عملية التفاوتات والفوارق التي أحدثها خلال عقود حكمه الذي استمر في المستعمرات سيما السودان، بحيث أن عملية الاستعمار في الأصل لا تنظر إلى النواحي الإنسانية ولا قيمها من عدالة ومساواة وغيرها، فالأولوية عنده أن يتعامل مع من يسهلون عليه الاستحواذ على أكبر قدر من الموارد ويعملون بكد لتأمين مصالحه.

واقع المستعمرات عموما عند خروج المستعمر كان مضطرباً بهياكل إدارية مهترئة وخبرة سياسية محدودة عند الكوادر الوطنية، انغمس أغلبهم في الصراع حول المناصب وتقاسم تركة المستعمر، دون الالتفات إلى بناء دولة حقيقية تعبر عن مصالح مواطنيها وتسخر قدراتهم لبناء دولة مواطنة حقيقية قائمة على عقد اجتماعي راسخ بين سكانها، والنظر إلى التخلص من تركة المستعمر والقطيعة معه، فضلا عن قصور الفكرة التحررية وتعاملها في الحدود التي أنشأها نفس المستعمر، بحيث لم يفكر قادة الاستقلال كغيرهم في توسيع مشروع التحرر لما خلف الحدود والأسوار ليشمل التحرر من المنظومة والمؤسسات المالية العالمية التي علقت كالحبل علي رقاب الدول المستقلة حديثا.
وكذلك واجه الدول المستقلة محدودية في القرار السياسي في الشؤون الدولية والإقليمية بسبب حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به مجموعة الدول الخمسة الكبار في مجلس الامن الدولي وهم الذين اطلقوا على أنفسهم بالمنتصرين، وتضم القائمة الدول الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا الحالية والمملكة المتحدة وفرنسا وجمهورية الصين الشعبية، ظلت القرار حكراً عليهم وأصبحت عندهم الشرعية للحفاظ على الامن والسلم الدوليين، وحتما سيحدد ذلك كله وفق مصالحهم، وهذا يعني أن الاستقلال الذي حدث كأن ناقصا، ولم يكن استقلالا حقيقياً حتى يحتفى به، ولم يقف الامر عند ذلك الحد بل قامت الولايات المتحدة وبعض حلفائها قبله بتشكيل منظومة اقتصادية عالمية جعلت كل مفاصل الاقتصاد والأنشطة الاقتصادية العالمية تسير وفق قوانينها ومصالحها، فاصبح استقلال المستعمرات بينها السودان معيب سياسياً وناقص اقتصاديا.

نظام (بريتون وودز) وأثره على المستعمرات:

