د. عادل عبد الغني: عند التحري ضغطت إحدى البنات فاعترفت بوجود جنين في الدولاب وُلد حيَّاً.. ودكتور عبد الهادي لا يقتل

(الأفوكاتو) د. عادل عبدالغني أحمد، أحد أبرز رجال القضاء الواقف في السودان حالياً، وكان القاسم المشترك الأعظم في أشهر وأصعب القضايا التي وقعت في السنوات الأخيرة، وحاز شهرة واسعة بتوالي الظهور في قضايا القتل العمد حتى قيل عنه “عادل البيحل كاتل الذمة” وعلى رأسها “مقتل الصحفي محمد طه محمد أحمد” و”مقتل الدبلوماسي الأمريكي ” و”مقتل عوضية عجبنا” وغيرها من القضايا التي لا تعد ولا تحصى. (التيار) جلست إليه في “ونسة عصرية” في منتدى “كباية شاي” نهار الخميس الماضي، في مؤانسة امتدت لساعات حول القانون والحياة، وأزاح عادل عبد الغني الستار عن تفاصيل حياته الشخصية والمهنية وانهمرت دموعه وخنقته العبرة أثناء استعادته لمسيرة كفاح والده الذي أظهر حرصاً شديداً على أن يمضوا قدماً في التعليم رغم قسوة الظروف وشظف العيش وضيق الحال. وإلى التفاصيل:
الخرطوم: عمار حسن
الحلقة الثالثة
قضية عبد الهادي وعملية التشريح
أروع مافي المحاماة الانتقال من علم إلى علم ومن معرفة إلى معرفة، أنت قد تكون محامياً الصباح تشتغل قضية عن مبنى أو جسر انهار ويكون السؤال هل التسليح للمبنى أو الجسر كان وفقاً للمواصفات والقواعد العلمية؟ لكي تصل إلى هذا الكلام وتقنع به المحكمة لابد أن تقرأه وتفهمه، وإذا سقطت طائرة هل المسؤولية على شركة التأمين أم شركة الطيران، لابد أن تذهب وتعرف نوع الطائرة ومكنتها وطريقة تصنيعها، أو شخص قتل بطعنة لابد من معرفة السبب، ونحن عندنا حاجة اسمها السببية.
أبوي قال لي :” ود مانجيل لازم تقيف معاه”
قضية عبد الهادي عندما جاءتني في بادئ الأمر ما كنت عايز أمسكها بصراحة لأسباب شخصية، لكن عندما ذهب أهل وأقرباء عبد الهادي لوالدي وهو من نفس منطقتنا، أبوي ناداني وعمتي كانت موجودة، وقال لي: “ود ما نجيل دا لازم تقيف معاهو بالحق ما تأباهو ساي، فوافقت” وفي جوانب في هذه القضية اعترف بها عبد الهادي في المحكمة، لكن أنا أعرف أنه لا يقتل، لأن واحدة من التهم كانت القتل العمد، طبعاً الظروف المحيطة بالقضية كانت مريبة حقيقة نتيجة غباء وتصرُّف شخص آخر، وعندما داهمت الشرطة عيادة عبد الهادي كانت إحدى الفتيات في حالة إنزال لطفل وعندما تتعثر العملية كان الطبيب يعطي دواء اسمه “الميزو بريستول” ومهمته يقوم بهز عضلات الرحم ويؤدي إلى تقلصها حتى يلفظ الرحم كل محتوياته وهذا الدواء أصلاً صنع لمعالجة ما بعد الإجهاض، لكن ما يعالج بعض الإجهاض يمكن أن يعمل الإجهاض، طبعاً إذا القصد -أيضاً- تنظيف الرحم.
