في مهب النسيان!

جال بخاطري كثيراً أن أُمعنَ التفكيرَ في ذاك المدعو النسيان الذي يعرفه الجميع ويتذوقون طعمهُ الشهى أوالمُرِ أحياناً ويكاد يكون بلا إستثناء بطلاً لكثيرٍ من مواقفنا الطريفه التى نجده متورطاً بحياكتها من أيسر الخيوط، إنه ذلك الزائر الذى يؤز ترتيب حياتنا أزاً حين يداهمنا عُسر التذكر وموسم جفاف إنقطاعه فيهزم عقولنا شرَّ هزيمة، ففى لحظة ما نج…د أننا نفقد القُدرة على تذكر المعلومات المُخزنةِ بالذاكرة، وهو لا شك نعمة فى كثير من الأحيان حيث يعمل كالعِقار المُخدر الذى يسرى فى أرواحنا ليُخفف ألماً أو حُزناً أو ننفك به من ذكرى فجيعة فلا يبقى ولا يذر من شهقات الحُزنِ شيئاً إلا وخبأه فى بقعة غير محسوسة بين أنقاض الذاكرة، وسُمي الإنسان إنساناً لأنه كثيراً ما يُخيط من النسيان رداءً يقيه من إزدحام الأحداث عليه حتى لا تأتيه كضربة رجل واحد وإنما تتسرب من بين رُدهات ذاكرته قطرة قطرة.
ليس سهلاً أن نجعل من ذاكرتنا موطناً دائماً لكل الزخم الذى يمرُ بنا من أحداث ومواقف، فنحنُ فى عصر يكثر فيه تكدُس المُتطلبات الحياتية المُعقدة، وتكادُ خُطانا أن تهلك لاهثةً من ركضها الوئيد خلف ايقاع الحياة المُتسارع، فنحن منوطين بتذكر كل الأماكن التى نزورها وكل ارقام الهواتف وكلمة المرور للإيميل وكلمة السر فى بطاقة الصراف الآلى وترددات بث القنوات الفضائية ومواضع اشيائنا الخاصة ووجوه البشر الذين نعتاد التعامل معهم بل ومضطرين لتذكُر طعم الفرحة والألم التى مرت بنا يوماً، فمع كل المُستحدثات التى أوجبت تغييراً فى حياة الإنسان وجدنا أنفُسنا مُحاطين بهالة من النسيان تتبعنا كظلنا وأحيانا تكون ثقيلةً على النفس فتأخذنا الى عالم الأموات ونحن لا زلنا بين الأحياء حين تفصلنا بجدار عازل وتحبسنا عن اللحاق بالأحداث من حولنا، وأحياناً تمنحنا سانحةً نخُلدُ فيها للراحةِ التى تأخذنا بعيدا عن قسوة الواقع.
نجترُ الكثير من القصص والمواقف الطريفه التى كان بطلها النسيان مُثبتاً جذوره فى ثنايا تفاصيلها المُضحة المؤلمة، كذلك الذى نسي هاتفه فى الثلاجة يرتعدُ برداً فى شتائها وزمهريرها وهو يقتلُ الأرضَ بحثاً عنه! أو ذلك الزوج الملخوم الذى إصطحب عائلته للترفيه بإحدي الحدائق العامة وما أن أوصلهم حتى داهمه نعيق هاتفه الجوال فأخذه واتجه الى سيارته و أثناء حديثه واصل طريقه الى المنزليتهادى فى موكب برئناسياً عائلته!! و لم يقف به النسيان عند ذلك الحد فعندما أعيته ساعات الإنتظار الطوال اتصل بزوجته مُزمجراً كالنهر الهادر مُوبخاً ظاناً (وبعضُ الظن إثم) أنها خرجت بالأبناء دون إذنه، فكانت نهايته أن قالت زوجته: بيت ابوى طوالى!!
النسيان ليس سيّان و أتمنى أن ينزل علينا غيثاً يغسل عنا رُكامات الأمس المُتسخة، ويُذيب كُل همِ وغم ويلبِسنا اثواباً من فرح، ولا يأتي على إخضِرار ذاكرتنا أو يُبعثر ترتيبهابنسائمه فيُخبئها كطيف آفل.

همسات – عبير زين
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أنت ِفي برج عاجي. مثل وزير ماليتنا.

    شوفي لينا الكتاحة دي يا زرقاء.

    أكان عجاج ساسي أدينا خبر.

    هدومنا في المشر.

  2. نسيان دوت كوم وعادي جدا انت تقسى وعادي جدا نحن ننسى

    اعترف انو في حاجات ما بتتنسى حتى لو حاولنا ننسى ما ان يتكرر موقف حتى ولو قريب منها تقفز للذاكرة ..

    كل ما يلفت النظر ويشد الانتباهـ ويزداد له نبض القلب صعب نسيانه

    كل ما اخذ اكبر حيز من الذاكرة والتركيز يصعب جدا نسيانه

    بعض الهمسات والكلمات تنحت نفسها على جدار القلب والذاكرة ويبقى عبقها وعبيرها يا عبير لذا يصعب نسيانها

    ننسى ونتناسى كل من ترك انطباع سئ في حياتنا ويستحيل ان ننسى من تركوا بصمات وانطباع جميل وحسن ومن اول لقاء او اول كلمة او اول حرف حتى !

    نسأل الله ان يلهمنا الشهادة عند الموت

    همسه : طبيعي ان ننسى موبايل او شاحن موبايل ولكن اطرف ما مر عليّ من نسيان وما لا يصدقه العقل هو نسيان اسرة كاملة لطفلهم الصغير عندما نزلوا باحد الفنادق في رحلة صيفية ! عادوا وتملأ عيونهم الدهشة والجنون ليصيحوا جميعهم باسمه ! ليبرروا موقفهمبعد العثور عليه قابع في الشقة بالاتكالية وكل منهم يظن انه مع فلان او فلانه .

  3. تحية طيبة أستاذة عبير.
    جميلة هي نعمة النسيان فهي تعطي الانسان
    القدره على العيش دون الرجوع الى أمور قد تؤلمه
    لفترات بسيطة ولكنها مهمة لكي يستطيع
    ان يتعايش مع ظروف حياته ..
    ولكن من منا يستطيع ان ينسى بسهولة من سكنو في قلوبنا .

  4. .
    لك التحية والف تحية يا زين الحرف الندي وعبير الزمن الآتي ……

    ليتنا وليت الزمان يجود علينا بلحظات تجلي حتى نتذكر اننا لم نزل في هذا الوجود نمارس حياتنا بصفة انسان اذا تذكر أنِسَ واذا نسى أِنِسَ وشتان ما بين نسيانٍ ونسيان يتجاهل ذاكرة الوجدان وذكرى وذكرى تدق في عالم النسيان .

  5. كلمة قالوها زمان يا هل ترى الانسان اسمه من الانسانية ولا من النسيان.
    وتسلمي يادرة زمانك ، حقيقة الواحد لسه بيفتخر بحواء السودانية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..