(لا حاجة للإختراع!!)

دخلتُ الى أرشيفِ هاتفى الجوال الذى أحتفظ ُ فيه برسائلى القديمة بحثاُ عن حروفٍ منقوشة بألوانِ المحبة بعد مُدة من الجفاءِ المُتعمد لتلك المساحة التى تفوح منها رائحةُ الإلفةُ العطِرة.
جميلةْ هى حروفهم حين تقترنُ بالمشاعر الحقيقة وحين تنبع منهم بحقٍ وصدقٍ وشفافية وهى أروع وأجمل عندما تكوّنُ كلماتٍ وذكرياتٍ مُسْتحِثًّة يعبروا من خلاها عما تنوءُ به دواخلهم.
أثناء تجوالى ساقنى الحنينُ الى أيامِ العيد واللمة الجميلة الى تقليب المساحة الخاصة التى تحوى رسائل العيد بحثاً عن رائحةِ الكعك التى تنبعث من ذلك الصندوق الإفتراضى،فطفتُ بتلك الرسائل المكتظة التى بُعثت إلىَّ من مصادر مختلفة خارج وداخل السودان، من أشخاص تربطنى بهم إما صداقة أو زمالة او قرابة أو معرفه لأُعيد قراءة حروفِهم التى دوّنوها على كُراسةِ جوالى بِمدادِ العفويةِ وعبأوا بِها صفحةً حياتى بهجةً وسعادةً، كُنت أخرجُ من صفحةِ رسالة لأدخُل في صفحةٍ أًخرى فى إحباطٍ ممزوجِ بالدهشة لأجد نفسُ العبارة مُرسلة من أشخاص مُختلفين لا تربطهم علاقة مباشرة ببعضهم فى إحتشاد غريب للتكرار المُمل لهذه الرسائل، ليس مضموناً فقط بل حتى فى اسلوب مد الحروفِ بنفس الشكل و إستخدام الأيقونات والمسافات بين الكلمات وكأنها ( منقولة بى ضبانتها!) مما أفقد تلك الرسائل قيمتها المعنوية وأضفى عليها لمسةً باهته وهزيلة.
أدركتُ حينها أننا توقفنا عن الإبداعٍ منذ دهور من الزمان وأن كسلنا وقفَ سداً في وجه خيالاتنا الخِصبة فأصبح أقصى إبداعِنا الضغطَ على زٍر إعادة الإرسال! وهذا ينطبق على كثير من النواحى فى حياتنا فالمُستخدم لمُحركات البحث الالكترونى يلحظ الكثير من التكرار المُمل لنفس المضامين على نفس القوالب حتى أصبحت خاصية القص واللصق (كوبى بيست) هى أقصى مجهود نبذله فى سبيل نقل المعارف والمعلومات فبتُ أخشى أن يأتي يوم لا نجدٌ فيه الهٍمةٌ حتى لإعادة الإرسال إو عمل (الكوبى بيست!).
قديماُ قالوا أن الحاجةً أُمُ الإختراع فهل لم يعد بنا حاجة للابداع والأبتكار لأننا وبضغطة زر تٌلبى كل إحتياجاتنا؟ أكادُ أجزمُ أن مُعظمنا لا يستخدم جزء كبير من مقدراته العقلية للتفكير او حتى للتغير بل إن عقولنا تغطً فى سٌبات عميق منذ أن ضعفت همتنا ورغبتنا الجادة فى الانجازات، فى الوقت الذى نعيش فيه سِباق ماراثوني مع عصر السٌرعة وكل شئ يركض مُسرعاً الا عقولنا المُصابة بالتُخمة تُصر أن تستعير سٌرعة السلاحف، فمتى توقف عقل الأنسان عن العمل؟ وبأى مجهود سيواصل عِمارة الأرض التى ما أن يبتنى فيها لبٍنة حتى يُدمر مئات اللبٍنات بإختراعه لفنون التدمير من أسلحةٍ وقنابل وأدوات للحروب!
