أخبار السودان

ماذا تبقى للنظام من أوراق لإطالة عمره؟؟

إن دخول الثورة السودانية شهرها الثالث و تزايد المد الجماهيري يوما بعد يوم يشير إلى حتمية إنتصارها و أن هذا النظام قد شارف الوصول إلى محطته الأخيرة. لقد إستطاعت الثورة ان تحقق العديد من المكاسب على حساب النظام الذي لم يعد أمامه سوى اللجوء إلى إستخدام أوراقه المتبقية و التي ظل حريصا على الامساك بها حتي هذه اللحظة و لا يود أن يستخدمها إلا عند الضرورة القصوى ظنا منه أن أمامه متسعا من الوقت يمكنه أن يحتفظ بها لأطول فترة ممكنة.

النظام ما زال يراهن على نفاد صبر الجماهير و عدم قدرتها على الاستمرار في المقاومة و التظاهر لفترات طويلة. و لكن التطورات التي اتخذتها مسارات الثورة و استمرارها تشير إلى خطأ التصورات التي وضعها النظام و قراءته للأوضاع. لقد دخلت الثورة شهرها الثالث و ما زالت تحقق تقدما يوما بعد يوم و مازال نفس الجماهير طويلا. لقد ادرك النظام أن الشعب السوداني قادر على مواصلة التظاهر لفترات قد تطول بل إن النظام هو الذي قد بدأ عليه الإعياء جراء إستمرار الاحتجاجات و توالي الضغوط بسبب الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي فشل النظام في إيجاد مخرج منها بالاضافة لتزايد الضغوط الدولية و قدرة الثورة على فرض موقعها في خارطة القضايا الدولية بسب عجز النظام و السند الذي يقدمه السودانيون في الخارج و مساهمتهم في كسب مساندة الرأي العام الدولي للمطالب المشروعة للشعب السوداني فضلا عن إطلاع العالم على جرائم النظام و انتهاكاته لحقوق الانسان و عنفه المفرط ضد المتظاهرين و المعتقلين.

لجأ النظام إلى استخدم ورقة الدعوة للتفاوض مع الشباب و القوى السياسية و لكنها لم تحقق له ما يشتهي من مكتسبات و لم تصمد طويلا فلجأ بعدها (للمخاواة) بورقة المبادرات سعيا لإرباك المقاومة الجماهيرية و تفتيت تماسكها و وحدتها. إلا أن وعي الجماهير و النضوج الذي اكتسبته خلال ممارستها اليومية للعمل الثوري قد كان كافيا لإحباط كل حيل النظام و ألاعيبه فتم رفض هذه المبادرات و فضح مرامي النظام الذي يقف خلفها. لذا عملا بالمثل، بيدي لا بيد عَمْر، لم يكن أمام النظام ألا أن يرمى هذه الورقة (بايظ) بعد ان رفضتها الجماهير و تمت تعريتها و ما تصريحات رئيس جهاز الأمن و المخابرات الأخيرة بأن الحكومة لن تسمح بأي مبادرات تمس بالشرعية إلا دليل على احتراق هذا الكرت.

مازال النظام يعتقد أن بمقدوره الإلتفاف على مطلب الجماهير القاضي بزوال النظام لذا سوف يستمر في إخراج ما بحوزته من أوراق تباعا علها تنقذه من السقوط المحقق. لم يتبق في صندوق النظام غير ثلاث أوراق سوف يقوم باستخدامها في المرحلة القادمة الواحدة تلو الأخرى و سوف يتم إلقاء هذه الأوراق بناء على ما ستحققة الثورة من مكاسب و هذا يدل على أن النظام لم يعد هو من يصنع الفعل بل إن كل ما يقوم به هو ردة فعل لما يقوم به الثوار.

تتمثل اولى هذه الأوراق، و قد بدأ النظام فعليا في التمهيد لها بإطلاق التصريحات، في حل الحكومة الحالية و تشكيل حكومة جديدة يتم فيها إعادة توزيع الأدوار بين رموز النظام و حلفائه. لا يعدو هذا التكتيك عن كونه محاولة لشغل للرأي العام لفترة قصيرة بينما يظل النظام كما هو و هذا ما لن يقبل به الشعب و سوف تستمر المظاهرات مجبرة النظام على كشف ورقته التالية.

تعتمد سرعة إلقاء هذه الكروت أو إبطائها على تسارع الأحداث و تزايد الضغوط التي يتعرض لها النظام. فكلما كان هناك ضغطا اكبر على النظام من جانب الجماهير في الداخل و في الخارج كلما إضطر النظام للإستعجال في إستخدام كروته و بالتالي إقترابه من مصيره المحتوم.

