مقالات متنوعة

هل يقرأون؟

هل يقرأون؟
هل يقرأ قادة الإنقاذ ما يكتب عنهم في أعمدة صحف الخرطوم؟
إن كانوا لا يقرأون فتلك مصيبتهم وإن كانوا يقرأون ولا يستوعبون ما قرأوا فتلك كارثة.
قال لي أحدهم إنهم لا يقرأون الكلام الفارغ الذي نكتبه عنهم. إذن كيف يستقون معلوماتهم عن المعارضة والثورة المضادة؟ هل عن طريق نزع الاعترافات بالتعذيب في بيوت الاشباح؟
قناعتي أن السلوك الاستعلائي الزائف يمنعهم من قراءة ما يكتب عنهم في جرائد الخرطوم ناهيك عن الاطلاع على وسائط التواصل الاجتماعي التي استهانوا بها ووصفوا كتابها بمناضلي الكيبورد إلى أن رأوا بأم أعينهم ما فعله بهم الكيبورد والواتساب والفيس بوك في شوارع الخرطوم ومدن السودان الأخرى.
الطيب زين العابدين، والتجاني عبد القادر وعبد الوهاب الافندي وحسن مكي وغازي صلاح الدين ومبارك الكودة وكلهم من مسلمي ما قبل الفتح، بل حتى د. محمد مختار الشنقيطي عضو التنظيم العالمي للإخوان المسلمين وأستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، كتبوا جميعهم عن سيناريوهات محتملة سيؤدي إليها الفعل الثوري السائد في السودان الآن. ربما لم يكن هاجس بعضهم الشعب السوداني بقدر ما كانت تشغلهم كيفية الحفاظ على فكرة الإسلام السياسي متقدة بعد أن أصابها ما أصابها من حكم الإنقاذ. لم يذكر أي واحد منهم احتمال استمرار الإنقاذ كما هي بعد أن فقدت السلطة هيبتها وأضحت ملهاة لدى أطفال الروضة وتلاميذ المدارس الأولية الذين أصبحت “تسقط بس” اهزوجة يتلهون بها في ألعابهم اليومية.
اليس غريبا ألا يشعر هذا النظام بالورطة الذي هو فيها؟
اما زال يعتقد بأن هذا العمل اليومي المنظم والتضحيات الجسام التي يقوم بها الشباب من صنيع شذاذ آفاق، لذا فهي لن تقود إلى سقوط النظام؟
عندما أراد نميري منع الخمور عقب إعلانه قوانين سبتمبر 1983، تحفظ جهاز أمن الدولة عن صدور ذلك القرار وتقدموا بنصحهم بمذكرة محذرين فيها من خطورة الخطوة على النظام. نميري الذي كان في حالة غيبوبة سلطوية كحال البشير الآن (حالة ضفدع البئر) لم يستوعب الموضوع ومضي في غيه مخالفا رأيا فنيا ومهنيا في ذات الوقت، حيث كان جهاز امنه يذخر بعدد وافر من الكفاءات المدربة تدريبا عاليا في أربع مداس استخباراتية مختلفة. الكي جي بي واستاسي ألمانيا الشرقية ثم السي آي أيه والسافاك على زمن شاه إيران.
نظام البشير لا يتوفر له هذا الكادر لأن مفهومه عن الأمن بعيد عن مفهوم الذكاء المفترض في رجل الأمن الحديث. وإن توفر لبعض افراده شيء من الذكاء فهو آحادي النظرة والتوجه لا يرى إلا بعين واحدة هي عين الرضا ويغيب عنه كل ما تمور به الساحة السياسية من حراك.
أمن خام “”crude security، أمن التاتشرات وبيوت الاشباح والرجال المقنعون والتعذيب والقتل في الطرقات لشباب كل قدراتهم المتاحة التظاهر السلمي. أمن لا يملك القدرة على استقراء المستقبل وموجهات العمل المضاد بل لا يملك المعلومة الصحيحة عن الذي يجرى في السودان لذا أوصى رئيسه بإعلان حال الطوارئ وكأنما البلد لم تكن في حالة طارئة طيلة ثلاثة عقود من الزمان الكالح.
