بنزف الدم تفاصيل لم تكتب حول ماجرى قُبيل إستشاهد مجدي محجوب محمد أحمد

خص الراكوبة الدكتور عارف جمال محمد أحمد عن وهو يكتب بنزف الدم تفاصيل إعدام توأم روحه وإبن خالته وعمه الشهيد المغدور مجدي محجوب محمد أحمد. وفي الرسالة التي وجهها إلى الابنة بُنه يفصح عارف زيف كبير الكذبة عمر البشير والذي وعدهم ولعدة مرات بأن حكم الاعدام لن ينفذوكعهده تذهب وعوده أدراج الريح مثلما يتنفس. وكيف تضامن معهم بنات وأبناء الشعب السوداني من الرافضين للضيم. حتى لا أفسد على القراء مطالعة ماخطه يراع عارف النازف والجرح المنوسر. وليل الصبح مهما طال فإن إنبلاج الصبح قريب.
عبدالوهاب همت
من هنا تبدأ الرسالة وإليكم الوقائع المؤلمة بتفاصيلها
رساله الى بُنه/إيمان عاصم جمال
ليله عرس حزينه: عريس بدون عروس
تصريح دفن رقم 191122 أ
النوع: ذكر
الإسم: مجدي محجوب محمد أحمد
سبب الوفاة: الإعدام شنقاً حتى الموت
التاريخ: 17 ديسمبر 1989
عزيزتي بُنه،
كانت آخر لقاءاتي مع والدك وأخي الحبيب عاصم جمال في ديسمبر، وتطرق الكلام بعد أن لهثنا في المحادثة عن البلاد وما آلت إليه مع حكومة الإنقاذ، تطرق الحديث عن مقتل عمك مجدي والملابسات التى تبعت ذلك. فالملابسات التى سبقت ذلك كلنا يعرفها توجد مواد ومقالات كثيره كتبها أفاضل نسخاً وسجعاً وشعراًوأخترت أن أدون لك هذه الذكريات ولمن تبعك من العائلة ولأبناء وبنات الوطن الباحثين عن حقائق تلك المجزرة المشئومة والتى ان دلت على شئ دلت على أحقاد شخصية وعدالة معدومة وسلطة خربة وهذه أقلها. أريد أيضاً إشراك الجميع في المهمة الصعبة التى قام بها والدك في التكفل بآخر لحظات لعمك مجدي وهو على قيد الحياة.
كان قد سأل كثيرون: أين عاصم؟ عندما أحتشد الناس أمام منزل جدك محجوب حيث كان يعيش مجدي ويسهر على راحة والدته، وبينما كنا جميعاً ننتظر الفرج كان والدك في القيادة العامة يطرق باباً باباً لإنقاذ حياة مجدي.
تسعة وعشرون عاماً على شنق مجدي وتسعة وعشرين عاماً اليوم على تولى الإنقاذ السلطة، ويعتبر كل عام ذكرى عطرة لمجدي اذ تتوج والدته قبره بفروع النخيل حسرة على غيابه، فقد كان كل عام خراباً ودماراً على أرض وطن قررت فيه حكومة الإنقاذ إعدام مجدي وجرجس بتهم تخريب الإقتصاد القومي وعجبا ننظر من هو المسؤول عن خراب الإقتصاد؟ أوهل وصل بالبلاد حضيض كالذى يعيشونه الْيَوْمَ؟ و اعني تردي في جميع المرافق وكل الأمور الاقتصاديه السياسية الاجتماعيه آلبيئيه و حياه لا تطاق لمواطن سوداني عادى. من هو المسؤول عن خراب الاقتصاد؟ حفنة دولارات وجدت في عصرية مشئومة داخل خزانة عتيقة داخل منزل بالخرطوم (1) وتلك الحفنة التى وجدت بحوزة جرجس في صباح يوم مشئوم في مطار الخرطوم أدت لحرمان أطفاله الثلاث من والد طالما ضحك ولعب معهم. كان كلاهما مدنيين قدما لمحاكم عسكرية لم تستغرق اجرائتها سوى عشرين دقيقة، ومهزلة أن سميت بمحاكمة. حكى لي والدك عن محامي مجدي الذي اعترض على حيثيات المحكمة فما كان من القاضى, ان صح تسميته و برائه ابن يعقوب من تقلده اللقب النبيل، بانه قد وبخه طالبا منه عدم التدخل. و بهذا لملم الرجل اوراقه و ترك الغرفه مهمهم بعدم عداله المحاكمه. و جلس مجدي ينتظر. وخرجت والدته للصلاه و الاذان و تحكيلي ان “جياشي” هرع اليها ووضع بندقيته فوق صدرها مانعها الخروج. “ماشيه اصلي”. و لا أستطيع التعليق و غثاء في حلقي.