كما ذكرنا أعلاه أن الولايات المتحدة الأمريكية سارعت عند نهاية الحرب العالمية الثانية إلى وضع نظام اقتصادي ومالي عالمي يمكنها من السيطرة على الاقتصاد العالمي حسب قيمها الليبرالية، من سياسة السوق الحر التي تعمل على إزالة الحدود السياسية بين الدول لتسهيل عبور رأس المال والمواد الخام والمنتجات والخدمات بحرية، وهذا النظام هو في الأصل يكرس على احتكارية عالمية محمية بقوانين السياسة الواقعية (Realist) والتي تستخدم فيها القوة خاصة العسكرية لتأمين المصالح، وإن كان المسمى يظهر بأنه نظام سياسي ليبرالي (Liberalist) إلا أن محتواه الحقيقي واقعي، فالنظام الذي وضع بواسطة الولايات المتحدة الامريكية في بريتون وودز لا يقوم على التعاون والتنسيق كما هي مضمنة في القيم الليبرالية، بل بشروط الإذعان عبر القوة العسكرية لحماية المصالح.
دعونا نرى كيف تشكل نظام بريتون وودز، دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مؤتمر في ولاية نيوهامشر في الفترة من الأول إلى الثاني والعشرين من يونيو عام 1944م والذي عرف بمؤتمر بريتون وودز، حضر المؤتمر عدد من الدول والممالك، وخرج المؤتمرون بقرارات كان أهمها اعتماد الدولار الأمريكي كعملة عالمية، بدل نظام الذهب والجنيه الإسترليني، أنشئت مجموعة البنك الدولي بفروعها الخمسة (World Bank Group) وكذلك صندق النقد الدولي (International Monetary Fund) ومنظمة التجارة العالمية (World Trade Organization ) والاتفاقية العالمية عن التجارة والجمارك والتي عرفت بال(General Agreement on Trade and Tariff)، يساهم في البنك الدولي حوالي (189) دولة حالية، ولكن كانت مساهمة الدول الستة الكبرى بنسب مختلفة وفق الآتي، الولايات المتحدة الامريكية(16.88%) واليابان (7.26%) والصين (4.68%) وألمانيا (4.24%) وفرنسا (3.97%) والمملكة المتحدة (3.97%)، ولاحقا زادت نسب مساهمات وروسيا والهند والمملكة العربية السعودية وإيطاليا وبنسب متفاوتة، ولكن ظلت الولايات المتحدة الامريكية صاحبة النصيب الأعلى وبالتالي صاحبة الصوت الطاغي والمتحكم في تخطيط وتنفيذ سياسة مجموعة البنك الدولي، فهي تمتلك وحدها حوالي (385,210) صوت من جملة (2,411,176) عدد أصوات الدول المساهمة كلها.
وقد أنشئت المؤسسات المالية لعدة أهداف بينها ضمان حركة التجارة العالمية دون قيود محلية من حيث تحرك رأس المال والمواد الخام والمنتجات عبر الدول، وكذلك المساعدة المشروطة للدول التي تعاني من أزمات في اقتصادها وذلك بمنحها قروض ومنح بعد تقبلها شروط ولوائح تلك المؤسسات، سميت ببرنامج الإصلاح الهيكلي، هذه المؤسسات تقوم بفرض سياسات محددة معنية بتغيير سلوكيات الدول وتربط تغيير السلوك بالمنح والقروض التي تقدمها، تكون القروض مستردة ومحددة بآجال ومنافع، بينما المنح تكون غير مستردة، القروض الممنوحة في مجال الإنشاءات مثلا يتم تنفيذها بواسطة شركات من الغرب نفسها، وكذلك عقودات التزود بالقمح والوقود وغيرها تمول كمواد وليست كسيولة نقدية، لتقوم تلك الدول بشرائها.
ومن ضمن الشروط التي تفرض قبل منح القروض هو أن تفتح الدولة أو تزيل كل معيقات التجارة الحرة من تشريعات وقوانين وإجراءات محلية أو إقليمية مثل فرض الضرائب والجمارك وغيرها على المنتجات خاصة المستوردة، وكذلك تنفيذ سياسة الخصخصة لشركات القطاع العام لصالح القطاع الخاص، وفك احتكار الدولة لها، وذلك للسماح لشركات القطاع الخاص بالتنافس في تقديم الخدمات، وتكون الخصخصة مثلاً في قطاع النقل والمواصلات والاتصالات والخدمات الصحة والتعليم وغيره. تدخل هذه القطاعات السوق للمنافسة الحرة، والذي ستكون فيه الغلبة التلقائية للشركات الغربية، وستفوز هي أو شركات تابعة لها بعقودات تشغيل هذه الخدمات والاستفادة من أرباحها، وبالبساطة هو فتح سوق جديد لها مقابل إجبار الشركات الحكومية بالانسحاب، وهذا سيقلل من موارد الحكومة لذلك تلجأ للاستدانة من الدائنين في شكل قروض.
وللقروض التي تمنح للدول المعسرة منافع متزايدة كلما طال امد تسديدها ولذلك تجد أغلب دول الجنوب العالمي مصنفة ضمن الدول عالية الاستدانة (Highly Indebted Countries ) وهي التي اقترضت مليارات الدولارات لتغطية العجز والخلل الذي تسبب فيه نظام بريتون وودز.

