المعدمون.. بشر على هامش الحياة..!

هنالك حيث تتدثر الوجه الكادحة برداء الفقر وتتلحف السماء وتتوسد الأرض وتختفى من وسط المدنية فى أطرافها لتنام بهدوء خلف ضجيج المدنية هنالك بعيدا بعيدا يصرخ الأطفال يقتلهم الجوع فى بيوت هزيلة تنعدم فيها أبسط مقومات الراحة وقد يهرب الأزواج من عناء المعيشة بحثا عن واقع أفضل هناء. يرسم القدر الوجه الاخر لأسرة بلا معالم يجمعها البؤس وضنك الحياة فتتساقط أبسط مفومات الحياة رغم أهميتها من قاموس حياتهم البائسة حتى يصبح التعليم والعلاج لبعضهم ترفا صعب المنال ، فهم بالكاد يتدبرون لقمة العيش والمأوى يعيشون على الكفاف ويقتلهم البرد ويصلى أجسادهم الهزيلة الصيف الحارق وتغسل الأمطار أمتعتهم من فوق أسقف هزيلة لاتقيهم بردوة الشتاء وحرارة الصيف.
الخرطوم / زينب أحمد
كنت أستغل إحدى المركبات العامة من وسط الخرطوم فى اتجاه أحد الأحياء الطرفية بشرق النيل دون قصد مني وجدت نفسى أتفرس في تلك الوجه الكادحة كان التعب والارهاق واضحا فى اوجههم لدرجة أن بعضهم خلد لنوم عميق فور تحرك البص من موقعه معظم النسوة اللائى جلسن بالقرب منى يمتهنّ بيع الشاي والطعام وسط الخرطوم وبعضهم يمتهن النظافة فى مستشفياتها ومؤسسات الخرطوم .. يعدن فى نهاية كل يوم بما حصلن عليه من مال لإنفاقه على أسرهم. لم يكن حال الرجال في الجزء الخلفي من (بص الوالي ) الممتلئ لآخره بالبشر باحسن حال النساء وان كانوا يبدون بعض الجلد فكلاهما رجالا ونساءً خرجوا من اجل توفير لقمة العيش لأطفالهم لكنهم ورغم مايبذلون من جهد لايستطيعون توفير كل ماهم فى حاجة له .
وانا أترجل عن البص كانت هنالك أسئلة كثيرة تدور بخلدى كان أكثرها إلحاحا على نفسي هو كيف يتدبر هؤلاء حياتهم اليومية من مأكل أو مشرب ؟ كيف يتعلم أبناؤها , ؟ أين يتلقون العلاج ؟ كيف بوسعهم الموازنة مابين المرتب والمواصلات وبقية النفقات اليومية ؟
أم اليتامى
لم يمنع امتهان أكثر هؤلاء لأعمال يومية بمرتبات شهرية أو دخل يومى الفقر من التسلل لبيوتهم الصغيرة فما يحصلون عليه بالكاد يكفى لتغطية بعض متطلباتهم اليومية
تجاذبت اطراف الحديث معه بعضهم عن الكيفيت التى يدرون بها دولاب حياتهم اليومية وكثير منهم لم تكن لديه الشجاعة الكافية للحديث لهم رفقاء كحالهم، وخاف من أن أن أتسبب لهم بالحرج أم برعى واحدة من المئات اللائي قذف بهن حظهن العاثر للعاصمة الخرطوم… تبدو أم برعي أكبر سنا من عمرها الحقيقى فقد قدر لها أن تتولى مسؤولية
تربية أطفالها الخمسة بعد وفاة زوجها لم يكن حالها في حياة زوجها بأحسن حال مما هى عليه الآن إلا أن زوجها كان يتولى عنها مهمة الصراع من أجل حياة أفضل لها ولأولادها
وجدت ام برعى نفسها مجبرة على العمل حتى تتم تربية اطفالها الخمس كانت عائدة للتو من المدرسة التى تعمل قيها فراشة حين دخلت عليها . منظر منزلها كان يدل بوضوح على مدى الحاجة التى تعيشها . جلست أنا وهي على سرير.
