مقالات متنوعة

محاكم الطوارئ.. وعندما تغيب العدالة

يوجد تمثال على مدخل كثير من المحاكم تمثله سيدة ماسكة ميزان فهذا يعرف بتمثال سيدة العدالة الروماني الشهير يمثلها وهي تمسك بالميزان في يد وفي اليد الأخرى سيف، بينما عيناها معصوبتان لأنها تنفذ القانون على الجميع بغير أن ترى أشخاصهم ولا مكانتهم. سيدة العدالة السودانية على عكس الرومانية، عينها مفتوحة لأنها تنفذ القانون فقط على الضعفاء وتمتنع عن تنفيذه على الأقوياء.

سمعت تسجيل لأب يحكي ويعتصره الألم عن كيفية محاكمة إبنه في محاكم الطوارئ بعد أن حكموا عليه بأربعة شهور سجن وغرامة مالية كان قُبض عليه في شمبات في مظاهرة سلمية وكانوا مجموعة كبيرة ومعه في نفس هذه المجموعة إبن الطاهر هارون أستاذ في جامعة الخرطوم شقيق أحمد هارون والي شمال كردفان السابق ورئيس حزب المؤتمر الوطني وكان نزيلا معهم لمدة يومين في السجن عندما بدأت جلسة المحاكمات لهؤلاء الشباب لقد إختفى إبن أخ أحمد هارون وقال لقد سألت عنه وإتضح إنه لقد تم تقديمه للمحاكمة منفردا وأخد براءة … ماذا فعلت محكمة الطوارئ في جريمة قتل أستاذ أحمد خير في مدينة خشم القربة بالرغم من وجود كل الحيثيات والأدلة والشهود؟ وماذا فعلت محكمة الطوارئ في جريمة مقتل الطالب محجوب التاج بالرغم من وجود الشهود والقاتل وفي جريمة مقتل دكتور بابكر وعبد العظيم وجميع الشهداء ؟؟ ولا شئ … هكذا يتم استعمال القانون في بلادي على هوى السلطة بدلا من تنفيذه، ان القانون في السودان لايتم تنفيذه أساسا وانما يتم استعماله ضد من تريد السلطة ان تنكل بهم. ان ما يحدث الآن في محاكم الطوارئ أكبر دليل على أن القانون مجرد أداة في يد السلطة تستعمله لتحقيق أغراضها وتريد أن تنكل به الشباب الثوار لتخويف وترويع البقية حتى تتوقف الثورة فان ما يحدث على أرض الواقع عكس ما صرح به المسؤولين بأنه خلق قانون الطوارئ للقضاء على الفساد ومنع تهريب الدهب ولم نشهد حتى الآن محكمة لعملية فساد واحدة

سؤال: اذا كنت طالبا جامعيا كم مرة رأيت زملاء لك يحصلون على أعلى الدرجات بسبب توصيات من شخصيات مهمة (نافذة) أو نتيجة لمجهودات قاموا بها لصالح جهاز الأمن وحزب المؤتمر الوطني ضد زملائهم ؟ وكم مرة رأيت طلاب المؤتمر الوطني أو من شائعهم أو أولاد (الكيزان الكبار) يحصلون على أهم وظائف في الدولة ويحجبونها عمن يستحق ؟ طبعاً كثيراً جدا ولا تحصى ولا تعد … وما هو تأثير هذا الظلم عليك ؟ الإجابة : تأثير الظلم والعدل لا يقتصر على القضاة والمتقاضين في داخل المحكمة فقط وإنما يمتد إلى الناس جميعا خارج قاعة المحكمة وينتشر بسرعة هائلة ويستشعر به الناس عموما ويظهر في أدائهم لوظائفهم المختلفة عندما يشعر الإنسان بالعدل تنطلق طاقاته ويحثه على الاجتهاد ويجعله يحلم بالمستقبل وهو واثق من تحقيق هدفه. سيظل يجتهد في أي موقع هو موجود فيه إن كان طالبا واثق بأن الإجتهاد هو الذي سيؤدي الى النتيجة وان كان موظفا يدرك بأن الجدارة هي التي تؤدي الى الترقي وليس الولاء إنه العدل يا سادة ومعناه وجود مجموعة من القيم الإنسانية المتفق عليها تنعكس كلها فى قانون يتساوى أمامه الناس جميعا الرئيس والمواطن.. هذا المفهوم لا يوجد في دولة الإستبداد وبالتالي لم يعد موجودا فى السودان اليوم لا توجد قاعدة واحدة تسرى فعلا على الجميع..

وتأثير العدل أيضا في ان المواطن الذي يتقبل الظلم ويتأقلم معه سيعيد انتاجه غالبا على الآخرين بمجرد أن يصل الى موقع السلطة وهذا يعني سلسلة الظلم لن تتوقف . الكاتب أو المدير أو القاضي الذي حصل على منصبه بفضل تعاونه مع أجهزة الأمن وليس لجدارته سينافق رئيسه دائما حتى يحتفظ بمنصبه، لايمكن أن نتوقع منه الموضوعية أو النزاهة

في عهد الإستبداد ينتشر الظلم وتختفي المعايير و,ويختفي العدل وينفتح الباب على مصراعيه للمجاملات فيأخذ الأفاقون والمنافقون مناصب ليست من حقهم ويتوارى أصحاب الجدارة لانهم لا يملكون العلاقات أو الواسطة . وعندما يتأكد الناس من إنتشار الظلم وإختفاء المعايير يتحول الفساد من سلوك الى ثقافة ومن المقبول والطبيعي يتدخل الكبار حتى في أقدس مهنة وهي القضاء لتغيير مجريات اي قضية وتلفيق التهم على الأبرياء

لذلك العالم أصبح يرفض الاستبداد من حيث المبدأ بغض النظر عن النتائج المرجوة لأن الدكتاتور المستبد مهما قام بإنجازات في النهاية سيؤدي البلد الى كارثة , بينما هناك فئة محدودة بفضل الوعي الذي أحدثته هذه الثورة تصفق للزعيم الملهم والأنكى هذه الفئة من المثقفين وتبحث له مبرر للقمع والقتل الذى يمارسه على معارضيه منهم من لا يؤمن بالديكتاتور ولكنه يؤمن بالإمتيازات التي سيفقدها بزوال النظام وعلى قناعة تامة بأنه لا ينتظر نهضة على يدي المستبدين .

ان الأضرار النفسية والذهنية للاستبداد لا تقل خطورة عن أضراره السياسية. ان النفاق والكذب وإنتشار الظلم وغياب العدالة كلها من مضاعفات الاستبداد.

تعليق واحد

  1. إن الإستبداد يُولد أيضاً الغبن والحنق والرغبة الطبيعية في نفوس المستضعفين في رد المظلمة، لا بل الإنتقام من هؤلاء الخونة….

    وما الثورة الحالية إلا نتيجة حتمية لهذا الظلم والقهر والإستبداد…..

    يجب التذكير أيضاً، بأن تاريخ البشرية لا يعرف إلا مصيراً وأحداً للديكتاتورين، ألا وهو كنسهم جميعاً إلي مزبلة التاريخ، طال الزمن أم قصر….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..