هذا هو النظام الذي ذكره رواد نظرية التبعية بأنه يغني بعض الدول على حساب افقار دول أخرى، ولو خالفت دول وتمردت على هذا النظام بشكل منفرد سيما الدول التي تقع في مركز الهامش وهامش الهامش وفي ظل عدم توفر البدائل الاقتصادية، فإنها ستواجه الإفلاس والانهيار والتفكك وستزداد الاضطرابات السياسية والحروب الاهلية وستتلاشى هذه الدولة، ولذلك تخاف النخب الوطنية من فقدان سيطرتها على السلطة وتمتعها بالموارد الاقتصادية، لذلك تجدها تحافظ على قيام هذا النظام وتتعاون معه وتلبي شروطه.

ففي الوقت الذي نالت دول هامش الهامش خاصة الإفريقية استقلالها السياسي، وهو شيء يسعد، برغم من الاضطرابات السياسية والتفكك الاثني والمجتمعي فيها الا أنها بالإضافة لذلك ورثت نظام اقتصادي يجعلها تابعة للدول المستعمرة السابقة، خاصة بعد سيطرة الدول الكبرى واحتكارها للتكنولوجيا الصناعية وحركة الأموال والمحمي بنظام بريتون وودز.

النخبة الوطنية دورها في الصراع وعلاقتها بالخارج:

النخب المحلية التي تكونت نتاج سياسات المستعمر والتي ورثت إدارة المستعمرات منه باسم الاستقلال أو تعاونت معه، عملت على تمكين نفسها والاستمرارية في حكمها بشتى الاشكال ومتخذة عدة مبررات، ولأنها عرفت بعدم مقدرتها على مواجهة النظام العالمي، فقررت التعاون معه واقتسام موارد الشعوب المضطهدة، وليحدث ذلك فلابد لها أن تنطلق من مبررات دينية (السودان) أو عرقية (كينيا أو رواندا) أو جهوية (نيجيريا) أو طائفية (السعودية) أو كلها مجتمعة معاً.
تشكلت الطبقة النخبوية في افريقيا بعد خروج المستعمر وهي التي لم تكن مثل النخبة الأوروبية، فلم تمتلك في يدها راس المال الكافي ولا التكنولوجيا ولا المعرفة لتطوير القطاع الصناعي، فاتجهت الي استغلال الموارد الطبيعية في بلدانها بصورة بشعة وضد مصالح شعوبها.

النخبة (السياسية- الاقتصادية) التي تعاقبت على الحكم في السودان خاصة لم تعمل لتحقيق أهداف أخرى غير التي تجعلها تستمر أطول فترة في الحكم وتنهب ثروات البلاد، ولتحقيق تلك الأهداف تتخذ مبررات متعددة، كما ذكرنا منها ثقافية وآخري دينية وجهوية وايدلوجية …الخ، واذا ما نظرنا لحال العديد من المستعمرات، وفي افريقيا تحديداً نجد أن نفس النخب مسيطرة ونفس السياسة مستمرة ولكن بمبررات ومسميات وايدلوجيا مختلفة، تدير بلدانها بطريقة تكاد تكون متطابقة مع النخبة السودانية من عسف واستبداد وشمولية.

