مصانعنا وسياسة الدمار، أسماء محمد جمعة

الخميس الماضي نقلت (التيار) خبراً لا يُمكن المرور عليه دون التّوقُّف عنده، فهو لا يثير الدهشة والحيرة والحزن والغضب مثل كل الأخبار التي تنقل عن هذا الوطن المكلوم يومياً، بل يُثير الرعب لأنه يعكس أننا أمام كارثة تنذر بأن السودان قريباً سيصبح دولة بلا مصانع رغم أنه مُؤهّلٌ لأن يكون دولة صناعية بامتياز والسبب سياسات الحكومة.

الخبر يقول: كشفت دراسة حديثة عن توقف “200” مصنع من جملة “250” مصنعاً بمنطقة الباقير الصناعية تمثل “80%” وأن الأمر يعود لعدم وجود إدارة مختصة للمنطقة الصناعية الباقير مما أدى إلى تعدد الأجهزة التنفيذية التي تمتلك قوانين تمكنها من التعامل في المنطقة الصناعية دون تنسيق أو رؤية موحدة لإزالة المشاكل، إضافة للضرائب والرسوم التي تبلغ “19” رسماً، وتمثل “54%” منها من تكلفة العملية الإنتاجية، بجانب تعدد الرسوم والجبايات، وتعاني المنطقة من مشاكل وتحديات منها عدم وجود حماية أمنية للمنطقة، وأشارت إلى أن المصانع المُغلقة أصبحت أوكاراً للمتفلتين، بجانب عدم وجود صرف صحي ووحدة مطافئ ومكب نفايات، خبر مخجل فعلاً يعكس مستوى الحكومة تماماً.
وما يجدر الإشارة إليه هنا أن هذه ليست الدراسة الوحيدة وإنما أكدت هذا الأمر تحقيقات صحفية سابقة لعدد من الصحف، ففي العام 2017 كشف تحقيق لصحيفة “الانتباهة” نفس المعلومة بذات الأرقام، وأن تلك المصانع تشمل مصانع الأسمنت والزيوت والمنتجات الطبيعة والجلود والصناعات الحيوية والأثاثات والغلال ومصانع الألمونيوم والأعلاف والاسفنج وغيره.

في العام 2016 أيضاً كشفت صحيفة أخرى لا أذكرها في تحقيق لها أن هناك أكثر من 3 آلاف مصنع في جميع أنحاء السودان توقّفت عن العمل تماماً والسبب يعود إلى الضرائب التي تفرضها الحكومة على المصانع.

تحقيق آخر في العام 2016 أجرته “الصيحة” كشفت خلاله أن عدد المصانع المتوقفة في كل الخرطوم 2106 يبلغ إجمالي المشاريع الصناعية 5490 يعمل فيها 93152 عمالة وطنية و3210 عمالة أجنبية، وعليه توقف أي مصنع هو (ميتة وخراب ديار) على المجتمع.

لا شك أن الهدف من قيام كل هذه الجهات بهذه الدراسات والتحقيقات هو تنبيه الحكومة إلى خطورة الوضع ولكن لا حياة لمن تنادي وكأن الأمر ليس من مهام الحكومة، في شهر أبريل الماضي حذر رئيس غرفة الصناعات الغذائية عبد الرحمن عباس من آثار قرارات بنك السودان الأخيرة بمنع الاستيراد والتي قال إنها ستتسبب في انهيار الاقتصاد السوداني وإغلاق المصانع وكشف عن نقص حاد في المواد الخام ومدخلات الإنتاج الصناعي، واتهم بنك السودان المركزي بعدم تفاعله مع القضية (شفتو كيف)، بنك السودان يثبت أننا لا ندين الحكومة من فراغ.!
اتحاد الغرف الصناعية باستمرار ينبه الحكومة إلى أن نشاط القطاع الصناعي سيتوقّف بسبب سياساتها المعوِّقة للإنتاج وإنه لم يعد قادراً على التعامل معها ويُطالبها بتغيير هذه السياسات ولكن لا حياة لمن تنادي .
السؤال الذي يفرض نفسه هنا لماذا تصر الحكومة على اتباع سياسات لا تساهم في دعم الصناعة؟ ما الذي يضيرها إن غيرت سياساتها المعوقة للإنتاج؟ هل تكره أن يكون السودان منتجاً؟ أعتقد أن الإجابة نعم فليس هناك ما يُبرِّر ما تقوم به.
عموماً مشاكل الصناعة وإصرار الحكومة على عدم اتخاذ سياسات تسهم في تشجيع التصنيع وتطوير القطاع الصناعي يدل فعلاً أنها حكومة دمار لا إعمار ويجب التصدي لها.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..