و كانت محكمه “الكانجرو” لمجدي البريء. و محكمه “الكانجرو” هي محاكمه؛ بنيتي، قد اتفق مسبقا حكمها و عاده ما تخص الخوارج و للخونه من الجيش و مجدي لم يكن هذا أو ذاك. لم تمض سنة على وفاته حتى تم تقليد تجار العملة أرفع النياشين و قد توفى منهم من توفى
رحمهم الله ولكن الله لن يرحم من قتلوا مجدي و هم اليوم يبتاعوا ويبيعوا العملة في أسواق مفتوحة وغيرها مغلقه الا عليهم و خاصة بهم وحدهم وزوجاتهم. هذا زمن خُلق فيه الغوغاء ليعيشوا في قصور لا تليق بهم إذ سرقوا الأموال جميعا وهم لا يعرفون الفرق بين الحمامات والمياة الجارية والأدبخانات والأباريق. و لا حياء لهم و هم يتصورون حاضني احفادهم و ربما ابناءهم فهو زمان تقتنى فيه الزوجات كالانعام، امام احواض عوم “سومنك بول” بالأحرى في مدينه قطت فيها مياه الشرب. وجدوا نظاما سهل لهم سبل عيشهم من بيع وشراء العملة وأي عيش كان ذاك؟ أما مجدي فقد كان ميسورا، العملة الأجنبية لم تكن مصدر عيشه أو رزق.
عدت من ماليزيا بعد عام قضيته أعمل فيها وكنت فرحا بأني سألتقي عمك مجدي ليست لأنه أخي بل للصداقة التى تجمعنا وقد كان يتفقد أحوال إيمان زوجتي وزين وفانا أبناء عمك في غيابي. وبعد أيام ذهبت له في مكتبه في الخرطوم حيث كان قد إتخذ واخوته مكتب جدك مقراً لإدراة أعمالهم وما تركه لهم والدهم محجوب من ورثة. أذكر جيدا كان السابع عشر من نوفمبر دخلت عليه ومعي خالك خالد محمود، لم أقض معه وقتا طويلا لمشاغلي الكثيرة وقد وعدته بأنني سأعود لأراه في الغد، ولم يحضر ذاك الغد، هذه كانت آخر مرة أراه فيها حراً طليقاً.و لو كنت اعلم لتشبثت بكل دقيقه معه. ذات المساء أذاع التلفزيون السوداني “لقد تم القبض على تاجر العملة مجدي محجوب” لم اصدق كلمات مثل” تاجر”” عملة”،”القبض” مرادفات لصفات مجدي وهي الحليم، الكريم الودود وأخرى تحكي عن شخصه غير ما نشر عنه.
هرولت لمنزل جدك محجوب لم أجد نورا أو حتى حياة بالداخل، خيم حزن وعتمة لم أشهدها في منزل من قبل، عدت الى بيتي ممنياُ نفسي بأن لا بد من وجود لبس ما، او خلط او كابوس مزعج سيزاح عن صدورنا قريبا، لم أفقه أن مصير مجدي قد دمغ بكراهية إبراهيم شمس الدين ومن معه. الى يومنا هذا لا ادر سبب هذا الكره و نعم قد سمعت بكل الاحاجي الموجوده في ساحه اللغط و التأويل شئ من المعقول وكثيرمن السخف الغير مقبول. جميعه لا يبرر التشفي في مقتل او قتل شخص كمجدي او أي كان ذاك الشخص. الكره يا إبنتي أداة أسقطت شعوب وأقامت حروب.
وهكذا مر شهر كامل بُنتي ونحن على أمل أن تفتح أبواب الرحمة ويطلق سراح مجدي، كل شئ خطر على البال إلا الإعدام. كل هذا والخرطوم في رعب لأن الكثير من المواطنين لديهم عملة والكثير يحضرون بالعملة الأجنبية، صاحب ذلك إجراءات معقدة وملئ فورمات لكل دولار داخل أو خارج من البلاد، وطبعا أغلبهم أجانب كانوا يتأففون من كل ذلك وأخيرا تركوا البلاد دون رجعة، تركوا البلاد ومعهم مشاريعهم التنموية، تركوا البلاد ليحل محلهم من لا يرحم ولايسوى شيئا من الخربين والدجالين يعاونهم رهط من الكيزان وذوي السلطة في المخابرات والجيش والشرطة، اصبحت هذه من أدوات القمع التى استعملها مواطن للتخلص من غريم له وحبكت على بعض السذج وقام الأمن بسرقة جميع ما يكنزون من عملة كما وكان الحال لجاري الذي أفني عمره في ليبيا وحضر للخرطوم ومعه بضعة دولارات قام إبنه المراهق ظنا انه سيساعد والده في صرفها في السوق، وكان كمين نصبه له أفراد من الأمن اخذوا جميع ما معه وتركوه يرتجف خوفا ما بين الخرطوم ومدني.