ولكي تضمن النخبة المحلية في السودان استمرارية سيطرتها على الحكم واستغلالها لفوائد البلد الاقتصادية فلابد لها من اختراع أسباب ومبررات تتمكن من خلالها من حشد الدعم والحصول على تأييد شعبي وقاعدي محلي واسع، حتى ولو لم يستفيد من يؤيدونها بتلك الامتيازات مثلها، ولكنها لا يمكن أن تظهر صراحة على أنها تدافع عن مصالحها فقط كنخبة (نظرية التعبية)، بل ستصور لهم أن أي محاولة لإزاحتها من مواقع السيطرة بأنه خطر عام يهدد كل الشرائح والمجموعات الدينية أو الأثنية التي تنتمي إليها.
فالنخبة السودانية تشكلت حسب السياسة الاستعمارية، وهي التي ركزت الخدمات التعليمية في المناطق التي ينحدر منها المسلمون والقبائل ذات الأصول العربية، حيث قال ونجت باشا مدير التعليم في السودان حتى عام 1914م ان السلطات الاستعمارية أسست مدارس يدرس فيها حوالي (90%) من سكان السودان الأصليين من أبناء العائلات العريقة، بينما تركت المناطق المقفولة (جنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق وجزء من دارفور) والتي ينحدر منها بقية السودانيين تحت رحمة المدارس التبشيرية الغير نظامية والمحدودة، خلقت هذه السياسة النخبة وجعلتها متمكنة نوعاً ما لورثة السلطة بعد خروج المستعمر، ويكونون هم موظفي وتكنوقراط الدولة بعد خروج المستعمر، بل نخبتها.
وجدت هذه النخبة أن ما يجمعها هو الإسلام كديانة واللغة العربية كلغة وثقافة، تمسكت بها وجعلته لباساً لأنظمتها الحاكمة، وذهبت تخطط سياسات مركزية وقائية تمكنها من اقصاء المجموعات السكانية الأخرى، وذلك لإبعاد الخطر من فقدان سيطرتها على الحكم وبالتالي فقدانها للامتيازات المترتبة علي ذلك، عملت طيلة فترة استلام الحكم لترسيخ ذلك المفهوم في وسط مؤيديها لكسب المزيد من التأييد وكذلك رسخت ذلك وسط معارضيها، حتى تخلق صراع متوهم بعيد عن جذور الصراع الحقيقية تجعلهم يتمسكون بقشور المشكلة والبحث فيها وتخطيط السياسات المعارضة وفق ذلك، وترك الجوهر الحقيقي الذي يتمثل في استغلال الموارد الاقتصادية وحمايته بجهاز السلطة.

في هذه الأجواء تستمر التعبئة بين الطرفين حتى يحدث الاصطدام في غير موقعه في شكل حرب أهلية أو اضطراب سياسي بين من قامت النخبة بتعبئتهم بطريقة مباشرة كمؤيدين، وخدعتهم بأنها جاءت للمحافظة على مصالحهم وثقافتهم واديانهم من خطر المجموعات الأخرى، وهم أصلاً حراس لمنافعها، وبين من قامت بتعبئتهم بطريقة غير مباشرة كمعارضين لها عن طريق الطرق في المبررات الجهوية والدينية والاثنية وغيرها، تظهر هذه النخبة كأنها تحكم وفق تفويض وشرعية ممنوح لها ممن تدافع عنهم، وهذا ليس صحيح.
في كل الأحوال عند حدوث الاصطدام يضعف الطرفان وبالتالي تحافظ النخب على سيطرتهم وتتمكن من القيام بالتزاماتهم حسب النظام العالمي.
نرى أن الاستغلال وتقسيم العمل الذي ورد في نظرية التبعية مستمراً من مستوى النموذج الدولي المذكور وحتى أصغر قرية في العالم، فهناك أيضاً توجد نخبة سلطوية واقتصادية تنسق وتتعاون مع نخبة في مركز أعلى منها وتتخذ مبررات مختلفة.