لغز موت الجنين
وعند دخول رجال الشرطة على عبد الهادي عمل الآتي كان الطفل مكتمل النمو حوالي 9 أشهر، لكنه مات، والبنت أصلاً ذكرت ذلك، وعندما جاءت لعبد الهادي لإجراء عملية الإجهاض لكنه رفض، فذهبت إلى البيت ورمت نفسها من الحائط بعد ذلك شعرت بنزيف وعادت لعبد الهادي مرة أخرى، فكشف عليها فوجد انفصال المشيمة ووجد البطن مليئة بالدماء والسوائل، وكشف على الجنين وجده ميتاً ثم أعطاها عقار “الميزو بريستول” وبعد ذلك واجبه كطبيب ينقذ البنت، لكن الطفل لم يخرج نتيجة تقلص الرحم، وفي تلك اللحظة وصل أفراد البوليس، وعندما اقتربت من الموت لجأ إلى الجراحة التخريبية وفي هذه الحالة أحياناً يسموه بالطفل المصافح، لأن اليد هي التي تخرج أولاً مما يصعب خروج الجنين، فيضطر الطبيب إلى قطع اليد وأحياناً الرأس يكون كبير جداً يقوم الطبيب بضرب محل النافوخ بالمقص ليفرغ الجمجمة ليتقلص الرأس فينزلق الجنين.
دهم مفاجئ
في تلك اللحظة داهم أفراد الشرطة العيادة فقال لهم عبد الهادي: “يا جماعة أنا عندي واحدة جوه بتلد” وهذه تسمى ولادة طبعاً وليس إجهاضاً، لأنه من 23 أسبوع فما فوق في الدول المتحضرة ومن 26 أسبوع في الدول المتخلفة، فقام بضرب الرأس وأخرج المخ وتقلص الرأس وأخذ الجنين، من شدة الخوف من البوليس قام أحد الموجودين في العيادة بأخذ الجنين ولفاهو بجريدة ووضعه في الدولاب في مطبخ العيادة، هذا الكلام في تمام الساعة الثامنة صباحاً، وألقوا القبض على بنتين كانتا في حالة إجهاض وذهبوا بهما وفي التحري عند الساعة الثانية ضغطت إحدى البنات وقالت: يوجد جنين آخر في الدولاب فرجعوا وأخذوه وذهبوا به إلى المشرحة، طلع التقرير الطبي أن هذا الجنين ولد حيَّاً وقتل، الطبيب وصل لأنه ولد حيَّاً وقتل كيف؟ نحترم الطبيب فقال: أنا عملت حاجة اسمها “اختبار الطفو”
أنا عارف عبد الهادي لا يقتل
وكدا رجعنا لشغلنا نحن، وقال الطبيب الشرعي حسب الاختبار: وجدنا أن الطفل ولد، تنفس، وأنه مضروب في رأسه معنى ذلك أنها ضربة حيوية وأنه لم يجد المخ نهائياً، أنا نظرت للقضية، طبعاً قانوناً تقرير الطب الشرعي مستند رسمي وهذا المستند يجب أن لا يطعن فيه، إلا بالتزوير، وهو حجة على الكافة، وأنا أعرف أن عبد الهادي لا يقتل وتكلمت معه فشرح لي الحصل بالضبط وذهبنا وقرأنا اختبار الطفو ويبقى السؤال هل هو اختبار حسم لإثبات حالة الموت؟ وقرأنا عنه ووجدنا أنه يعمل به في حالات كثيرة ويدخل في أنابيب النفط والمياه وفي حالات الغرق، أصلاً الاختبار يرجع لسنة 1845 نظريته تقوم على الآتي: أنك تفتح رئة الجنين وتضعها في الماء إذا طفت يعني أن الجنين تنفس، لكن هذا الكلام ليس على إطلاقه.
اختبار الطفو وتقطيع الرئة
وتوصل العلماء إلى عدة اختبارات أخرى يجب أن تعضد الطفو، لأن الطفو غير دقيق، وهي “المعدة والرئة والحلقوم والأذن الوسطى” والرئة تقسَّم أربعة خطوات، أولاً تفصل الرئة ثم الخطوة الثانية تقسَّم الرئة إلى فصوص وتقوم بربطها والخطوة الثالثة تضغط الرئة بشدة على تربيزة ثم وضعها في الماء إذا طفت تذهب إلى الخطوة الرابعة ثم تفتح القلب، الطفل أول ما يولد يصرخ وهذه الصرخة تعمل حاجات كثيرة، وهي اندفاع الهواء إلى داخل الرئة لتبتدئ حركة الحياة المستقلة والدورة الدموية وفي اندفاعه يحرِّك الحبال الصوتية ويذهب الاندفاع إلى الأذن الوسطى يعمل فيها هواء يعادل الضغط الجوي لعمل توازن الجسد وتنفصل الدورة الدموية للجنين من أمه بمجرَّد هذا التنفس.