كانت أيام حالكة حتى يوم السادس عشر من ديسمبر 1989 حيث نشرت الصحف اليومية خبر شنق مجدي محجوب فجر ذاك اليوم. أى بعد شهر تماما من القاء القبض عليه. فقد اخذوا كفايتهم من الترجي والتضرع. أن صح القول, فشهيتهم للاذلال, لا حدود لها. وبعد الهرج والمرج في المنزل فهمنا أن الخبر غير صحيح، ربما لأننا اردنا تكذيب الخبر ولكن كان الخبر صحيحا وكل ما في الأمر هو تلذذ إبراهيم شمس الدين برؤية أهل سعوا لإطلاق سراح إبنهم، تشفى بمنظر سئ لأهل يتضرعون لإنقاذ إبنهم من الموت، هكذا انعدمت الإنسانية في ذاك اليوم، أذكر عمتك منيرة محجوب شقيقة مجدي الكبرى وقد صعدت لتجلس على رفرف العربة مصرة إنها لن تنزل حتى تراه بأم عينها في كوبر وهكذا ذهب الأهل والأصدقاء لرؤيته بكوبر، كان يضحك ولا أظنه كان ساذجا لانه كان يعلم بفداحة الأمر وكل المؤشرات تشير بأنه سيكون كبش فداء لسلطة عمياء بكماء، قابلهم مجدي مبتسما قائلا وهو يضع جريدة اليوم جانبا “أظنني أول إنسان يقرأ خبر موته في الصحف” وعاد من عاد لمنزل جدك وغمامة تطوف حول الجميع بما يخبئ القدر لنا في الساعات القليلة القادمة
أذكر حوالى الساعة الواحدة ظهرا وبعضنا وقوفا أمام المنزل بعد أن أنفض أغلب القوم لقضاء حوائجهم راجيين أن إعدام مجدي قد ألغيى أو أجل لإعادة النظر فيه. بينما نحن هناك حضر المرحوم عزت فرحات وكان على علم بدواخل الأمور، وابتدرنا بعد السلام “لا تأخذوا هذا الكلام وأنتم جالسين” بمعنى آخر أن إعدام مجدي حقيقة وسيكون صباح الغد إن لم يكن صباح اليوم كما أعلن في الصحف
كانت اصعب ساعات على الجميع فتفرق كل منا يحاول أن يجد مدخلا لأي من حكومة الإنقاذ وبما أن المعلومات عنهم كانت قليلة والسودان مجتمع تواصل وعلاقات، فقليل يعلم بمن يتصل حتى يصل الى احدهم مثل ما ورد في كتاب استاذنا الطيب صالح: من اين أتوا هؤلاء؟ فذهبنا لعمنا المرحوم بشير البكري ورأيناه بصحبة السفير الكويتي، وقد كانت دولة الكويت من الدول المرغوبة لدى النظام لما لها من سند وعون مالي للسودان، وحضر الاثنان ذاك المساء مكتئبين لما اصابوه من خيبه أمل، وكنا قد ذهبنا الى السفير الهولندي الذي كان عميد السلك الدبلوماسي في الخرطوم وقد قابلنا الرجل المهذب وكان قد اصطحب معه سبع سفراء أجانب لمقابلة البشير ومحاولة التشفع لمجدي، اذكر أن السفير لم يتكلم بل نظر أمامه وقد خيم على مكتبه حزن وألم واضح في وجهه، وبعد قليل ما كان منا الا أن نستأذن ونتابع محاولة الإتصالات. ذهبت في ذلك الوقت لخالك عدلي توفيق في مكتبه في التأمينات وطرقنا عشرات الأبواب، وفي طريقنا للرياض حيث كنا نقصد منزل حسن الترابي وبالطبع قد اصابنا ما اصابنا من اليأس فإذا بنا نرى سيارة علي عثمان محمد طه وهو خارج من الرياض في طريقه لشارع مدني، كان إسمه قد ردد بأنه له مكانة أقرب للإنقاذ من صاحبه واستاذه الترابي، اسرعنا لملاقاته فخرج الرجل من عربته والحق يقال فقد كان في غاية التهذيب بعد أن عرفناه بأنفسنا وغايتنا، انصت الينا ملياً وبامعان وبان عليه التأثير مما سمع ومن موقفنا كأسره، تلفت يمينا ويسارا ثم بادرنا بأنه لم يقابلهم حتى الآن، ولكن سيتصل بأحد يعرفهم ويحاول أن يفعل شيئاً. عندما قال أنه لم يقابلهم عرفنا أنه لن يفعل شيئا يذكر، وهذا على أمانته فربما حاول الرجل ولكن التيار كان أقوى من كل شئ. فالمؤشرات أكدت أن مجدي ميتا لا محالة الا بحدوث معجزة. حاولنا الإتصال بالرئيس حسني مبارك وعلى ما نقل الينا محادثه مبارك مع البشير ” بتعمل ايه يا عمر؟ (والمعنى الخفي هذا العداوة الضاربة بين حسني مبارك والإخوان المسلمين في مصر) و ما كان رد البشير غير هذا الجبن: “مضغوط والله مضغوط ياريس”، ثم قفل الخط