لم يكن الاضطهاد محصوراً على القوميات والقبائل الغير عربية وحدها في السودان، ولا هو بسبب نمط الاقتصاد الريعي كما يعتقد البعض، وانما نهج الاقتصادي الرأسمالي الإمبريالي والذي يقوم على استغلال الشعوب والتمتع بالقيمة الفائضة من منتجاتها، بدليل انه اقتصاد منتج في نمطه ولكن يستفيد من انتاجه يصب في مصلحة شرائح محددة ويحرم البقية منها، ويدعم عملية الإنتاج الاستغلالي هذا نظام الدولة القائم، جاء هذا النمط مع المستعمر الأوروبي وعم كل القارة الافريقية، يقول ولتر رودني أن الثقافة الأحادية (monoculture) في الزراعة والتي عملت بها السلطات الاستعمارية في افريقيا افقرت تلك البلدان والغت التعددية في منتجاتها، واضرت كذلك بخصوبة التربة، فالقارة الافريقية معروفة بانها بلد التعددية الإنتاجية، ولكن سلطات الاستعمار عبر البنك الدولي نزعت الأراضي من ملاكها وقامت بتوزيعها لنخبة حسب مصلحها واجبرتهم لإنتاج محاصيل محددة تغطي حاجة السوق الخارجية.
ولتأكيد حديثنا فنجد أن اطماع النخبة الوطنية في السودان للتهجم على الموارد لم تحدها أي حدود ولم يردعها وازع، فقد بينت الاحصائيات ان مشاريع منطقة الدالي والمزموم المطرية كانت مساحتها تقدر ب (2.250,000) اثنين مليون ومئتان وخمسون الف فدان، وكذلك مساحة مشاريع منطقة أبو حجار المطرية والمروية كانت (2) مليون فدان، تم توزيع ونهب هذه المشاريع بنسبة 98% الي النخبة (الجلابة) من خارج المنطقة، بينما حصل سكان المنطقة وأصحاب الأرض من قبائل رفاعة وكنانة العربيات وغيرهما من ملاك الأرض على 2% فقط من تلك المساحة، وقد بينت الاحصائيات ان احد التجار يدعي كمال جار النبي حصل لوحده على (300.000) الف فدان مما يبين عدم العدالة في التوزيع وحجم التعدي على أصحاب الارض.
تحول ملاك الأرض في منطقة الدالي والمزموم الي عمال للزراعة والحصاد لصالح المجموعات التي امتلكت الأراضي عنوة (تفاصل اوفي لاحقا عن التعدي أراضي جبال النوبة)، وما نستخلصه هنا ان الانتماء العروبي لسكان المنطقة لم يحميهم من جشع الرسمالية وتعديات النخبة الوطنية على مواردهم وارضهم.

الاعلام والعملية التعليمية أدوات لدعم مصالح النخبة:

كما اشارت نظرية التبعية بأن النخبة السياسية والاقتصادية العالمية توجه الالة الإعلامية والدعاية لخدمة مصالحها وكذلك النظام التعليمي، فالأجندة الإعلامية والتغطية الخبرية والتركيز الإعلامي ومنح الأولوية الدعائية ووضع السياسات التحريرية للبيوتات الإعلام

تعليق واحد

  1. مبحث جيد بدون ما أقرأه يا فردة
    بس يا كافى البلا فى زمن لقراية الكام دا كلو ؟؟؟
    إنتو تلقو زمن كيف لكتابة الكلام الكتييييييير دا ؟؟؟؟

  2. ربما قليلا قليلا نستطيع ان نفهم بعض الخلافات ” الايديولجية” والفكرية بين جناحي الحركة الشعبية . عرمان وعقار واردول من جانب والحلو وابكر آدم اسماعيل من جانب آخر .

    فرع يعتبر ان “الإثنية” هي اس المشكل السوداني وبدون حلها لا توجد حلول للمشكل السوداني . الحل في الديمقراطية لا يعني لهم شيئا . حل الإشكال الإثني هو المهم بأي شكل من الأشكال.

    الفرع التاني لا ينكر وجود المشكلة الإثنية ولكنه يعتبرها إفرازا لصراع طبقي في المجتمع السوداني . ويعتبر ان حل المشكلة الإثنية لا يمنع ابدا من إفرازات طبقية حتى وسط الطبقات المهمشة التي ربما تتطلع القيادات فيها لملئ فراغ سياسي واجتماعي كبير وسط المهمشين ولكن لصالح ترتيب طبقي جديد . لذلك لا بد ان يكون الحل شاملا لكل قطاعات الشعب السوداني مهمشين رافعي سلاح او مهمشين بدون سلاح .

