أخبار السودان

أطلقوهم.. أو أطلقوهم..

بشفافية – حيدر المكاشفي

دعونا أولاً – منعاً لـ«اللجاج» والمحاججات – نضع الدستور خلف ظهورنا، ثم نقفز فوق وثيقة الحقوق كما يقفز حرامية المنازل فوق الحوائط، ثم بعد ذلك نقتفي أثر أي وثيقة أو أي عهد يفرد نصوصاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ثم نحزمها حزم السلم و«نبلّها» جميعها ونشرب «مويتها» دفعة واحدة وفي كرعةٍ واحدة «نتدشى» بعدها ونحمد الله.

وبعد أن نطمئن على غياب كل هذه الوثائق التي لا تجيز الاعتقال التحفظي وتعتبره إذا ما وقع يتعارض معها ويهدر كل الحقوق والحريات التي كفلتها للإنسان، دعونا ثانياً إن كان بالحق أو بالباطل نبصم على جواز الاعتقال التحفظي، ثم دعونا ثالثاً نستدعي قضية معتقلي الرأي من سياسيين وناشطين ظلوا رهن الاعتقال في الحراسات مما تسبب لبعضهم في معاناة صحية بالغة، والمؤسف والمؤلم أنه رغم مرور كل هذه المدة، إلا أنهم مازالوا محبوسين تحت بند الاعتقال التحفظي، في الوقت الذي يكون فيه أي مجرم محكوم بشهرين سجن قد قضى عقوبته وخرج، بينما لا يدري ذوو هؤلاء المعتقلين وزملاءهم متى يُحاكمون أو متى يخرجون، وهذه حالة تجعل من الاعتقال التحفظي أكثر قساوةً من عقوبة السجن الصريح الذي يصدر بمقتضى حكم من محكمة مختصة.

ولكن قل لي تحت أي جريمة سيحاكمون،أهي جريمة ابداء الرأي والاحتجاج على المعيشة الضنكة،ولهذا نقول أطلقوهم أو أطلقوهم ولا خيار آخر اللهم الا ان كان ذلك أشبه بحكاية شجار الصقور، والحكاية تقول اذا اشتجر صقران وكانت الغلبة بطبيعة الحال للأقوى والأحد منقارا الضخم ذو البسطة في الجسم، يحدث شيء غريب هو أن الصقر المنتصر صاحب السطوة الذي يجثم على صدر الضعيف ويكتم أنفاس المهزوم هو الذي يصرخ ويعيط ويكورك وليس الآخر المقهور.. فتعجب وأدي ربك العجب..

إن الاعتقال التحفظي وخاصةً لأسباب سياسية، ذاقته وعانت منه كل ألوان الطيف السياسي على فترات وعهود مختلفة، وكلها تدرك قساوته وبشاعته وخاصةً الإسلاميين والشيوعيين الذين نالوا منه النصيب الأكبر، ليس هناك من لم يستبشع عمليات الاعتقال التحفظي، وليس هناك من لم يبرع في اتخاذ التدابير المنجية منه، والمؤكد أن ذلك لم يكن يتم بدواعي الخوف والجبن، وإنما لأن الاعتقال ما هو إلا سجن تحكمي تفرضه سلطة غير قضائية على مواطن لم يرتكب جريمة معرّفة سلفاً في القانون، وهو بهذا المعنى ما هو إلا إهدار لحرية الإنسان وتعطيله في جسده ونفسه وعقله وإبداعه وعواطفه.

ومن هنا فإن الاعتقال التحفظي يصبح عقوبة تماثل عقوبة السجن تماماً رغم أنها لم تصدر بحكم قضائي بعد ثبوت وقوع المخالفة أو الجريمة.

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..