سياحة في أوراق قاض سابق للأستاذ حمزه محمد نور

سجل مولانا حمزة محمد نور الزبير في كتابه (ذكرياتي – من أوراق قاض سابق) مرحلة مهمة من حياته الشخصية والمهنية في سلك القضاء بالسودان، وهي مرحلة مهمة في تاريخ السودان الحديث وذلك بكاميرا high definition في غاية الدقة والتركيز. كان السرد سلساً من غير تكلف و بلا حذلقة و جاء كما السهل الممتنع ويجعلك تنتقل من صفحة إلى صفحة أخرى بحماس و شوق و فضول لمعرفة ماذا بعد.
قسم الكاتب المذكرات إلى تسع محطات بالإضافة إلى المحطة العاشرة التي جاءت في شكل مختارات و نوادر ممتعة من التجارب الثرة التي مر بها، هذا بالإضافة الي المقدمة الضافية التي سرد خلالها نشأته الأولى في كنف جده في مدينة الرنك و اثرها في تكوينه الاجتماعي والوجداني والثقافي، كنت وأنا اقرأ هذه المقدمة اتذكر الكتاب الأشهر في الأدب العربي في السيرة الذاتية ألا وهو كتاب الأيام لعميد الأدب العربي طه حسين، و قد أبدع كاتبنا في سرده هذا، ففي هذه المقدمة وحدها الكثير من التلقائية و الكثير من الواقعية والعديد من المكونات الأخرى الجديرة بالقراءة و التأمل، وهي قراءة سلسة وممتعة و لن تمل منها.

وبالمرور على المحطات التسع ستجد أن لكل محطة خصوصيتها، و لكل محطة ما قدمته للكاتب من تجارب و دروس و ما ستقدمه لك أخي القارئ من متعة أدبية و ثقافية لا تقدر بثمن، ستجد نفسك في بعض الصفحات أمام درس ممتع في القانون, و في أحيان أخرى ستجد نفسك متأملا في العادات والأعراف الاجتماعية التي عاصرها الكاتب، في مختلف بقاع السودان التي عمل بها من الرنك الي ملكال، ثم أم درمان وكردفان والخرطوم، وفوق هذا وذاك ستجد أمامك لوحة خلفية بديعة للوضع السياسي والاجتماعي العام في السودان في حقبتي سبعينات و ثمانينات القرن الماضي، تشكل في مجملها مزيجاً من التاريخ والسياسة في الوقت ذاته.

تأثرت كثيراً بالجزء الخاص بإعدام محمود محمد طه و كنت أتمنى لو أن كاتبنا قام بنشر هذا الجزء في شكل مقال في إحدى الصحف أو الدوريات لتعريف الناس بملابسات هذا الموضوع، وأفضل من ذلك لو قام الكاتب بالتوسع في هذا الأمر لإصدار كتاب مستقل عن الأستاذ محمود.

قضية حكومة السودان (الخطوط الجوية السودانية ) ضد مصطفي محمد ابراهيم تفصح عن قصة مشوقة تعطيك إلى جانب التشوق فكرة عن الأسس القانونية لفلسفة العقوبة، إلا أنني لم أعرف من السرد الوارد في الكتاب قرار محكمة الاستئناف على ضوء المذكرة الضافية التي سطرها القاضي الصادق سلمان.
لن أمل من التكرار بأنني وجدت متعة كبيرة في قراءة هذا الكتاب، و كم أتمنى أن يجد حظه من الانتشار ليتمتع منه الآخرون خاصة الشباب، وذلك لأنني أرى أن الشباب سيستفيدون كثيراً من قراءته لأنه سيعرفهم علي بلادهم من مختلف النواحي التي عالجها الكتاب المتنوع، حيث سيجد القانون والاجتماع و السياسة والتاريخ و أدب كتابة الذكريات وغير ذلك، ولكن ما هو السبيل إلى دفع شبابنا إلى القراءة ؟ ليس قراءة هذا الكتاب فحسب وإنما القراءة بصفة عامة لأجل المعرفة.

كمال الزبير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..