الورقة الثانية هي ورقة الإعلان عن عدم ترشح البشير للإنتخابات القادمة أملا في ان تؤدي هذه الخطوة إلى إمتصاص الثورة و إيقاف الاحتجاجات. فالنظام يري أنه بذلك قد قدم تنازلا كبيرا و هو بمثابة (كرت نص) و لابد أن يقابله تنازلا مماثلا من جانب الثوار. و لكن مثل هذا التنازل لن يكون مقنعا للجماهير التي خرجت لأكثر من شهرين قدمت فيها ما قدمت من تضحيات ليس فقط من أجل تغيير رأس النظام مع المحافظة تركيبة النظام كما هي. فمطلب الجماهير هو زوال هذا النظام و ليس رأسه فقط بالإضافة إلى أن تسارع الاوضاع لن يسمح بأن تظل الأمور كما هي حتى ٢٠٢٠ التاريخ المزمع لقيام الانتخابات.

أما الورقة الثالثة فهي تتمثل في الإعلان عن قيام انتخابات مبكرة أملا في أن تدفع هذه الخطوة بعض القوى السياسية للموافقة على الإنخراط في عملية سياسية فيحدث بالتالي الإختراق الذي تسعي إليه الحكومة. و لكن فان مثل هذا الكرت لن يشجع أحدا على (النزول) و لن يوقف زحف الجماهير إذا ليس في هذا ما يقنع الجماهير بأن النظام جاد أو قادر على إقامة إنتخابات حرة و نزيهه. بالإضافة إلى أن القوى السياسية تعلم جيدا أن هذا النظام يتدحرج بخطى حثيثة نحو النهاية (الزون) يعني (حارق حارق) و لم يعد يملك ما يقدمه لإنقاذ نفسه ناهيك عن إنقاذ الوطن أو إقناع الجماهير بالتراجع.

الورقة الرابعة و هي آخر أوراق النظام التي سيلجأ إليها بعد احتراق تلك الأوراق و هي أن يعمل على تسليم السلطة للقوات المسلحة ربما على نسق ما تم في إنتفاضة أبريل ١٩٨٥. إن هذا السيناريو لا محالة مرفوض فقد سبق للشعب أن جرب هذا الطريق الذي افضى بالبلاد إلى الوضع الراهن بالإضافة إلي إختلاف طبيعة القوات المسلحة عن تلك التي كانت عليها عند قيام الانتفاضة. فالشعب يعلم تمام العلم أن القوات المسلحة لم تعد تلكم المؤسسة القومية التي تعمل بكل مهنية على حماية البلاد. فالمتظاهرون و القوي السياسية يعلمون أن القوات المسلحة أصبحت أحد ادوات النظام و لا يمكن أن تؤتمن علي حماية أرادة الجماهير فضلا عن أن إستمرار التظاهرات طوال هذه المدة و القتل الذي يتعرض له المتظاهرون لم يحرك ساكن هذه القوات المسلحة فبالتالي إن أمر تسليمها السلطة لن يكون مقبولا من جميع القوى الموجودة في الشارع. كما إن ما حدث في أبريل ١٩٨٥ قد دفع القوات المسلحة للتدخل أما هنا فإذا كان الامر هو أمر تسليم فهذا ما لن تقبل به الجماهير التي راكمت من التجارب و الخبرات ما يمكنها من حماية ثورتها.

ليس أمام الجماهير سوى مواصلة الثورة و زيادة الضغط على النظام حتي تدفعه للإسراع باستخدام اوراقه هذه ليتهاوى بعدها أمام إصرار الشعب و سعيه لإقامة البديل الذي خرج من أجله. إن مواصلة التظاهرات و اتساع رقعتها سوف تعجل بزوال النظام و سوف تختصر المدة التي يستغرقها النظام بين تكتيكاته و تجعله يتهاوى بوتيرة أسرع. فالنظام، منذ بداية الاحتجاجات و حتى هذه اللحظة لم يقدم سوى الحلول الأمنية و القمع الذى راكم من كراهية الشعب له. إضافة إلى أن استمرار المظاهرات و اتساع رقعتها يستنزف موارد النظام الشيحيحة أصلا و كذلك طاقة المدافعين عنه سواء من القوات النظامية أو المليشيات و بالتالي يعجل بسقوطة.

عمر عبد الله حسين – آيرلندا

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..