والذي كنت لا أعلمه بٌنه بأن جدتك هانم حسن والدة مجدي قد ذهبت الى القيادةالعامه مع والدتي، جدتك، فاطمة حسن، نعم كذلك كانت قرابة عمك مجدي لنا فهو ابن عّم و ابن خاله و صديق عزيز. الشاهد ان جداتك ذهبن لمقابلة عمر البشير بعد عودتهم من كوبر وأتفق أن والدك وهو
هنا يحكي لي ما لم أعلمه طوال الخمسة والعشرون سنة الماضية، بأنه ذهب لمقابلة البشير في القيادة ورتبته العسكرية تسهل له هذا، فقد كان قد اعفاه نميري من منصبه برتبه عميد بعد فشل حركه المرحوميين هاشم العطا و بابكر النور, وتعلمين أن والدك كان كتوما ومتواضعا في كل ما يفعل، حتى يتحقق له ما أراد يجاهر بما فعل، وهنا وهو في طريقه داخل القيادة العامة رأى جداتك، والده مجدي ووالدتى
يلوحن له من داخل عربتهم وإبتدرته جدتك هانم، بأن الرئيس لم يقابلهم ولكن أرسل لهم عن طريق مدير مكتبه بأنه عُفي عن مجدي وبأن مجدي سيعود لمنزله فلا تقلقوا يا حجات وعودوا الى منازلكم.
هل يوجد رياء أكثر من هذا؟ قد قرأت الأم نبأ إعدام إبنها هذا الصباح وقد كان كذب والآن يكُذب عليها للمرة الثانية بأن إبنها قد أفلت من الإعدام..
لم يرتح والدك يا بُنه لهذا, وأشتم فيه رائحة غدر، فوعدهم خيرا وبأنه سيعود الى المنزل من ورائهم، تابع مسيرته حتى وصل لمكتب مدير مكتب الرئيس وهنا يتابع سرده لي بأن يقول أن الشاب خلف المكتب وبعد أن عرفه والدك بنفسه فرح فرحا شديدا او بالأحرى إرتاح ارتياحا شديداً “كنت أبحث عن أحد لأعطيه تصريح الدفن” وهو الذي ابتدرت لك به هذا الخطاب. ثم أردف قائلا “وهو سوداني قُح: يا اخي ما ممكن ادي إذن الدفن لأمه أو خالتو !”. وعندما عاد والدك مكسوراً الى منزل جدك محجوب حاملاً تصريح الدفن رقم 191122 أ اخبر من الأهل والأصدقاء وأصدقاء مجدي بالساعة المشؤومة لإعدام مجدي، وبما أن حالة الطوائ لم تُرفع منذ الثلاثين من يونيو في ذاك العام يجب على كل من يريد دفن مجدي أن يأخذ إذن بذلك بما أن الإعدام سيكون مع الأذان الأول للفجر صباح الجمعه 1989 1217… وكان قد اُصدر قرار بأنه سوف لن يُسمح بأكثر من عشر أذونات في تلك الليلة. أكتب هذا والألم يعتصر قلبي تخيلي صغيرتي بأننا نستجدي حتى في طلب تواجدنا ساعه القتل و نوكل احدانا في احضار التصاريح كأنما ذاهبون للاستاد لمشاهده ماتش كره قدم او هى تذاكر مسرح عز وجود تذاكر للدخول لتلك المسرحيه و أي مسرحيه!
الهلع والمرض والمحاولات مستمرة لإيقاف إعدام مجدي لأنه أصبح الآن حقيقة،و قد صادف هذا تخريج دفعة من ضباط القوات المسلحة بإستاد الكره بأمدرمان، واذكر أن كثير من الأقارب وأصدقاء مجدي عزموا على الذهاب لتلك المناسبة والتحدث أو التصدي لعمر البشير ولكن جدتك والدة مجدي رفضت أن يذهب أحداً لمقابلة عمر البشير. فقد كانت الرقابة مشددة وكما هو متوقع فالأمن على إستعداد تام ولا أدري ما كان متوقعا أن يفعل عدد محدود من المدنيين أمام مسلحين مدججين بالسلاح، لهذا طلبت الحاجة هانم حسن من الجميع الا يذهبوا، وفي شرحها لي قالت” هذا ولدي ويمكن أن يموت ولكن ان مات اي أحد من الأهل او الأصدقاء فدمه يحسب علينا”، رأيت أن هذا غاية النبل، حتى في تلك الساعات القاتمة مازالت خالتي تتحلى بكل القيم والأخلاقيات التى انعدمت لدى قادة الإنقاذ، هكذا عرفناها طوال عمرها أطاله الله ووهبها الصحة والعافية.
