«مليكة»… تشويق يبرّر الإرهاب الدولي

تكررت في الآونة الأخيرة الاتهامات الموجّهة الى صناع الدراما المصرية حول أن تركيزهم على قضية الإرهاب وما يصاحبه من بطولات وتضحيات لرجال الشرطة، إنما هو انعكاس لتوجيهات رسمية. وبصرف النظر عن مدى الدقة أو المبالغة في هذا الصدد الذي يطاول عدداً ليس بالقليل من المسلسلات، فالأكيد أن مسلسل «مليكة» على الأقل ينسف تلك النظرية. الإرهاب هنا نشاط كوني تغزل خيوطه شركات عابرة للجنسيات وتتورط في تمويله ودعمه أنظمة وحكومات إقليمية ودولية، لكن ? وعلى عكس السائد، فإن مرتكبيه يمكنهم ببساطة النجاة بفعلتهم من دون أن تنتبه لهم الأجهزة الأمنية بكل إمكاناتها الجبارة.
تتعدد خيوط الحبكة الفرعية من مطاردة بوليسية للقتلة إلى فساد رجال أعمال، أما الحبكة الرئيسة فتتركز حول «مليكة» وتجسدها دينا الشربيني التي تتعرض لإصابة عنيفة نتيجة تفجير إرهابي يستهدف حفلة زفاف صديقتها ابنة النائب العام. وتضم قائمة ضحايا الحادث صفوة المجتمع من وزراء ومسؤولين كبار ونجوم البيزنس فضلاً عن النائب العام نفسه، لكن الأحداث لا تركز إلا على البطلة التي تستيقظ من غيبوبة طويلة تعرضت خلالها لسلسلة من جراحات التجميل حتى تستعيد ملامح ما قبل الأزمة. والمفاجأة أنها لا تعود كـ»مليكة» إلا على مستوى الجسد والوجه، أما على مستوى العقلية والروح فقد تحولت إلى «آية»، ابنة خالتها التي قضت نحبها في الحادث.
أن تغيب طويلاً في غيبوبة عميقة ثم تعود وقد حلت فيك روح شخص آخر، فيعني أنك أمام واحدة من أكثر «الثيمات» استهلاكاً.
حاول كل من صاحب القصة أحمد طاهر ياسين وصاحب المعالجة الدرامية والسيناريو والحوار محمد سليمان عبدالملك، إقناعنا بأن «مليكة» فتاة مترددة غير قادرة على التحكم بحياتها، على عكس «آية» ذات الشخصية القوية التي يتصارع ثلاثة رجال من أجل الفوز بقلبها وتوهم كلاً منهم أنها بالفعل تحبه. أقول أنهما حاولا، لأن ما رأيناه بالفعل هو أن الفارق بين الشخصيتين لم يكن بالمقدار المطلوب، بل وفشل المخرج شريف إسماعيل في السيطرة على أداء دينا الشربيني بحيث ينقسم الى مرحلتين عنوان أولاهما البراءة بينما عنوان ثانيتهما الشر، وجاء أداؤها طوال 29 حلقة متشابهاً يخلو من حدة التحولات المفترضة.
لهذا لم تأت المفاجأة التي فجرتها البطلة في الحلقة الثلاثين بالتأثير المطلوب حين أعلنت أنها اكتشفت أن أباها ليس بأبيها وأن أمها أنجبتها من زوج شقيقة الأم عبر علاقة آثمة، وأنها تسببت بمقتل شقيقتها «آية» من دون أن تعرف أنها أختها، وبالتالي فمن حق «مليكة» نتيجة هذه المأساة غير المقنعة التي اكتشفتها بالمصادفة أن تتحول إلى متعاونة مع مـــنظمات إرهابية دولية!
مأساة تلقيها البطلة بوجوهنا في الدقائق الخمس الأخيرة من العمل قبل أن تهدد بنبرة باردة مخيفة أنها لن تكتفي بالضحايا الذين قضوا في التفجير الدموي، فالأمر قد يتكرر في أي وقت، وعلى الجميع الاستعداد، ثم تنزل تترات النهاية آمنة مطمئنة!
ولا يسع المرء سوى الشعور بالارتياح لأن «مليكة» كانت الوحيدة المتورطة في حوادث إرهابية، ومع ذلك أفلتت من العقاب، بينما زميلها منذ سنوات الجامعة «بشير» (رامز أمير) تم إلقاء القبض عليه بعد أن وضع بنفسه القنبلة التي انفجرت ليلة العرس. والمدهش أنه وافق على التعاون مع تنظيم إرهابي دولي لمجرد أنه يعمل نادلاً في فندق فاخر لا يقل تصنيفه في أي حال عن الخمسة نجوم، وهنا لا يسعك سوى أن تتمنى ألا يكون هذا المنطق المعوج قد أقنع العاطلين من العمل في مصر، والتي تقدر إحصاءات رسمية أعدادهم بسبعة ملايين شاب، حتى لا يكون لسان حالهم: إذاً، ماذا نفعل نحن الذين ما زلنا نمد أيدينا لآبائنا من أجل حفنة من الجنيهات بعد تخرجنا في أرقى التخصصات ولم نجد مكاناً يرحب بنا سوى المقاهي الشعبية؟
من النقاط المضيئة في المسلسل، التمرد على أجواء الحارة الشعبية التي غرقت السينما والدراما بمصر في أجوائها سنوات طويلة بما تحمله من فوضى بصرية وضوضاء ولغة ممعنة في البذاءة، ليس من باب النقل الأمين للواقع بل لدوافع تجارية بحتة تتمثل في الاشتغال على موضوع سبق تجريبه بنجاح مع الجمهور.
أيضاً، خلصنا المسلسل من الصورة النمطية الكاذبة للطبيب النفسي، فلم يأت بلحية صغيرة منمقة ونظارة طبية أنيقة مع غليون لا يكف عن إشعاله طوال الوقت فضلاً عن طاولة أو «شيزلونغ» تتمدد المريضة عليه بداع وبلا داع بزعم الاسترخاء.
وأجاد محمد شاهين في تجسيد دور الطبيب المعالج للبطلة ببساطة وواقعية من دون تلك الرتوشات السابقة المثيرة.
الحياة



