المُضطر (بركب) الصعب.. (سمسم القضارف) وبيع الكاش بالشيك!!

القضارف: مُحمّد كبوشية
بينما أكرمتهم السماء بالغيث.. (بخلت) السِّياسَات النقدية على مُزارعي القضارف بتوفير السُّيولة التي تُمكِّنهم من حصد ما زَرعوه من مَحاصيلَ، وهنا فقط دخل (شيطان المال) فزيَّن للبعض (امتهان) تجارة لم يَسمع بها المُزارعون منذ أن عرف الناس الزراعة، ألا وهي بيع الكاش بالشيك في عملية يُمارس فيها من يمتلكون (السُّيولة) أبشع أنواع الابتزاز للمُحتاجين من المُزارعين وغيرهم.
في وََضحَ النَّهار
(القصة دي بقت على عينك يا تاجر).. عبارة استهلّ بها المزارع “ياسر علي الصعب” حديثه لـ(السُّوداني) حول انتشار ظاهرة (بيع القروش بالشيك)، فبعد أن مَنّ الله تعالى عَلَى المَنَاطق الزِّراعية بمُوسمٍ نَاجحٍ فَاقَ المََقاييس المُتوقّعة بزراعة اثني عَشر مليون فدان بمحصُول السِّمسم في البلاد ? حَسبما أورد تقريرٌ صَادرٌ عن وزارة الزراعة الاتحادية ? وبالعودة إلى بداية المُوسم الزراعي، نجد أنّه برغم العثرات التي صَاحَبَت عمليات التّحضير للزراعة بتوفير الجازولين والمُدخلات الزراعيّة والتي تَجاوزتها الدَّولة بعد مُعاناةٍ، ياسر يقول إنّ الجميع وجد نفسه أمام ورطة حقيقيّة لحصاد وتسويق محصول السمسم الوفير لتطل برأسها ظاهرة خطيرة أصبح لها سُوقٌ مُنظّمٌ وجماعات يقودون المضطر إلى غياهب السجون بالكسر والكتفلي بسبب شُح السُّيولة وعدم التزام البنوك بتوفير النقد الكَافي لشراء وَبَيع المَحاصيل، وأشار ياسر إلى أنّ الدولة وفّرَت أموالاً طَائلةً لعمليّات الحصاد ولم تَكفِ المُزارعين لتشتد الأزمة الآن في عمليّات التّسويق.
سُوق المَحاصيل
زيارة واحدة لأسواق محاصيل القضارف تضعك أمام وَاقعٍ غَريبٍ وخَطيرٍ تتمثل فيه العمليّات الربوية بكامل فُصُولها، فتوجد ثلاثة أسعار لبيع المحصول، هنالك سعر للبيع عبر الكاش وسعر للبيع عبر الكاش والشيك بمعنى دفع جُزءٍ من المَبلغ وكتابة شَيكٍ بالمُتبقي، وهُنالك سِعرٌ للبيع بالشيك والفرق في الأسعار الثلاثة يصل إلى ثلاثة آلاف جنيه، ويرى المُزارع أحمد عبد الرحيم العوض أنّ هذا الأمر قَد سَبّبَ ضرراً كبيراً للمُزارع، وأنّهم يعيشون في قلقٍ يومي، خَاصّةً وأنّهم سيتّجهون إلى حصاد محصول الذرة، وأضاف: (نُواجه جشع التجار والربا والسّماسرة في ظل أزمة سُيولة جعلتنا نَخسر كَثيراً).
بين الإعسار والمُعاملات الربويّة
وكَشَفَت جولة لـ(السُّوداني) داخل سُوق القضارف، عن انتشارٍ كبيرٍ لعمليات بيع الكاش بفرق 30 جنيهاً حيث يمنح (المُرابي) الشخص المحتاج مبلغ 900 جنيه على أن يكتب له شيكاً بمبلغ 930 جنيهاً مع نشاطٍ واسعٍ لعمليات الكسر و(الكتفلي) بسلعتي السُّكُر والذرة.