كنا في ذاك الوقت مع اللواء اركان حرب معاش عبد اللطيف دهب في مكتبه بالخرطوم، وقد إتصل عشرات المرات بمكتب عمر البشير في القصر أثناء جلوسنا معه، وقد كان يُعتذر له في كل مرة بعذر أسوأ من سابقه، وهنا علمنا أن لا مفر الا بالعودة للمنزل. نظرت وأنا بباب المكتب بعد أن ودعت الرجل الذي خدم السودان بشرف ودافع عنه خير دفاع أصبح الآن لا كلمة له ولا حق وعزّ في نفسه عناء أم أحترمها وقدرها طوال حياته، كانت قد إغرورقت عيناه بالدموع. لهذا ولذاك ولأكثر من هذا لا يحق للإنقاذ أن تفعل ما فعلت.
و مع هذا فقد اصطحبت عمتك علويه مجموعه من الأهل و الصديقات ذهبن لمقابله البشير في دار الرياضه بامدرمان و كما سمعت لم يؤذن لهم بالدخول. فسلاحهم كان فتاك: تقويمهم الأمور بأضعف الأيمان الا و هو “اللسان”..
البقية بُنه هي ما قرأت من ذهاب جدتك تصحبها خالتي فتحيه العمده لملاقاة عمر البشيروأمه في منزلة تلك الليلة المشؤومة حيث مُنعت خالتي فتحيه من الدخول للقيادة العامة واذن لجدتك هانم فقط. و هكذا أصطحبت والدة مجدي لتشفع لها والده البشير اَي من والده الى والدة أخرى و قد ابتدرتها الحاجه هانم:”عندك ولد و أنا عندي ولد. ولدك الليله بيجي راجع ليك ولدي يمكن ما يرجع”. وقد وعدتها والدة البشير “كلمتو وقلت ليهو الولد ده كان ما رجع لأهله ما عافيه ليك” ولا ملامة عليها فابنها ضعيف ولم يؤدي بحياة مجدي فقط بل بحياة مئات الآف السودانيين في حروب وغزوات لم نستفد منها ولم تأتي لنا بغير الدمار.و عادت الحاجه هانم تطوي الم أم و قرآن لو فقهوه دجله الاسلام لما أعدموا مجدي. و للمره الثالثه و الاخيره كذب عليها..
وكانت الساعات الأولى لصباح الجمعة، قضينا يومنا كله نحاول إنقاذ مجدي والآن وجدنا أن مجدي ميتاً لا محالة وأقل ما يمكن أن نفعله نحن الأحياء أن نسير في جنازته، كنا نستاهل في تلك الليلة رمال جدتك الحاجة زهرة دَاوُدَ التى رشقتنا بها تعيرنا بأننا لست برجال لسماحنا بالعيش وهو يموت، منا ندرك جميعا أنها عاشت في قرن تُوخذ فيه العدالة بالقوة، والموت ولا الضيم والآن إختلت المعايير.
ها نحن بقصاد فجر شديد البرودة، منا من وقف يحكي قلقه مع مجموعة من الأهل والأصدقاء وأنوار سجن كوبر مسلطة علينا لتضفي طبقة من الحزن والقلق وعدم الفهم والتصور لكل ما يحصل. جلست وعمك محمد محجوب داخل عربته وهو يجتر ذكريات أخوه ويأسف على لعنة ميراث لم يق العائلة من حسد وحقد، ومصداقا لكلامه فقد كان إبراهيم شمس الدين يمر بعربته التايوتا من حين لآخر ليتأكد أن “الكورم” موجود لشنق مجدي.