جدل قانوني
وهناك ثقب في القلب يحرِّك الدم إذا قفل الثقب بالقلب دلالة على أن الطفل تنفس، إذاً لابد أن نفتح القلب ويقفل بنسبة 98% وفي ناس لا يقفل عندهم وهذا عيب خلقي على العموم إذا قفل يعني أن الطفل تنفس، تمشي اختبار أخير تفتح الأذن الوسطى تجد فقاعة هواء تعمل توازن وفي الأذن سائل هلامي إذا وجدته مثل ميزان الموية الخاص بالبناء، يعني أن الطفل تنفس، إذاً يجب أن تعمل كل هذه الاختبارات، في السودان للأسف وإلى هذه اللحظة لا يوجد بروتوكول مقنن لإجراء اختبار الطفو، والطبيب وقتها عمل اختبار الطفو مرحلة واحدة وأخذ الرئة ووضعها في الماء فطفت، وكتب أن الجنين تنفس وأصبح تقريراً رسمياً، وعندما ناقشناه عن هذا التقرير ذكر أنها صحيحة، ولكن اختبار الطفو بدون هذه النتائج المعضدة لا يؤدي إلى نتائج حاسمة.
أغرب مهنة
أقول لك حاجة عن مهنة المحاماة قد تستغرب لها هي أغرب مهنة من بين جميع المهن والمحامين تركيبتهم والعقلية العقلية تختلف عن أصحاب المهن الأخرى، كيف؟ نحن تربط بيننا علاقات قوية جداً وعلاقات أسرية وشخصية رغم أن المحاماة بطبعها يجب أن تجعل بين المحامين مشاكل شخصية كثيرة لماذا؟ أي قضية أنت تدخلها بها خصم محامي وأي كسب في قضية على حساب محامي آخر وأي هزيمة لك هي بمثابة نصر للآخر، إذا اعتبرناها بمعايير النصر والهزيمة، ولكنهم لا يفهمون الأمر كذلك، ومهنة مثل هذه يفترض أن تؤدي إلى الحسد والبغضاء والأحقاد، ولكن والله وأنا استشرف الـ 39 سنة، أحياناً يقول لي أحدهم قام زميل بشتمك، ولكن في أكثر الأوقات أجد من المحامين كلهم المودة والمحبة ولا توجد أي غيرة حتى من الذين يكونون ضدك، والمحامون يدخلوا المحكمة ويتخاصموا ويتشاحنوا ويتشاجروا ويخرجوا يفطروا مع بعض.
(يداوسوا ويتلاحسوا)
في قضية خاصة بقبيلة المسيرية خشم بيتين وانقسم المحامون لفريقين وحدثت في المحكمة مشكلة كبيرة جداً وبعد المحكمة جهز أحد المحامين وليمة وعزم بقية المحامين وفطروا سويا وخرجوا يضحكون، واحد مسيري قال لهم: “والله المحامين ديل إلا زي العجول، كيف يداوسوا ويتناطحوا وبعد شوية يقعدوا يتلاحسوا”؟ أين الاختلاف إذا أجرى طبيب عملية ناجحة وأشادت بها الصحف فهي ليست على حساب أي طبيب وإذا أنت مهندس وصممت عمارة ضخمة وأصبحت مثار الإعجاب -أيضاً- ليست على حساب بقية المهندسين، لكن أنت كمحامي إذا كسبت قضية أثارت فضول الرأي العام بالتأكيد ستكون على حساب زملائك المحامين، ربما يكون هناك حسد في المهن الأخرى لا نقول كلهم، لكن نحن المحامين نعجب بأعمال بعضنا أكثر من الآخرين.