(مهارب المبدعين) من البناء

(مهارب المبدعين) هو عنوان الكتاب الذي أصدره دكتور النور حمد بعد أن أمعن النظر جيداً في الحالة السودانية التي لم تنته سيناريوهاتها التراجيدية منذ الاستقلال إلى يومنا هذا، شدني عنوان الكتاب بقوة وهبتني قدرة التشوق إلى قراءته لمعرفة من هؤلاء المبدعين الذين هربوا؟ وإلى أين هربوا؟ ولماذا هربوا؟، وممن هربوا؟!!! ..(مهارب المبدعين) سفر يقودنا إلى القضية التي مازالت ترتع في وديان جدلية (العروبة والزنجية)، وكيف جنح بعض المبدعين إلى إلباس الأولى ثوب العفاف والطهر والثانية ثوب الحرية إلى درجة الإباحية، وما بين هذى وتلك حاول الكاتب أن يضع العلاج لظاهرة الهرب لدى مبدعي الجزء الشمالي من سودان وادي النيل بعد أن حاصرهم الكبت، ووضعية اللا مواجهة للواقع الذي اختاره هؤلاء المبدعون. الدكتور النور حمد تلمس عصب الحقيقة ومضى في الطرق على أسباب فشل النخبة السودانية المستنيرة في بناء الأمة السودانية واتخاذها الهروب وسيلة للتحلل من مسؤولية البناء السليم لـ(سودان قهوة بلبن)، ومعالجة أمراض الوطن التي ورثها من الاستعمارين التركي والانجليزي.. وضع الكاتب شخصيات أدبية وسياسية وشعراء تحت المجهر متتبعاً الطرقات التي سلكوها هرباً إلى الضفة الأخرى (إمتاع الذات) بينما اختار بعض المبدعين الهروب بالعقل إلى خارج حدود الواقع، وجلس آخرون في مجالس السمر البرئي والسخرية من الواقع المحيط بهم، وفي سودان نرى المشهد المتكرر في كل الحقب.
عددٌ من الشعراء السودانيين شكلوا عنصراً ثابتاً في المعادلة التحليلة لظاهرة الهروب وهم (محمد سعيد العباسي- محمد أحمد المحجوب-محمد المهدي المجذوب- محمد عبد الواثق- التجاني يوسف بشير- إدريس جماع- الناصر قريبُ الله).
حاول الكاتب تحليل الواقع السوداني والغوث في أعماق التحولات التي اكتنفت الحياة الثقافية السودانية للوسط والشمال، نتيجة لدخول عناصر وافدة خاصة نشوء المؤسسة الدينية الرسمية حاملة الفقه العثماني الوافد، ويشير الكاتب إلى أن الفقه العثماني الوافد قد سلب التصوف السناري سماته التقدمية، وثلم حد عناصره المستقبلية، وقام بتشكيل المدينة السودانية على هيئة المدن المتوسطية، خالقاً منها نبتاً أجنبياً في تربة الحياة السودانية.
لم تبحر سفية الكاتب في شط أحوال الهرب والهاربين، بل رست ?أيضاً-على فهم القوى التي تُعيق الطاقات الخلاقة، وتخلق حالات الانسحاب وسط ذوي الطاقات العقلية والوجدانية الكبيرة، واتجه الكاتب إلى تلمس مخرج من حالة الركود والراكد، على ثلم الحد القاطع في العقول والقلوب الاستثنائية القليلة، وجنح حمد إلى مناقشة الكيفية التي يقصي بها عقلنا الجمعي الأفراد الاستثنائيين، كما ناقش الكاتب كيف أن القوى التي ظلت مقبضة على مفاصل الثروة والسلطة منذ سلسلة سلاطين سلطنة الفونج حتى نظام الإنقاذ الراهن، قد عملت على تقوية ذلك العقل الجمعي المعادي للجديد، والمعادي للفردية والمعادي للخروج على قبضة القطيع. وخلص الكاتب إلى أن ظاهرة الهرب ليس شأناً أدبياً أو فنياً صرفاً، وإنما شأن يلمس لمساً جذري الفكر والسياسي والتنموي في حياتنا.
الجريدة

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. شكرا لك علي المجهود الرائع وتسليطك الضوء لهذا الكتاب الرائع (مهارب المبدعين ) للكاتب د النور حمد .ومبحثه موضوع في غاية الاهمية لان الفشل القائم الان في السودان في كل المناحي سياسية ام وفكرية ام ادبية او فنية هي مسالة تراكم لانتاج لم يصطصحب معه حلول ناجعة وجذرية لخلافنا حول التاريخ والدين والهوية الثقافية والرؤي الفكرية لحل ازماتنا وخلق مجتمع متجانس ومتصالح ومتناكح ثقافيا …الفعل السالب للسياسيين والمفكرين والاكاديميين والادباء والمبدعين ما زال مستمر حتي يومنا هذا!!! وهو اس البلاء لاستمرار تدهور حياتنا في السودان في كل المناحي اثرين التفلسف والكتابة والصباح في المنابر والندوات دون اتخاذ موقف عملي وايجابي شجاع يتقدمه الوضوح التام في الظهور الفعلي لتغيير الواقع وايقاف نزيف الازمة التي شملت كل مناحي حياتنا فالهروب صفة سادت حتي تغلغلت في موقف العامة بسبب هروب من تقع عليهم مسئولية استنارة العامة واحداث التغيير!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..