إلا الزراعة لا بواكي لها!

 

محمد التجاني عمر قش

“درب السافل جبده
بنشف دم الكبده
أخير الزارع لقده
يحاحي الطير ما ينقده”


هذه الكلمات البسيطة تعبر بوضوح عن أهمية الزراعة باعتبارها البديل الأمثل عن كافة الأنشطة البشرية الأخرى من ترحال وسفر وضرب في الآفاق! وشاهدنا هنا قول الشاعرة: “أخير الزارع لقده”. و”اللٌقُد” كلمة دارجة في دار الريح يقصد بها نوع من الزراعة يكون عادة في مصبات الأودية أو في أماكن تجمع المياه في الأراضي “السيس” أو الطينية بعدما يجف الماء أو ينحسر عنها. واللقّاد هي “جباريك” صغيرة تزرع فيها محاصيل متنوعة مثل عيش “الماريق”، وهو نوع من الذرة الحمراء، بجانب البامية والبطيخ واللوبيا، وهي بالتالي تمثل تشكيلة غذائية ونقدية مجزية للمزارعين في تلك المناطق.  ونظراً لخصوبة الأرض وسهولة الزراعة وقلة التكلفة تعتبر زراعة اللقّاد من مصادر الدخل الشائعة في المنطقة. وإذا كانت هذه المرأة البسيطة قد أدركت أهمية الزراعة فما بال المسؤولين يغفلون عن ذلك؟ عموماً، إن وضع الزراعة في محلية غرب بارا، لا يزال يرثى له! وهنالك عقبات ومتاريس عديدة تعوق وتعطل العمل في الزراعة، منها ما هو بشري، وما هو إداري ولوجستي. أول تلك المعوقات البشرية هو السيد مدير قسم الزراعة في رئاسة المحلية في أم كريدم، الذي يبدو أنه لا يرغب في ممارسة أي نشاط زراعي في هذه المحلية، ولا يرغب في التشجيع أو المساعدة، وقد دس كل المحافير، والشواهد على ذلك كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، أن السيد المعتمد قد وجه بافتتاح مكتب زراعي، وعين مهندسين زراعيين للعمل في إدارية دميرة، في منطقة الخيران، وهي الإدارية الوحيدة التي توجد بها سواقي، وقام الأهالي بكل ما هو مطلوب لافتتاح المكتب من توفير للمقر وسكن المهندسين وغير ذلك من المتطلبات، إلا أن السيد مدير القسم ظل يماطل حتى انتهى موسم العروة الشتوية وقضت الآفات على محصول الطماطم، وخرج المزارعون صفر اليدين بعدما صرفوا “دم قلوبهم”! وحتى يومنا هذا لا يزال المكتب الزراعي بإدارية دميرة ينتظر قدوم من يأخذ بيد المزارعين ويقدم لهم النصح والإرشاد الزراعي فهل من معين يا ترى؟ أما من الناحية اللوجستية، هل يعقل أن يكون سعر برميل الديزل ما لا يزيد عن ألف ومائيتين جنيه، بعد انفراج أزمة الوقود، ولكن يطلب من المزارعين دفع مبلغ ألفي جنيه عن كل برميل كتكلفة ترحيل، علاوة على سعره الرسمي! عموماً، تحدث بعض المزارعين مع المدير التنفيذي للمحلية وقد وعد بالتحري في هذا الأمر غير المقبول! إدارياً، منطقة الخيران تعاني من التقسيم الذي جعل بعضها يتبع لمحلية بارا والبعض الآخر لمحلية غرب بارا وقد انعكس ذلك سلباً على جهود المزارعين حتى أنهم لم يستطيعوا تكوين اتحاد من شأنه المطالبة بحقوقهم النظامية والفنية كغيرهم من المزارعين في مناطق السودان الأخرى.

ونتيجة لذلك لم تتطور الزراعة، بل تدهورت، في هذه المنطقة التي تتوفر لها إمكانيات ضخمة من حيث المياه والأرض والمناخ والأيدي العاملة. ومن جانب آخر، يعتبر فرع البنك الزراعي في بارا، وهو الوحيد في المنطقة، معوقاً رئيساً للزراعة؛ لأنه لا يقدم ما هو مطلوب منه إلا عبر الوسطاء، وكثيراً ما يلجأ للزج بالمزارعين في غياهب السجون لمجرد التعثر في السداد، وما تجربة زراعة البطاطس قبل سنوات قليلة ببعيدة عن الأذهان! أما بنك الثروة الحيوانية فإننا لا نكاد نسمع له ركزاً في هذه المنطقة، مع أن الثروة الحيوانية هي رديف الزراعة، مع انعدام الخدمات البيطرية! حاولنا معالجة هذه الأوضاع مع السيد وزير الزراعة السابق في ولاية شمال كردفان، الباشمهندس النور عوض الكريم، ولم نفلح في مساعينا؛ لأن سيادته كان مشغولاً بكبار المستثمرين من أمثال نادك ووجدي ميرغني في مشروع خور أبو حبل، مع أن الأحرى به أن يولي صغار المزارعين جل اهتمامه ورعايته، سيما وأنه مختص في مجاله!  وقبل أيام قليلة تواصلنا مع السيد وزير الزراعة الحالي الأستاذ محمد حامد ووضعنا الأمر على طاولته وها نحن ننتظر ما سوف تسفر عنه الجهود المبذولة لتدارك الموسم القادم قبل أن يطيح الفأس على الرأس! وقد كتبت في مقال سابق ما نصه: “أوشك طريق الصادر الذي سيربط بارا بأم درمان على الاكتمال في مقبل الأيام بإذن الله تعالى. وجميل جداً أن يطلق على هذا الطريق الحيوي مسمى “طريق الصادر” تفاؤلاً وواقعاً؛ فإذا كان السودان هو “سلة غذاء العالم” كما يقال؛ فإن كردفان، وخاصة شمالها، يمكن أن تكون سلة غذاء السودان بلا منازع من حيث الموارد الطبيعية وتنوع المنتجات من بستانية مروية ومطرية وحيوانية تشمل الأنعام من غنم وإبل، والأيدي العاملة، وجودة المنتج الذي لا يزال عضوياً، إذا توفرت معطيات محددة بشرياً وفنياً ولوجستياً. ولكن يا ترى إذا استمر وضع الزراعة والثروة الحيوانية، في ولايتنا الحبيبة، شمال كردفان، على ما هو عليه فماذا سنصدر عبر هذا الطريق، ما لم تتخذ خطوات عملية في هذا الصدد، وبأسرع وقت ممكن؟

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..