وَقَالَ مُواطنون إنّهم في السَّابق كَانُوا يَعلمون أنّ هنالك عمليّات رَبويّة تتم على السّلع التّموينيّة الضروريّة، لكن الآن تشهد القضارف مُوسماً يضج بالتعامل الربوي المُخيف في المحاصيل الزِّراعيَّة.
المُزارعون الآن في القضارف يُواجهون خطر الإعسار والعَمليّات الربويّة التي أصبحت ثمة أساسية من أجل توفير النقد والسُّيولة للمُزارع في ظِل مُعَانَاة حقيقيّة للإيفاء بالتزامات العُمّال والتّرحيل والخيش والوقود الذي عَادَت أزمته تَطل من جديدٍ مِمّا تُهدِّد عمليات حصاد الذرة في الأيام المُقبلة، حيث يرى مُزارعون تحدّثوا إلينا أنّ تفشي المُعاملات الربوية أضحى عُنواناً لمُعظم المُعاملات التِّجارية بأسواق القضارف.
ولم يستبعد مُواطنون أن يكون الهطول الأخير للأمطار في القضارف بنسب تَراوحت ما بين (50 ? 100) ملم بالرغم من انتهاء عِيَن الخريف الا رسالة تحذير لإعادة صلة العباد بالمولى عز وجل، خَاصّةً وأنّ كميات كبيرة من محصول السِّمسم تضرّرت بنسبٍ كبيرةٍ بسبب هُطُول الأمطار.
المجلس التشريعي يتفرَّج
الصافي العوض المُزارع وعضو تشريعي القضارف قال لـ(السوداني)، إنّ الأمر صَارَ خَطيراً ووصل إلى مُستوى مُخيفٍ من الاستغلال لحاجة المُزارعين للسُّيولة.. وأبدى العوض استغرابه من وجود أموالٍ ضخمةٍ عند أشخاص مُعيّنين يقومون بالشراء يومياً، مُتسائلاً من أين يأتي هؤلاء بالكاش؟ وهَل هُنالك بنوكٌ تمنح الأموال لجهات بعينها؟ وأضَافَ أنّ الأمر أصبح تَعاملاً ربوياً واستغلالاً للحاجة.. وحَول سُؤال للصحيفةٍ بشأن الخطوات التي اتّخذها تشريعي القضارف لإيجاد حُلُولٍ لهذه الأزمة، قال الصافي إنّ المجلس لم يتّخذ خطوات تجاه هذا الموضوع حتى اللحظة، ووصف مُراقبون موقف المجلس التشريعي بالضبابي في ظل انشغال قياداته هذه الأيام بصراعٍ جديدٍ حول توزيع مقاعد رئاسة اللجان بالمجلس.!
هيئة العُلماء تُحذِّر
هيئة العلماء بالقضارف حذَّرت من هذه المُعاملات الربوية بإقامة عَدَدٍ من النّدوات بالهيئة، وتناول أئمة المساجد خُطُورة التّعامل الربوي وحُرمته، مُطالبين في خُطب الجمعة بتدخُّل الدولة وفَرض هَيبتها في ظل غياب الضَوابط والرِّقابة على الأسواق.
وأشار الدكتور مُحمّد الطيب الأزرق عُضو هيئة عُلماء الولاية، عَميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة القضارف إلى أنّ ضعف الوازع الديني والرقابة أفضى إلى هذا الواقع حتى حلّت الكوارث والسُّيول وهطلت الأمطار في غير موعدها.. وقال الأزرق (إن الله ينزع بالسلطان ما لا ينزع بالقرآن)، داعياً إلى ضرورة إظهار قوة الحاكم في هذا التوقيت تحديداً بتفعيل القوانين التي تمنع الربا والثراء والحرام.
السوداني