    اتذكر تماما الخلاف الذي نشب بين جون قرنق والحلو وبعدها ذهب الحلو مغاضبا الى امريكا . والغريب في الأمر ان عرمان صحب الحلو في هذه الرحلة وكان يحاول جاهدا رأب الصدع بين الإثنين . عندما ارجع وافكر في هذا الخلاف بين الحلو وقرنق لا اتخيل بأنه كان خلافا على المناصب ( بعد نيفاشا) ولكنه كان خلافا عقائديا واضحا بين رجل كان يقول في كل مداخلاته بوجوب وحدة السودان القائمة على المساواة والفرص المتبادلة والحل يأتي لجميع السودانيين ( حيث كان قرنق مبهورا بالتجمع الضخم الذي اتي لتحيته بعد رجوعه للخرطوم ) . وبين رجل آخر ينظر امام تجمع من قيادات الحركة وهو يشيد ب”السوق المفتوح” ويشيد بالقبيلة والقبلية ويعتبرها من الارث الذي يجب المحافظة عليه ويعتبر ان الديمقراطية لا تقدم حلولا بل يجب اتباع طرق اخرى ( ربما كان ذلك نتيجة وجوده على رئاسة الإقليم لمدة 6 سنين لم ينجح في دفعه في اتجاهات تنموية واضحة ولخسارته في الانتخابات المشكوك في نزاهتها ) ….

    مع مقال اردول تتكشف الخلافات العقائدية الحقيقية بين الطرفين …

    من هنا يمكن ان نفهم لماذا خوض الانتخابات هي خيار لطرف ما وفي نفس هي خيار مرفوض تماما للطرف الآخر …

  3. مبحث جيد بدون ما أقرأه يا فردة
    بس يا كافى البلا فى زمن لقراية الكام دا كلو ؟؟؟
    إنتو تلقو زمن كيف لكتابة الكلام الكتييييييير دا ؟؟؟؟

  4. ربما قليلا قليلا نستطيع ان نفهم بعض الخلافات ” الايديولجية” والفكرية بين جناحي الحركة الشعبية . عرمان وعقار واردول من جانب والحلو وابكر آدم اسماعيل من جانب آخر .

    فرع يعتبر ان “الإثنية” هي اس المشكل السوداني وبدون حلها لا توجد حلول للمشكل السوداني . الحل في الديمقراطية لا يعني لهم شيئا . حل الإشكال الإثني هو المهم بأي شكل من الأشكال.

    الفرع التاني لا ينكر وجود المشكلة الإثنية ولكنه يعتبرها إفرازا لصراع طبقي في المجتمع السوداني . ويعتبر ان حل المشكلة الإثنية لا يمنع ابدا من إفرازات طبقية حتى وسط الطبقات المهمشة التي ربما تتطلع القيادات فيها لملئ فراغ سياسي واجتماعي كبير وسط المهمشين ولكن لصالح ترتيب طبقي جديد . لذلك لا بد ان يكون الحل شاملا لكل قطاعات الشعب السوداني مهمشين رافعي سلاح او مهمشين بدون سلاح .

    اتذكر تماما الخلاف الذي نشب بين جون قرنق والحلو وبعدها ذهب الحلو مغاضبا الى امريكا . والغريب في الأمر ان عرمان صحب الحلو في هذه الرحلة وكان يحاول جاهدا رأب الصدع بين الإثنين . عندما ارجع وافكر في هذا الخلاف بين الحلو وقرنق لا اتخيل بأنه كان خلافا على المناصب ( بعد نيفاشا) ولكنه كان خلافا عقائديا واضحا بين رجل كان يقول في كل مداخلاته بوجوب وحدة السودان القائمة على المساواة والفرص المتبادلة والحل يأتي لجميع السودانيين ( حيث كان قرنق مبهورا بالتجمع الضخم الذي اتي لتحيته بعد رجوعه للخرطوم ) . وبين رجل آخر ينظر امام تجمع من قيادات الحركة وهو يشيد ب”السوق المفتوح” ويشيد بالقبيلة والقبلية ويعتبرها من الارث الذي يجب المحافظة عليه ويعتبر ان الديمقراطية لا تقدم حلولا بل يجب اتباع طرق اخرى ( ربما كان ذلك نتيجة وجوده على رئاسة الإقليم لمدة 6 سنين لم ينجح في دفعه في اتجاهات تنموية واضحة ولخسارته في الانتخابات المشكوك في نزاهتها ) ….

    مع مقال اردول تتكشف الخلافات العقائدية الحقيقية بين الطرفين …

    من هنا يمكن ان نفهم لماذا خوض الانتخابات هي خيار لطرف ما وفي نفس هي خيار مرفوض تماما للطرف الآخر …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..