الجناة خططوا لخطف أقارب البشير لفداية ابنهم.. المساومة تهدد سودانيين محتجزين في ليبيا

الخرطوم: أحمد فضل
الوصول إلى قرية “أم حجار” بولاية الجزيرة (جنوب الخرطوم)، التي ينحدر منها اثنان من سبعة سودانيين ظهروا في مقطع مصور مؤخرا بأيدي مسلحين قالت مصادر سودانية إنهم من جنوب ليبيا؛ لم يكن يسيرا، فثمة نحو 57 كيلومترا من طريق ترابي كان يجب اجتيازها.
هنا في خضم بيوت مشيدة من الطين، ثمة بيتان تحولا إلى مأتمين، فكل رجال ونساء القرية يتجمعون فيهما يواسون الأسرتين على هذا المصير الذي حل بولديهما، وهما يرزحان تحت رحمة جلاديهم.
كان منزل أحد الرهائن محمد عبد الباقي مرجي (عشرون عاما) يغص بالزائرين والزائرات، والده الذي يجلس بين رجال القرية ويتوسط أبناءه ابتدر حديثه للجزيرة نت بأن ابنه محمد يعول أسرته التي تضم بنتين وخمسة أولاد، كلهم في المدارس.
ويمضي قائلا إن “محمد تكبد المشاق وسافر عبر البر إلى ليبيا حتى يعيل أخوته، لقد جاهد وشق الصحراء منذ عشرة أشهر من أجلنا”.
أما خال الرهينة، ويدعى محمد الأمين فقد بدا متحسرا على الطريقة التي خطف بها، موضحا أن ابن اخته كان طريح الفراش لإصابته بالملاريا عندما داهمه الخاطفون منتزعين محلولا وريديا كان يتلقاه عبر الوريد.
مشهد متكرر
في منزل النور علي آدم يتكرر المشهد نفسه، فابنه قصي (21 عاما) بدوره مختطف في تلك الصحراء النائية. والده يقول إن قصي هو من يساعده على تربية عشرة من الأبناء، فضلا عن توفير العلاج له ولزوجته، ويضيف “منذ أن شاهدنا مقطع الفيديو امتنع أهل البيت عن الأكل والشرب”.
سعاد مصطفى والدة قصي لا تكف عن ترديد “ولدي، سندي، خيار البيت… أدعو الله أن يلم شملنا ويعود لأحضر زواجه”.
أما بقية الرهائن فهم خمسة شباب من قرى حول مدينة “24 القرشي” الواقعة في الجنوب الغربي لمشروع امتداد المناقل الزراعي التابع لمشروع الجزيرة على بعد 112 كيلومترا من العاصمة الخرطوم.
من هذه المنطقة يقبع في الرهن كل من بابكر عبد المطلب من قرية “غنيوة”، وعابدين عباس من قرية “الياس”، وسيف محمد من شرق المناقل، وبلل الطريفي سراج من “حلة بشير”، وحمزة الفضل إبراهيم من قرية “الشويرف”.
أصغرهم سنا هو عابدين “18 عاما”، ويقول شقيقه علي للجزيرة نت عبر الهاتف إن عابدين سافر إلى ليبيا ليساعده في تحمل مسؤولية الأسرة
ويناشد علي السلطات السودانية الاهتمام بالقضية، محذرا من أن “كل القرى هنا شاهدت الفيديو، ويقولون إذا الحكومة لم تهتم بالقضية ستكون قد أهملت كل الجزيرة”.
وكان الفتية السودانيون السبعة ظهروا في مقطع فيديو، وهم مقيدون بالسلاسل، وتبدو المساومة حاضرة أكثر من كون الاختطاف طلبا لفدى مالية، كما جرت العادة في تلك الصحراء.
وبين مصدق ومكذب، تعامل نشطاء مواقع التواصل مع المقطع، لكن رويدا رويدا تكشّف أن القصة حقيقية، شخوصها شباب من منطقة واحدة في ولاية الجزيرة بأواسط السودان.
