مقالات متنوعة
نظاميون أم غوغائيون

شئ من حتى
د. صديق تاور كافى
لم يمض كثير وقت على تسجيل فيديو مدير جهاز الأمن ، و هو يوجه جنوده بأسس التعامل اللائق مع المحتجين و المحتجات، و تقديم صورة محترمة عن رجل الأمن و ما إلى ذلك، حتى صدم المجتمع بتسجيل آخر يقول العكس تماما. فالفيديو الذى قصدت القوة الأمنية تسجيله و نشره من داخل أحد أعرق أحياء العاصمة السودانية (حى برى) يوم الخميس الماضى، و إنتشر على نطاق واسع، يطرح الكثير من الأسئلة على القائمين بأمر المؤسسات العدلية و القانونية فى البلد، بدءا من وزير العدل و وزير الداخلية و مدير الجهاز، و عنهم كذلك و لا يستثنى رئيسهم أيضا.
فالقوات (النظامية) السودانية، مؤسسات لها تاريخ يعود لأكثر من قرن من الزمان، جعل لها إرثا تفخر به من المهنية و إنضباط السلوك و إحترام القانون، و عنوانها المشترك هو (الضبط و الربط ). و هى نبتت من تربة هذا المجتمع، و تشربت قيمه و أخلاقه و تربيته. لذلك لا تجد أسرة سودانية إلا و بين أفرادها أحد منسوبى القوات النظامية فى الجيش أو الشرطة. و بالتالى تجئ مثل هذه السلوكيات صادمة للمجتمع، لأن الناس لم يألفوها منهم فى يوم من الأيام.
تسجيل الفيديو يصور مجموعة بزى رسمى و آخرين بزى مدنى، بسياراتهم (التاتشرات) و أسلحتهم و عصيهم، و هم يجوبون الميدان جيئة و ذهابا، بطريقة غوغائية يصرخون و يكبرون و ينادون على أهل الحى باستفزازات و شتائم (وين أسود البرارى !!! قعدتو مكان أمهاتكم ؟! ……إلخ )، و يهنئون أنفسهم ب(النصر) الكبير الذى حققوه، بدخول ميدان برى الدرايسة.
هذا الذى حدث يعيد للأذهان عدة مشاهد و أسئلة، نستعرض بعضا منها قبل أن نعلق على ما حدث..
** مع بداية المواكب و التظاهرات بعنوانها الأبرز (سلمية..سلمية)، وجدت مجموعات تمارس الإعتداء على المحتجين و تعتقل و تعذب و تقتل لصالح الحكومة و حزبها، دون أن تكون لها مرجعية معروفة رسميا تقر بمسؤليتها عن أفعالها. لقد وجد دوما قناصة من أسطح المبانى العالية، يقتنصون المحتجين بالرصاص الحى، و وجد مقنعون فى زى مدنى، مسلحون يتحركون على سيارات بلا لوحات، يقومون بالإعتداء على العزل، و أحيانا كثيرة يرتكزون و ينطلقون من دور حزب المؤتمر الوطنى.. و وجد مندسون بين المتظاهرين يمارسون القتل العمد.. كما وجد أيضا آخرون بأزياء قوات نظامية ثبت عدم تبعيتهم لها.
** قبل عدة أشهر ظهرت مجموعة بزى نظامى و بسيارات مجنزرة، تجوب الميادين العامة و الساحات داخل العاصمة، و تعتدى على الشباب و العامة بالضرب و الإهانة، دون أى أسباب. و قدرت السيارات التى يتحرك بها هؤلاء بأكثر من عشرين سيارة.. ومع إستهجان المجتمع لهذه التصرفات، إختفت هذه الحملة الغريبة دون أن يتم تفسير ما حدث رسميا على أى مستوى من المسؤلية رغم خطورة هذه الظاهرة الغريبة.
** برغم الاعتراف الصريح لعلى عثمان بما أسماهم كتائب الظل، و التهديد بإستخدامهم للدفاع عن نظامه المنهار، لم يتم أى إجراء للتعامل مع هذه الحالة غير الطبيعية دستورا و قانونا.. و هو إمتداد لتجاهل لا يمكن تفسيره إلا بالتواطؤ الرسمى الذى ظل قائما منذ بداية إنقلاب 1989م. و ظلت هذه المجموعة تستبيح حرم الجامعات، بفوضوية و غوغائية لا توصف.
الآن إذا عدنا للتسجيل المعنى يحق لأى مواطن أن يتساءل بداهة (من أين أتى هؤلاء !!! ).. هل هم فعلا قوات نظامية رسمية.. أم أنها مليشيات تتبع لحزب المؤتمر الوطنى .و ما الغرض من هذا الذى جرى إذا كان هؤلاء قوات رسمية. هل أعلنت السلطة الحرب على المواطنين بإعتبارهم عدو لها.. علما بأنهم الذين يدفعون الضرائب و الجمارك و الجبايات المرهقة، و التى يذهب اغلبها فى شكل رواتب و آليات و عتاد.
فى جميع الأحوال يحتاج ما حصل إلى تعليق من جهة رسمية فى الدولة يفسر للشعب السودانى ما جرى .. و يحدد المسؤلية عنه.. لأن ما حدث يسئ للقوات النظامية التى هى محل إحترام شعبها، و عنوان لسيادة حكم القانون فى نظره.