وعند وصول حالة الغليان لمرحلتها القصوى وانسداد الأفق سيقف النظام في مواجهة مرحلة العصيان المدني الذي لن يستطيع التصرف حيالها إلا بتسلل قادته خلسة إلى خارج البلاد لو وجدوا مطارا يطيرون منه.
مشكلة الإنقاذ تتلخص في انعدام رجل الدولة ذي القدرة على استقراء الأمور ومآلات الاحداث…
نعم يوجد بينهم السمسار في كل شيء والمرابي والمغامر وآكل السحت وبائع دينه واخلاقه والمتاجر في النفوذ والنفوس والبشر لكن لا يوجد بينهم رجل دولة واحد لذا أضحت الدولة السودانية بكاملها مأدبة لئام ينهش الاسلاميون كبدها كما تفعل الضباع الجائعة بفريستها.
قال البعض إن خطاب البشير الأخير وما جاء فيه من قرارات كان إملاءً من المساعد الخاص للرئيس الأمريكي ومدير الشئون الافريقية بمجلس الأمن القومي الأمريكي سيريل سارتر الذي ذكر إنه لا يرغب في تدخل خارجي في الشأن السوداني.
لا أدرى عن أي تدخل يتحدث الرجل؟ وما هي طبيعة ذلك التدخل؟ هل للإبقاء على البشير أم لتنحيته عن السلطة؟ وما هي تلك الدول التي يحتمل تدخلها في السودان؟ هل هم جيران السودان في افريقيا ام عبر البحر الاحمر الذين تتحكم أمريكا في كل قراراتهم؟
أمريكا لا تتحرك إلا وفق مصالحها لذا فهي تهدد بغزو فنزويلا من أجل النفط، وتحافظ على النظام السوداني من أجل معلومات قالت إنه يزودها بها عن الإرهاب والإرهابيين، ويقول الاتحاد الأوروبي أن السودان يساعد في الحد من الهجرة غير الشرعية لأوروبا.
الغرب ليس لديه مصداقية في التعامل مع دول العالم الثالث، مصداقيته الوحيدة تكمن في مصالحه، اين وجدت كان مبرر تدخله. كان ذلك في ليبيا والعراق وسوريا وحاليا في فنزويلا. بعض هذه الدول لها إمكانيات نفطية كبيرة والبعض الآخر مثل سوريا له موقعه الجيوسياسي المميز والخطير على مدللة الغرب إسرائيل.
السودان دولة ذات موقع استراتيجي مهم يمكن للمرء ملاحظته بمجرد الاطلاع على خارطة العالم، وله من الموارد الطبيعية ما يسيل لها اللعاب وهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي تتمتع بوفرة من المياه تكفيها على الأقل لقرن من الزمان، وعلى أكبر مساحة من الأرض الصالحة للزراعة، لكنه ليس المعبر الأساسي للمهاجرين لأوروبا…
إذن لماذا يعتقد الغرب أن نظام فاسد كهذا يمكن أن يحافظ على المصالح الغربية أكثر من نظام يتمتع بقدر كبير من الشفافية ويعتمد مبدأ الفصل بين السلطات والرقابة البرلمانية على الجهاز التنفيذي وبقضاء مؤهل ونزيه وعادل؟ وهو ما يسعى الثوار الذين يجوبون الشوارع لتحقيقه بانتفاضتهم هذه؟
كيف يثق الغرب في أناس يمكن أن تشتريهم بالدرهم والدينار ولمن يدفع أكثر في سوق المزايدة؟
ومن قال إن بديل هذا النظام لن يلتزم بمحاربة الإرهاب ومراقبة الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر إذا كان هذا ما يهم الغرب بصورة عامة؟
على كلٍ لا أحد في هذه الثورة يرغب في تدخل أي أحد في شئونه السياسية. شاءت أمريكا ام ابت نظام الحرامية يسقط بس.

محمد موسى جبارة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..