إقرار حكومي
وازدادت فرضية صحة الموضوع بإقرار وزير الداخلية أحمد بلال بالحادثة، ووعده في تصريح للمركز السوداني للخدمات الصحفية الثلاثاء الماضي بإنقاذ الرهائن، كما تعهد رئيس لجنة العلاقات الخارجية والتعاون الدولي بالبرلمان محمد مختار بأن تكون القضية ضمن أولويات المجلس.
ويقول رئيس لجنة مشكّلة من ذوي المخطوفين علي محمد أحمد الحسن، وهو ممثل الدائرة التي ينحدر منها المختطفون، للجزيرة نت إنه فور تلقيه شكاوى من أهالي دائرته استوثق من الحادثة، ومن ثم أجرى اتصالا رسميا بالخارجية عبر وكيل الوزارة ياسر خضر، وبعدها خاطب لجان الدفاع والعلاقات الخارجية والتشريع والعدل في البرلمان.
ولم تتضح ماهية أو نتائج الجهود والاتصالات التي تضطلع بها الحكومة حتى الآن، لكن الحسن يؤكد أن الدولة في أعلى مستوياتها تهتم بالقضية، وتجري تحقيقاتها، وتسارع الخطى لفك أسر الرهائن بأسرع ما تيسر.
وأظهر مقطع بثه الخاطفون الرهائن وهم يسيرون في منطقة صحراوية مقيدين بالسلاسل في حراسة مسلحين، وهم يطلقون مناشدات للرئيس البشير بإطلاق سراحهم ويلومون القنصل السوداني لعدم الاستجابة لاتصالاتهم.
مثلث الرعب
وروى شاهد عيان للجزيرة نت عبر تطبيق واتساب ملابسات اختطاف الرهائن من منجم “كلمنجا” الواقع -بحسب قوله- على مثلث حدودي نائي بين ليبيا وتشاد والنيجر.
وألح الشاهد على عدم ذكر اسمه؛ فهو في منطقة خطرة، والخاطفون عيونهم تملأ المكان، ويؤرخ لبداية القصة بالأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما ولج المنجم أحد السكان المحليين يسأل الناس خلسة عن أقرباء للرئيس عمر البشير من ولاية الجزيرة، بغية خطفه ومساومة السلطات السودانية لإطلاق نجله الموقوف بالخرطوم على ذمة جريمة قتل.
أبلغ عمال المنجم السائل بأن ثمة شبابا من منطقة الجزيرة بعضهم يعمل في التجارة وآخرون يعملون في مطعم يخدم عمال التنقيب عن الذهب، لكن ليست لهم علاقة بالرئيس.
ويمضي الشاهد في روايته قائلا “في ذلك اليوم فقدنا (بلل) وظللنا نبحث عنه لمدة أسبوع دون جدوى، ثم بعدها وصل الشخص نفسه ذات مساء بعد توقف عمل الآليات في المنجم مع ثمانية مسلحين واقتادوا ستة آخرين، كلهم من ولاية الجزيرة.
وجزم شاهد العيان بأن الخاطفين من إحدى القبائل الليبية واسعة النفوذ في منطقة المنجم، وهم لا يريدون فدية مالية، لكنهم -بحسب أقرباء للخاطفين- يعتزمون مساومة الرهائن بأحد أبنائهم الموقوف في جريمة قتل اهتزت لها الخرطوم قبل أشهر وراح ضحيتها اثنان من تجار العملة، عبر قتلهم وتقطيع أوصالهم.
المطالبة بتدخل الحكومة السريع هي كل ما طلبه الشاهد، متخوفا من تنفيذ الخاطفين تهديدهم بتصفية الرهائن في حال الحكم بإعدام ابنهم ضمن المتورطين في جريمة قتل تاجري العملة.
المصدر : الجزيرة