مخرج:
لما تكتب لى رسالة .. ما ضرورى تكون مقالة
كلمة واحدة تجينى منك .. عندى بالدنيا وجمالها
قول لى اهلا نحنا طيبين .. بإختصار وبدون اطالة
ما الدقايق دون رسايلك .. صعب فى الدنيا احتمالها
بس عزاى منك رسايل .. ابقى ارتاح فى ظلالها
همسات – عبير زين
[email][email protected][/email]
((((((((((((همساتٌ من ضمير الغيبِ تشجي مسمعي ……. ))))))))))), الله مايحرم القاريء من همساتك أ.عبير
اليوم عمودك ملئ بكل ما لذ وطاب مطبوخ بعناية وبانتقاء وبنفس وروح هادئة وبطريقة مبتكرة يحمل بعض من انواع الابتكار وشحذ الهمم اضافت اليه بعض التوابل طعم آخر مما جعله يزيح شوربة ناس منى وزباديهاالى اقرب تلاجة او ربما الى سلة الارشيف !!والاجمل من ذلك التحلية والاشعار الحلوة التي جاءت في آخر العمود ..قليل من ابداعاتك الكتابية تساعدنا في ابتكار حلول لبعض مشاكلنا
رايع . لقد انتابنى نفس الاحساس تجاه تلك الرسايل “المعلبة”
ليك التحية أستاذة عبير …
صحتي فينا زكريات العيد مع الأهل .
بس عزاي منك رسايل&&& ابقي ارتاح في ظلالة
تعبير في قمة الرومانسية.
آه لو بهمسه
آه لو ببسمه
قول احبك
لو بنظره
نظره حتى عابره
قول احبك
لو بتحلم في منامك
قول احبك
لو ترسل لي سلامك
قول احبك
يا حبيبي
كل كلمه من شفايفك
أحلى غنوه
كل نظره من عيونك
فيه سلوى
كل نسمه من ديارك
فيه نجوى
وكل همسه ياحبيبى
عندى حلوه
مشكورة على المقال الجميل و الموضوع الهادف.
( تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة )
لا أدري ان كانت العبارة بين القوسين حديث شريف أو مقولة عامة و لكن من حيث التطبيق هي صحيحة و لا تعارض القرآن الكريم الذي دعى صراحة إلى التفكر في العديد من آياته.
شكراً عبير.. واسمحي لي أن أشارك معك بموضوع كتبته في أحد المنتديات على فترات..
رغم أن التحديث التكنولوجي مستمر في حياتنا ولن يتوقف.. ولا نستطيع أن نتوقع ما يكون عليه الحال بعد ثلاثين عاماً.. إلا أنّ المؤكد أن هناك أشياء جميلة غابت عنا وانحسر تأثيرها بسبب هجوم التكنولوجيا المحموم على تفاصيل حياتنا وفي بالي عدة أمثلة وأشياء:
أولاً: كنت أذكر في بداية التسعينات الميلادية، والوالد يعمل معلماً في اليمن، كنا ننتظر خطاباته في مكتب البريد بصبر شديد لنعانق حروفه ونطمئن عليه.. كنا نفرح بشدة عندنا يصلنا إخطار من مكتب البريد بوصول رسالة من الوالد.. نسارع الخطى وكلنا لهفة لاستلام الرسالة.. والفرحة الكبرى كانت عندما تصلنا رسالة (تلغراف) وهي البرقية العاجلة.. في الأعياد والمناسبات.. أين نحن الآن من لهفة كتابات الخطابات باليد.. والعبارات المألوفة من شاكلة (نحن في أشد الشوق إليك.. لا ينقصنا سوى رؤياك الغالية.. أتمنى أن تصلك رسالتي وتجدك موفور الصحة والعافية.. أرجو الرد في أقرب فرصة..)..تغوّل البريد الالكتروني على مشاعر اللهفة التي كانت تسبقنا لاستلام رسائلنا البريد العادي والمسجل والعاجل.. أصبحنا لا نحفل برؤية رسالة من والد أو شقيق ولا نحتفل برسالة من عم أو صديق.. نمرّ عليها سريعاً ونحاول أن نقرأها من الأسفل للأعلى لنعرف سريعاً الغرض من الرسالة.. ولا نعيد قراءتها لأنّ الزمن المتاح للقراءة لا يكفي للتمعن في تفاصيلها..