في وقت من الأوقات فاض بي الكيل و كنّا نقف و ننتظر كأنا ننتظر مولود أو قدوم مسافر من غربه، و تغشيني العبره والاهانة وانا اذكر ذلك الان. ما كنت انتظر “سوبر مان” أو معجزه تشفع لمجدي و تخلصه من قدر محتوم. ولا ادري لماذا صرت اصيح كالمعتوه بإسم والدك “عاصم جمال….عاصم جمال” و اقرب تفسير لتصرفي هذا هو حزن و شرخ في انسانيه لم أعد اطيقها. والغريب في الأمر أن باب السجن فتح في نفس اللحظة وخرج علينا والدك، وواضح عليه انه مهزوز و تعلميين ان من الأشياء التى كانت تؤخذ عليه في حياته هو بروده و قل ما أبدا عن خوالجه أو مشاعره. وعندما رفع أياديه بالفاتحه علمنا ما كنا لا نريد أن نسمع أو نعلم. ويحكي لي عاصم، والدك، بعد خمسة وعشرين عاما بأنه في ذاك اليوم المشؤوم أجلسوه مع مدير السجن وعند آذان الفجر حضر الصول وأخبر والدك “يا ولدي عملنا ختة، الولد دا ولد ناس، اشترينا الحانوط وكفناه وصلينا عليه وجاهز للدفن…. ما تفتحوا وشو بالذات ليه أهالو. الزول المشنوق صعب شوفتو”.
ثم أردف” لوده كان زول تاني كان نغطيه ببرش وبنرسلوا ليه أهله”.
وضعت الجنازة في عربة وسرنا خلفه، استغربت سير خط الجنازة اذ بها تتبع عربة في مقدمه الركب كنت أظن لأحد أصدقاء مجدي وإذا بها عربه الأمن التى أصرت على أن يتبعها. تفاصيل دقيقه و مكتملة اتخذها الإنقاذ لجنازه مهمده تراى لو صوبوا نصف هذا الجهد في تقويم اقتصاد أو إصلاح مسار اما كان أجدر بهم. كانوا يخافون أن نستغل الجنازة للتحريض على مظاهرة أو شغب وهم لا يعرفون أن خواطر الجميع كانت مكسورة وموت مجدي كان فاجعة لا أستطيع وصفها. كنت أريد ان نقف بالجنازة أمام باب منزل القاضي، جلال الدين علي لطفي الذي وقّع على إعدام مجدي، فهو يسكن قريباً من منزل جدك سيد في شارع 17 العمارات. و قد ذهبت عمتك عايده و قريبه لنا لا اذكرها, لمقابلته و عادت بخُفي حنين. و قد كنت أريده أن يرى البؤس الذي وصل اليه السودان بمساعدته وهو صديق أهل النوبة إذ حكت لي خالتي فتحيه الصايغ زوجةعمنا القاضي صالح عتيق ونحن في مسيرة دفن مجدي, و قد اضناها السكري و هي تعرج ورغم توسلاتي بالعوده أو ركوب احد العربات فقد اصرت بالمشي في جناز مجدي. حكت لي
كيف أن العم عتيق أوصاهم بهذا القاضي خيراً حين كان طالباً في لندن يسكن في غرفة صغيرة قريبة من منزلهم. وختمت حديثها “وده جزائنا”
و لن أزيد على دور قاضي القضاه في مقتل مجدي فهو قد توفى الى رحمه مولاه و لا يسعني غير شكر الاخ سعيد حمور الذي ذهب لرؤيته فيما يختص بإعدام مجدي. وأما لصلاح كرار، الذي أقر في لقاءه التلفزيوني مع صديقي محمد جلال ، “ان مقتل مجدي كان ظلم”. فلست سهلا لشاهد من اَهلها ان يشهد بادانتها. فهوما زال مسوؤل و سيكون كذلك حتى زوال كابوس الإنقاذ.
لا استطيع تكملة وصف وصول جنازة مجدي
لمنزله ومقابلة والدته وإخوته لها، لا يوجد كلام يمكن أن يصف حالة الحزن والشقاء الذي عم تلك العائلة. و اصدقيني ابنتي الغاليه عندما أقول ان الأمن و قف بعرباته التايوتا امام الباب يستمعون الأغاني و يأتنسون كأنهم في ليله عرس. لا ادر ما كان المتوقع: أن ندفنه في ليلتنا تلك؟ ومن كان مسؤول عن تلك الاوامر؟ ظلم مجدي في حكمه وظلم قبل موته و في موته والان تعاقب والدته واخوته واهله و احبته و إصدقائه لحدادهم عليه. ان تمنيت شىء اتمنى حضور هؤلاء الصعاليك, و اعني الكلمه, لأن هذا ما كانوا, ليحاكموا بقتل عنصر اساسي في تقليد سوداني طالما افتخرنا به, و مُحى محيا تاما بحلول الانقاذ,خصله كانت تسمى” بالانسانيه”.