متواضع منسوج من البلاستيك دون فرش
وأنا أدير وجهى فى أنحاء منزلها المكون من غرفة ومطبخ وراكوبة صغيرة تتسلل منها الشمس فتصافح وجوهنا قالت مرحبا بقدومك إليها راكوبتى باردة .سألتها عن الكيفية التي تدير بها بيتها وهل يكفى راتبها من المدرسة الحكومية فى إعالة اطفالها قالت وبرضاء تام الحمد الله بيكفى ويزيد ..احيانا ينقطع ما لدى من مال فأسارع بالاتصال بعم أطفالى فيرسل ما أحتاج له
وراتبى رغم قلته والحمد الله يكفيني واولادى اتقاضى (700) جنيه نظر عملي بمدرسة البنين الحكومية بينما يتكفل أعمام اطفالى بدفع إيجار المنزل قالت وكلها ثقة برحمة الله قال لى : زوجى قبل أن يتوفى لرحمة مولاه
قال لي أولادى مابتجيهم عوجة وماتشيلى هم
تحدثت كثير ا عن زوجها الذى رفض العمل فى اكبر شركات التأمين خوفا من الحرام ، ومات وهو لا يملك ثمن الكفن الذى يستر به نفسه وظل فى صراع طويل مع المرض واحتمله لسنوات لعدم امتلاكه لثمن مايعالج به نفسه.
معاناة أخرى
التقيت بمنال فى مكان عملها في إحدى المدارس الخاصة بشرق النيل وجدتها تنزوي في مكان ضيق تجلس وهى تحمل صغيرتها عندما حدثتها بما جئت من أجله. قالت وهى تنظر لصغيرتها التى فى حجرها ان اختلف عن كل الناس فوضع صعب للغاية فما نحصل عليه أنا و زوجي وحتى أطفالى الذين يساعدون بالعمل في البيوت يذهب معظمه لإيجار المنزل و طلبات المدارس حاليا يقف مبلغ 500 جنيه فى طريق مواصلة بناتى لتعليمهن لعدم امتلاكى لهذا المبلع الخاص برسوم امتحانات شهادة الأساس وناس المدرسة قالوا ليهم إذا لم تسدد المبلغ في ظرف اسبوع شوفو ليكم مركز تانى تمتحنوا منه . واتبعت منال حديثها بقولها بعد انتهاء عملى بالمدرسة أذهب للعمل فى البيوت فى غسيل الملابس والحنة من أجل مساعدة زوجى على تدبر تكاليف الحياة فما احصل عليه بالإضافة لما يحصل عليه بالكاد يكفي لضرورة الحياة نعيش على وجبتين فقط ولا أتناول شاى الصباح. الصغار يذهبون لمدارسهم بمعدة خاوية واستدركت وكانها تبرر ذهاب أطفالها جوعا لمدارسهم الشاي مكلف ونحن محمولين.
الوجه الآخر
للأسف فإن المعاناة التى نتحدث عنها لم تعد حكرا على الفقراء فقط بل تمددت لتشمل الكثير حتى اولئك الذين يعملون بوظائف ثابتة ويتم تصنيفهم تحت مسمى الطبقة الوسطى نتيجة للوضع الاقتصادى الذى نعيشه حيث ترتفع تكلفة الخدمات والمواد الاستهلاكية فى حين تستقر مرتبات العاملين فى مكانها، وعلى حسب دراسة حديثة فان الحد الادنى للأجور فى البلاد لا يغطى “37% من احتياجات الأسرة المكونة من خمسة أفراد بينما حددت التكلفة
المعيشية فى الحد الأدنى ب”5900″جنيه سودانى ويبلغ الحد الأدنى للأجور 425 جنيها”
وأشارت ذات الدراسة التى أجراها مكتب النقابات أن نسبة التغطية للمعيشة لا تتعدى .3″ 7 % الحد الأدنى من احتياجات الأسرة ولا تشمل بعض الجوانب مثل الأثاث والصيانة والاتصالات ومصاريف الأعياد ..
التيار