ثانياً: مسألة الاتصالات الهاتفية ورسائل الجوال.. ساهمت في وأد أشواقنا لأحبابنا وأصدقائنا وأهلنا المقرّبين.. بعد أن كان العناق الحار في الوداع واللقاء هو الميزة الأساسية في علاقتنا بالأصدقاء والأهل.. ساهم الجوال بصورة سالبة في تقليل حرارة الأشواق والاكتفاء بسماع الصوت مهما طالت مدة الفراق..
ثالثاً: غابت أشياء جميلة كنا دائماً نحملها معنا.. مثل مذكرة الهاتف التي كانت لا تفارق الجيب.. وساعة اليد التي أستعيض عنها بساعة الجوال والسيارة وجهاز الكمبيوتر..
كانت خطابات الوالد لي في الغربة.. قبل عشر سنوات من الآن.. عبارة من لوحات بديعة من سحر البيان.. فعلاوة على جمال خطه ووضوحه.. فكنت أحس بأنفاسه وعطره في ثنايا الخطاب.. كان يجمّل الخطابات بأبيات الشعر وأذكر الخطاب الذي قرأته على الأخ وضاح ـ حينما كان يشاركني السكن ـ وكان فيه:
إذا هبّت رياحك فاغتنمها…. فلكل خافقة سكون..
هذا غير الدعوات المكتوبة في الخطاب.. التي تسأل الله لي الستر في الغربة والتوفيق والنجاح والعودة بالسلامة.. الخطاب المكتوب باليد كان يحمل نكهة خاصة.. نترقب وصوله ونعيد قراءته مرات ومرات.. حتى بعد مرور عدة أشهر على وصوله..
رغم مظاهر البساطة التي كانت طابعاً لحياة الناس في السابق.. إلا أن طعم الحياة كان حلواً..
نحن عاطفيون جداً في طبعنا.. حديثنا عن الماضي دائماً يكون أكثر.. وحنيننا إلى الذكريات دوماً يكون سيّد الموقف في كل اجتماع ومجلس.. نلوذ بحكايات زمان وأوضاعنا السابقة.. ومقارنتها بما نعيش الآن.. لا نتطلع إلى المستقبل تخوفاً من المجهول.. ولا نخطط لما سنكون عليه بعد سنوات ـ رغم أن حياتنا الآن أسهل وأسرع وأفضل.. لكننا فقدنا بعض القيم التي جمّلت حياتنا في السابق..
عجبت للغاية عندما عرفت أن العجلات ما زالت هي وسيلة التنقل الأولى في هولندا والسويد وألمانيا.. ويستخدمها كبار المسؤولين في الدولة للوصول إلى أماكن عملهم.. وتستخدمها النساء في التسوق وشراء الخضار والأغراض من السوبرماركت.. فهي وسيلة غير مكلفة على الإطلاق، ورياضية في المقام الأول، وفوق ذلك صديقة للبيئة، ولا تلوث الأجواء بغازات الكربون ومخلفات الوقود.. فهل نحتاج فعلاً إلى مراجعة عاداتنا.. هل سنقاطع الركشات وينتعش سوق العجلات من جديد..؟؟
الستينات الروعة كما حكوا لنا عنها.. يوم كانت الخرطوم تتزين كل مساء وتغتسل من أوساخ النهار.. ويعكف عليها عمال النظافة يغسلونها (بالصابون والمعطر.. ملابس الأفندية قديماً كانت في قمة الأناقة وكانت (البدل) الإيطالية مجالاً للتنافس بين المدرسين وموظفي البريد والسكة حديد والوزارات المحدودة العدد.. رغم أننا اليوم نملك (77) وزيراً.. إلا أنهم يلبسون البنطلون والقميص (بدون ربطة العنق).. ونشاهدهم في التلفزيون بدون اهتمام حتى بتمشيط الشعر..!! ليتني عشت ولو يوماً واحداً في الستينات التي قالوا لنا عنها..