و لم يكتفوا بهذا, ففى اليوم التالي لاعدام مجدي, أفرغت اربع اوخمس “كوامر” كامله لأمن الدوله, بملابس مدنيين تفرقوا بيننا و نحن نسير خلف جناز مجدي.عجبي لمفردات يختارونها: “ألأمن”, “ألانقاذ” و لم يجرنا الاول و ننتظر فرج من الثانِ. هل كانوا يخافون ان يبعث مجدي من مرقده أم وجدوا تّشفى في أسره طالما كان لها كل شيء و يجب ان يقاسوا كغيرهم؟ سألني احدهم ببسمه صفراء “أيه رأيك في الحكومه؟” و بان عليه الذهول و عدم الفهم عندما أجبته بسؤلى “و ينا الحكومه البتتكلم عنها دي”. كانت جنازه حزينه ولأول مره تشارك فيها كل عماتك و خالاتك و الأهل و كثير من النساء لا علاقه لهم بِنَا غير تأثرهم لما آلت اليه العائله. اشكر زميلاتي و سناء بالمجلس و الذين شاركن في ما أضحت مسيره.
و لم يكن سهلا ان نرى الدكاكين و المحلات التجارية في نمره ٢ تغلق عند مرور الجنازة و كذلك اغُلقت بعض المغالق في سوق أمدرمان كما حكى لى نسيبنا و عمك المرحوم مصطفى مدني و الذى كان بامدرمان ذاك الصباح و سأل صاحب محل يسدل الباب على مغلقه و لا علاقه له بمجدي أو باهله: “والله الولد الحلفاوي ده وجعني”.
و هكذا كانت وجعه أمه و قد و صلنا مقابر فاروق فى العمارات حيث دُفن، و أصبحت الطرقات جميعها مقفوله و كثير نزل من عربتهم لأجر حمل الجناز و هذا هّز الجميع و صاحت عمتك سعيده بقامتها الفارعه بالنوبي:”جو. جوى. جو”. تحفز الجميع لاعلاء اصواتهم. و حتى تلك أللحظه مسيره صامته الا من بكاء مكتوم أو تشّهد مسموع. و رأيت في تلك اللحظه شباب يقفذ من شبابيك البصات و يسير معنا و هو يهتف مع الهاتفين و يكبر مع المكبرين. و التفت لبعض النساء داخل البصات و كانوا اغلبهم يبكون في صمت و كذالك .
كانت العودة في صمت تام و اقترحت على السيدات وتوسلت كبارهم ركوب السيارات وكان رفضا باتا. فقد كانو ضعفاء في رد الموت عن مجدي و لكن الان قوتهم في صمودهم واجتماعهم عزاءهم وحزنهم اصدق مشاعرهم.
وبعد أن استعادت جدتك هانم أنفاسها وبالتشاور مع خالتي فتحية التى أحضرت (قرمصيس) وروائح وعطور زفاف، واطلقوا البخور حول الجنازة ووقفت في طرف الجنازة تقول باعلى صوتها “عريس….ماشي عريس” لم يكن هناك صوت بكاء بل دموع تترقرق دون إنقطاع لست لمجدي فحسب بل لإنعدام العدل والقضاء وإنعدام الدين وقد كانت ليله عرس مجدي كما ارادت له والدته و كل و الده و رفضت الحاجه هانم ان يأخذ الانقاذ تلك الامنيه الاخيره منها. لن يكون لمجدي “الحور” فهم موعودون لرهط من المساكين طالما اسُتغلوا و اسُتغفلوا طوال حياتهم. سيكون لمجدي مثوى حسن يعادل كم حسناته و دماثه اخلاقه التي عرفها كل من كان حوله خلال حياته القصيره و سيترك انتقام من افجعوا قلب والدته لرب قادر.
إن سألوك أين كان والدك حينما أعدموا مجدي قولي: كان يحاول أن ينقذه حتى آخر لحظة، وإن سألوك فإن أمنيته أن يعيش حتى يقاضي كل من كان له دور في قتل مجدي.
المنية لم تمهله للأسف ليحقق ما تمناه، فقد كان أعلمنا بكل تفاصيل ودقائق الإمور. عزاؤنا الآن أن يحاسب جميع من كان له يد في مقتل مجدي في الدنيا قبل الآخرة، وكما تعلمي فقد نال بعضهم قصاصهم في الدنيا وآخرين ينتظرون.
لك كل الحب بُنتي
وللوطن محبه و امنيه بحسن مسار
عمو عارف جمال محمد أحمد
لكم يوم يا كلاب الانقاذ الضالة,,, لك الرحمة و أعلي الجنان يا شهيد الشباب في هذا العهد الغيهب,,, أبي كذلك توفي بحسرته من هذه الحكومة المنحطة حيث تم سلبهم محلاتهم التجارية التي أسسها آبائهم بحر مالهم و كدحهم و شقائهم,,, هكذا بكل دم بارد استولوا عليها و تركوهم لحسرتهم القاتلة,,, لنا ثأر منكم لن نتركه و لو طال الأنتظار فحسرتنا في فقد والدنا لا تضاهيها فاجعة,, و يومكم اتي بلا ريب
هذه جريمة ضد الإنسانية والله العظيم بالتلاتة !!!!!!!
