ما وراء أزمة السيولة

أسماء جمعة
وزير المالية مُعتز موسى حين تمّ تعيينه كانت أزمة السيولة التي بدأت منذ نهاية العام 2017 قد وصلت أسوأ مرحلة، الأسبوع الماضي وصل الأمر لدرجه أنه لا يُمكن لمواطن أن يصرف أكثر من ألف جنيه في اليوم من حر ماله المودع لدى البنوك، وحقيقة عاش المُواطنين حالة زلة لم يشهدها تاريح السودان، أصبح الرجال يستجدون موظفي البنوك كالشحادين، والنساء يبكين كما يبكي الأطفال، الكل يتوسّل لمُوظفي البنوك وهم عاجزون لا يَستطيعون فعل شيءٍ غير الاعتذار لزبائنهم ومواساتهم.
في أحد البنوك رأيت رجلاً يُحاول أن يحكي ويشرح للمُوظّف أبعاد مأساته الأسرية ويحاول الموظف جاهداً إقناعه بأن البنك (فاضي) وأن ليس بيده حيله، ولكن الرجل كان مُصرّاً جداً وحين فقد الأمل في إقناع الموظف قال له (ابوس رجلك يا بني تُساعدني)! فردّ الموظف استغفر الله يا عمنا وأجلسه وجلس بجواره ولا أدري ماذا حَدَثَ بعد ذلك، ولكن أعتقد أنّ مَأساة الرجل مازالت مُستمرة، حتى بعد وَعد وزير المالية لم يتغيّر الأمر!
الأسبوع الماضي وزير المالية كان قد غرّد في ?تويتر? على طريقة وزراء الدول الديمقراطية المُتقدِّمة يطمئن المُواطنين ومعبراً عن وفائه بوعده الذي قطعه عند تَعيينه، ولكن تفاجأ المُواطنون أنهم لن يتمكّنوا من صرف أكثر من ألفي جنيه في اليوم، أي أنه إذا كان الشخص لديه غرض يحتاج إلى عشرة آلاف جنيه عليه أن يذهب يومياً إلى الصرافات لمدة خمسة أيام، أما الصرف في البنوك عبر الكاونتر ما زال مُتوقفاً إلا في آخر اليوم وأيضاً لا أحدٌ يأخذ المبلغ الذي يريده، إذاً المشكلة لم تُحل، ويبقى السؤال قائماً إلى متى سيظل هذا الحال؟
لا شك أن هذه المشكلة لن تمر على المجتمع السوداني دون أن تترك على جسده المُنهك المزيد من الجراح والآثار، فهي تُعتبر كارثة ذات ابعاد اجتماعية خطرة وقد بدأت آثارها تَظهر فعلاً على الحياة، فقد ظهرت حيلٌ جديدة للإجرام والاحتيال وانتشرت الظواهر الربوية، كما أن المشكلة أعاقت تنفيذ مشاريع اجتماعية كثيرة هي جُزءٌ من أحلام المُواطنين، على سبيل المثال لا الحصر تأجيل الزيجات إلى أجل غير مُسمّى والانصراف عن تأسيس مشاريع زيادة الدخل، هذا غير مُعاناة المُواطنين مع المَدارس والمَرض وغيرها، تخيّلوا أن يكون مُواطن بحاجة إلى عملية جراحية ولديه مالٌ بالبنك لا يستطيع صرفه من أجل العلاج ويخبره المستشفى انه لا يتعامل إلا (بالكاش) وقس على ذلك.
أعتقد أن مشكلة شح السيولة هي واحدة من أسوأ المشاكل التي مَرّ وما زال يمر بها السودان خلال 30 سنة، إذ يُمكن للمواطن ان يجتهد في حل اية مشكلة إذا توفّر لديه المال، ولكن حين لا يجد المال وتتكالب عليه المشاكل ماذا يفعل، قطعاً سيتصرّف ولكن سيكون الثمن غالياً وسيدفعه الجميع حتما، فهل تدرك الحكومة عظم هذه الكارثة؟ لا اعتقد فهي ما زالت في طغيانها القديم.
التيار