تغيَّر طعم الفرح في دواخلنا.. في السابق كانت المناسبات السعيدة كالزواج تحظى بالحفلات المستمرة والفرح الحقيقي الصادق النابع من الأعماق.. اختفت في زمننا الحالي (الزغاريد) في الأعراس التي كانت عنواناً مميزاً لسعادة الأمهات والخالات بتأهيل الأبناء ووصولهم إلى عش الزوجية.. دخلنا علينا موضة (عزومة الفطور) في أعراسنا.. التي جاءت مواكبة لايقاع التسارع المحموم، ومحاولة تخطي يوم المناسبة بأسرع وقت ودون خسائر كبيرة.. وهناك ملاحظة جديرة بالانتباه في المناسبات في وقتنا الحالي.. وهي أن الخالات والأمهات والجارات والأخوات أصبحن لا يؤدين أي أعمال في تجهيز الوليمة.. وتتم الاستعانة (بالطباخين) في كل تفاصيل المناسبة.. حتى لو كانت عشاء خفيف يسبق يوم الزواج.. من المشاهد التي لا تغيب عن بالي، رؤية كبيرات السن من الحبوبات وهي يجهزن في البصل.. وأخريات يعملن على تقطيع الخضار.. و(رمي اللقيمات بالحلة الكبيرة لشاي الصباح).. لا تطيق إحداهن الجلوس بدون مهمة أو تكليف.. ويبادرن من تلقاء أنفسهن بالعمل بهمة ونشاط.. للأسف أصبح الحضور لمناسباتنا الآن (للأكل والونسة).. بعد أن كانت مجالاً للتنافس في جودة الطبخ بين خالاتنا وأمهاتنا..
خفّت موجات الحزن العميق عند فقدنا أحد الأعزاء والأقرباء.. أصبحت تلقي خبر وفاة أحد الجيران أو الأهل والأصدقاء لا يستغرق حزناً يدوم.. ولا يتطلب ألماً يضغط على القلب بعنف..
اختفت نوبات التشنج والإغماء عند فقد أحد الأعزاء.. لأن مساحة الحزن في الدواخل أصبح صغيرة.. وحتى أصحاب العزاء يكونوا بعد يوم واحد عاديين جداً ويأكلون ويشربون مع المعزين.. مجالس التعزية كانت تظللها الرهبة والوجوم والصدمة من مرارة الفقد والحزن العميق الذي يزلزل الدواخل ويهزها.. أصبحت مكاناً للنقاش في الكورة.. والسياسة.. والشؤون الحياتية التي لا تتناسب ومقام المناسبة..
التحوّل العنيف والمؤثر والظاهر كان في جهة تربية الأبناء.. فقديماً كان قواعد التربية المحفوظة لكل طفل وشاب.. هي احترام الشارع وتوقير الكبير واحترام الصغير والالتزام بالصلاة والطاعمة العمياء وخفض الصوت عند مخاطبة الخال والعم والأخ الأكبر.. كان الكل يربي.. والجميع يوجه.. ويقوِّم.. ويصحح.. المعلم في المدرسة وصاحب الدكان في الحي والشباب الأكبر سناً في الحي.. كان الخوف من العقاب يمثل رادعاً وحاجزاً من الوقوع في الخطأ.. فمجرد التأخير إلى ما بعد غروب الشمس بقليل كان يعني الوقوع تحت طائلة العقاب وإن لم يكن، فالتقريع والتهديد والتحذير من تكرار هذا الفعل..