جريمة لات تسقط بالتقادم . هؤلاء حرقوا السودان الوطن و الإنسان و ادمو القلوب و كسرو النفوس و حطمو كل شىء ينبض الحياة و الخير.
نسأل الله أن يرينا فيهم يوما أسودا كسواد أفعالهم و نواياهم الخبيثة.
نتمنى أن تكون هناك محاكم لرد حقوق الناس بعد كنس هذه الرجرجة و الغوغاء
حسبي الله ونعم الوكيل
عادة لا اقرأ المواضيع الطويلة لكن قصة اعدام ابنكم و ابننا ابكتني جدا .. ربنا يرحمه و ينتقم من السفلة المجرمين
ربنا يأخذ حق كل من قُتل أو سُلب حقاًفي الدنيا قبل الآخرة. اللهم أرنا في عصابة المؤتمر الوطني يوماً كيوم عاد وثمود45
سيقدمممموا الى محكمه مكتوب على بابها ايها الظالم لاتتكلم
الرحمه والمغفرره للمرحوم مجدى محمد احمد والعار للسفله المجرمين
اعداء الدين والانسانية ابناء الهوم لس
تقبله الله بواسع رحمته وجعله من أصحاب اليمين
والمجد والخلود لشهداء السودان
رحم الله مجدي الإنسان العفيف النظيف الصادق العطوف
وتحيه خاصه لأخيه البطل الصابر المكلوم . مرعي
ولي أفراد أسرته .
الموت والعار لإنقاذ ولصوص الإنقاذ ومنتفعي الإنقاذ وكلاب الإنقاذ
نسأل الله أن يرينا فيهم أية من آياته عاجلا أو آجلا
ان الله يؤخرهم ليوم تشخس فيه الابضار
الشعب لن يتنازل فى دماء الشهداء !!حتى المقبورين منهم ندعو لهم بالهلاك .. وان غدا لناظره قريب ..تحياتى لابن سرةشرق..
لكم يوم يا كلاب الانقاذ الضالة,,, لك الرحمة و أعلي الجنان يا شهيد الشباب في هذا العهد الغيهب,,, أبي كذلك توفي بحسرته من هذه الحكومة المنحطة حيث تم سلبهم محلاتهم التجارية التي أسسها آبائهم بحر مالهم و كدحهم و شقائهم,,, هكذا بكل دم بارد استولوا عليها و تركوهم لحسرتهم القاتلة,,, لنا ثأر منكم لن نتركه و لو طال الأنتظار فحسرتنا في فقد والدنا لا تضاهيها فاجعة,, و يومكم اتي بلا ريب
هذه جريمة ضد الإنسانية والله العظيم بالتلاتة !!!!!!!
جريمة لات تسقط بالتقادم . هؤلاء حرقوا السودان الوطن و الإنسان و ادمو القلوب و كسرو النفوس و حطمو كل شىء ينبض الحياة و الخير.
نسأل الله أن يرينا فيهم يوما أسودا كسواد أفعالهم و نواياهم الخبيثة.
نتمنى أن تكون هناك محاكم لرد حقوق الناس بعد كنس هذه الرجرجة و الغوغاء
حسبي الله ونعم الوكيل
عادة لا اقرأ المواضيع الطويلة لكن قصة اعدام ابنكم و ابننا ابكتني جدا .. ربنا يرحمه و ينتقم من السفلة المجرمين
ربنا يأخذ حق كل من قُتل أو سُلب حقاًفي الدنيا قبل الآخرة. اللهم أرنا في عصابة المؤتمر الوطني يوماً كيوم عاد وثمود45
سيقدمممموا الى محكمه مكتوب على بابها ايها الظالم لاتتكلم
الرحمه والمغفرره للمرحوم مجدى محمد احمد والعار للسفله المجرمين
اعداء الدين والانسانية ابناء الهوم لس
تقبله الله بواسع رحمته وجعله من أصحاب اليمين
والمجد والخلود لشهداء السودان
رحم الله مجدي الإنسان العفيف النظيف الصادق العطوف
وتحيه خاصه لأخيه البطل الصابر المكلوم . مرعي
ولي أفراد أسرته .
الموت والعار لإنقاذ ولصوص الإنقاذ ومنتفعي الإنقاذ وكلاب الإنقاذ
نسأل الله أن يرينا فيهم أية من آياته عاجلا أو آجلا
ان الله يؤخرهم ليوم تشخس فيه الابضار
الشعب لن يتنازل فى دماء الشهداء !!حتى المقبورين منهم ندعو لهم بالهلاك .. وان غدا لناظره قريب ..تحياتى لابن سرةشرق..