تقلصت مساحة المسؤولية حالياً.. وانحصر موضوع التوجيه في نطاق ضيق.. وأصبحت الندية ظاهرة بين الكبار والصغار .. وصعبت السيطرة على الشاب في البيت.. وتصاعد مفهوم (الحرية) عند الكل بصورة غريبة.. ومغلوطة..
فقدنا بصمة الابداع في أعمالنا وحياتنا.. تلك السمة التي كانت علامة لكل ما نقوم به.. غابت الموهبة وانحسر مد الفعل المميز..
هناك حديث لمسؤول رياضي كبير في ودمدني.. قال فيه إنّ السبب في تدهور الكورة في المدينة العريقة، إن كل الشباب (سواقين ركشات).. اهتمامهم (بالتوريدة) و(صيانة الركشة) و(المشاوير) أصبح هو الشغل الشاغل لهم.. لا يوجد أي وقت زائد لممارسة أي نشاط رياضي.. فمدني التي منبع النجوم واللاعبين الأفذاذ.. والتي قدّمت للكرة السودانية الفاضل سانتو وبابكر سانتو وحموري وسامي عز الدين وعصام غانا والديبة وووالي الدين.. أصبح حال الشباب فيها مخجلاً.. تضاءلت فرص سطوع النجوم.. وهجر الجميع الرياضة المحببة..
إنّ تقدم الزمن وتطوره يعني ـ ضمنياً ـ المزيد من التميز والاستفادة من الفرص المتاحة.. ولكن انعكست الآية وانقلب الحال واختفت الآمال وراء أكوام من الخيبة والتراجع في كل المستويات
كانت الساعات تزين معاصمنا وتستهوينا لدرجة متابعة موديلاتها الجديدة والقديمة.. كنت مغرماً بساعة (كاسيو) الرقمية.. وأطلب إرسالها من السعودية (حيث أنا الآن ـ سبحان الله).. كانت هدايا النجاح لا تتجاوز ساعة كاسيو أو سيكو.. عرفنا كل أنواع الساعات.. السويسرية منها واليابانية.. السيتيزن والأوميغا والأورينت والجوفيال والكاسيو والسيكو والرولكس.. كانت الساعة ونوعها مقياساً لرقي الشخص وتحضره.. كانت ساعات الحديد للكبار، وساعات البلاستيك للصغار.. والساعات الملونة للأطفال.. غير هذا ساعات النساء الرقيقة جداً كما الأساور..
ربما نضيق في زمننا الحالي إذا دعتنا الظروف للبس الساعة.. وقد نستغرب جداً إذا نظرنا لمن يلبس الساعة في هذا الزمن العجيب الذي اختصر كل احتياجاتنا في جهاز صغير يسمى الجوال.. لو ظهر هذا الجهاز في ثمانينات القرن الماضي لحسبناه من علامات الساعة.. فسبحان الذي يعلم الغيب ولا نعلم.. ولا ندري كيف سيكون وضع البشر والبشرية بنهاية هذه الألفية.. فالعقل لن يستطيع ـ بالتاكيد ـ تصوّر أو تخيل ما يكون عليه حال التكنولوجيا بعد تسعين عاماً من الآن..
مرحباً بالتطور الذي يسهل من حياتنا.. ويساعدنا في حل مشاكلنا.. ولا وألف لا لإلغاء مشاعرنا والتكنولوجيا التي تتدخل في مقادير حياتنا ومشيئة الخالق..
تجاوزت التكنولوجيا قبل سنوات، حواجز المنطق والمقبول، حينما تمّ استنساخ النعجة دوولي.. هذا الأمر الذي أثار الدنيا وقلب نظريات الممكن والمستحيل.. في مسعى غير حميد للتدخل في مشيئة الله في الخلق والتكوين .. ثارت الأوساط الدينية والدول الإسلامية محتجة على هذه الخطوة التي من شأنها أن تشكل انقلاباً في مجال علوم الأجنة والتحكم في إنشاء الخلق، الذي يتفرد به الخالق سبحانه وتعالى..
وتطورت الأمور للدرجة التي سيصبح فيها من الممكن تحديد نوع الجنين مسبقاً للنساء الحوامل.. ورغم إيماننا باستحالة ذلك، لأن الله سبحانه وتعالى يسير هذا الكون ومقاديره ويتفرد بذلك وحده ـ سبحانه وتعالى ـ إلا أن المخاوف تبدو كبيرة في سطوة العلم وتقدم التكنولوجيا على ولوج مجالات متقدمة في التحكم في كثير من الأشياء التي تبدو غير منطقية إذا قسناها بتعاليم الإسلام والإيمان..
بعد تجربة الاستنساخ، ومحاولات التكنولوجيا للتدخل وتغيير المفاهيم الكونية الثابتة.. التي يتفرّد بها الله جلّ وعلا وتعالى.. أدهشتني للغاية وأخافتني محاولات بعض الدول (لاستمطار) السماء واستدرار الماء عن طريق تجميع السحب بواسطة بعض التدخلات التكنولوجية التي تؤدي إلى تجميع وتكاثف البخار.. الذي يؤدي بدوره إلى نزول المطر..
يا عقلاء العالم.. أوقفوا هذه الثورة التكنولوجية في حدها.. حتى لا تلوّث علينا حياتنا.. وتفسد علينا متعة الاستمتاع بحياتنا البسيطة.. كل ما أخشاه أن نضطر يوماً ما، لشراء المشاعر الإنسانية من البقالات وصالات العرض..
ياعادل عباس: خايفين يجينا يوم نمشي البقالة، نقول لبتاع المحل: أديني ربع كيلو حنيَّة، ودستة ابتسامة، وكيلو إلا ربع ضحكات متوسطة الصوت والصدى.. فقد طغت المادية على أمور حياتنا، وسيطرت النظرة التجارية على طريقة معاشنا.. نسترخص أن نبذل لنفوسنا ما يجعلها سعيدة.. فما عادت الحياة هي الحياة.. نسأل الله أن يرزقنا العافية ويجنبنا مداخل الشيطان..
بجيكم زمن.. الكلام بالخيوت والسفر بالبيوت
هذه المقولة التي تنسب للشيخ فرح ودتكتوك.. وكان يقصد بالخيوت التلفونات الثابتة، والبيوت يعني بيها السفر بالقطارات.. تراه لو حضر زماننا هذا، هل كان يستوعب أن يخرج الإنسان من محيط الكرة الأرضية، ويرتاد الفضاء والكواكب، من زحل حتى المريخ، ومن عطارد حتى المشترى.. أعتقد أنه ـ وبلا شك ـ سيعتزل الحياة ويرفض التعايش مع هذا الوضع الذي سيبدو غريباً على شخص عاش بالحكمة والحياة البسيطة والأمل المحدود والحلم بالستر والعافية.. دون التطلع إلى وضع يغيّر من نفسيته ويؤثر على مزاجه..
أثرى شعراء الحقيبة في الستينات وجدان الناس بالكلمة الصادقة والتعبير البديع والوصف البليغ، في شعرهم الذي كان يدور حول الحب الصافي والحنين إلى الديار والأهل.. وتوصيف مكارم الأخلاق وتعظيم حب الوطن.. كان الحرمان من رؤية النساء يشكل دافعاً للتنافس في الأشعار، والتباري في استحضار الكلمات التي توضح مدى الشوق واللهفة:
نظرة يا السمحة أم عجن.. لو كان قليل تبرى الشجن..
أعرف صفا الأيام أفيق.. أنظر جمال تلك الوجن..
فهنا يستجدي الشاعر (مجرّد نظرة) لا أكثر.. من المحبوبة الجميلة التي تدثرت بالعفاف والاحتجاب عن العيون.. فخرجت كلماته صادقة ومعبرة عن حالة الوجد والشوق والشجن..