مقالات سياسية

المراديف ومصادرة سيادة الشعب السوداني

سعيد أبو كمبال

قال الرئيس عمر البشير فى خطابه الموجه إلى الشعب السودانى فى ليلة الجمعة 22 فبراير2019: ( أخصص الدعوة الصادقة لقوى المعارضة التى لا تزال خارج مسار الوفاق الوطنى ووثيقته إلى التحرك إلى الأمام والإنخراط فى التشاور حول قضايا الراهن والمستقبل عبر آلية حوار يتفق عليها.) وقد قال مدير جهاز الأمن والمخابرات المهندس فريق أول صلاح عبدالله قوش فى التنوير الصحفى الذى سبق خطاب الرئيس إنهم قد لمسوا وجود رغبة عارمة لتغيير مفتوح على كل شئ. وأن الرئيس عمر البشير بحكم واجبه الدستورى سيقود التغيير حتى لا تنزلق البلاد فى الفوضى.وأشار صلاح قوش إلى وجود مهددات كثيرة بالبلاد وأمنها منها شبح الحروب الإثنية والقبلية وأن المبادرة ستهدف إلى تقوية الروح الوطنية بتقوية الأحزاب (و أرجو أن يلاحظ القارئ الكريم حديث صلاح قوش عن تقوية الأحزاب).وقال صلاح قوش إن الرئيس عمر البشير سيكون ملتزماً بالدستور والقانون. وقد ألمح صلاح قوش إلى إحتمال إتفاق الجميع(؟) على التمديد للرئيس عمر البشير لعام أو عامين(؟).

حوار إنطلاقاً من أية منصة؟

ما هى المنصة التى ينطلق منها عمر البشير فى دعوته إلى الحوار وهل هى منصة الحركة الإسلامية أم منصة أخرى؟ والإجابة على هذا السؤال مهمة جداً لأنه من المكونات الأساسية لعقيدة الحركة الإسلامية السياسية مبدأ يقول : ( السياسة حرب والحرب خدعة). وقد إستخدمت الحركة الإسلامية منذ الأيام الأولى لإستلامها السلطة فى 30 يونيو1989؛ إستخدمت تكتيك الحوار للخداع والإستعباط وشراء الوقت ولم تلتزم بأية إتفاق أو تعهد.وقد شجعتها غفلة وضعف كل أطراف المعارضة على الإفراط فى الخداع و الإستعباط. ولكن حتى فى حالة إنطلاق عمر البشير فى دعوته إلى الحوار من منصة غير منصة الحركة الإسلامية؛ هل هناك حاجة فعلية للحوار؟

طق حنك وإهدار للوقت والموارد:

فى السادس من شهر أبريل 2014 وجه الرئيس عمر البشير الدعوة إلى حوار وطنى شامل لمعالجة قضايا البلاد الشائكة.وبعد حوالى ثلاثين شهراً من تاريخ توجيه الدعوة أى فى العاشر من أكتوبر2016 أصدر مؤتمر الحوار الوطنى (994)توصية ووثيقة وطنية.وعند قراءة التوصيات ودراستها بعناية نجد:

أولاً هناك تكرار كثير . مثال لذلك نجد فى توصيات المحور الإقتصادى(651توصية)؛ تتطابق التوصيتان (51) و(523) وتناديان بتحرير سعر صرف الجنيه السودانى. ولم تنفذ التوصيتان لتعارضهما مع مصالح النافذين الذين بوسعهم الحصول على الدولار بالسعر الرسمى الذى تحدده الحكومة.وتتطابق التوصيتان (24) و(58) وتناديان بإعادة هيكلة الدعم.وتتطابق التوصيتان (17) و(51)وتتعلقان بتخفيض معدل التضخم الذى زيد زيادة كبيرة بدل التخفيض.وتنادى التوصيتان (19) و (53)بزيادة إيرادات الضرائب إلى أكثر من (25%) من الناتج المحلى الإجمالى.والقارئ الذى يتابع ما يجرى فى السودان يجد أن الأغلبية العظمى للتوصيات تكرار لما أوصت به المؤتمرات والورش التى تعقد منذ 30 يونيو1989وحتى اليوم وكلها ملهاة عبثية كما يعرف القارئ الكريم.

وثانياً لا جديد فى التوصيات التى تتعلق بنظام الحكم أو كيف يحكم السودان.فكل التوصيات منصوص عنها فى مواضع مختلفة فى دستور السودان لسنة2005.وأشك جداً أن يكون من بين الذين شاركوا فى الحوار من قرأ الدستور بعناية وتدبر معانيه.

ولذلك أعتقد إنه لا توجد حاجة لمزيد من طق الحنك وإهدار الوقت والموارد.والمطلوب اليوم تدافع وتنافس الأحزاب السياسية فى مخاطبة الشؤون العامة وهموم وتطلعات المواطنين وخاصة قهر التضخم وبناء الطاقات الإنتاجية وتوفير فرص العمل المنتج بدل إهدار الوقت والطاقات فى طق حنك ينتهى إلى إعادة تقاسم الكراسى.

وثالثاً ما ينقص السودان ليس قواعد قانونية تحدد كيف يحكم السودان ولا توصيات ولكن ما ينقصه وحسب ما قال المهندس صلاح عبدالله قوش بعضمة لسانه عند تسلم مهامه رسمياً فى 15 فبراير 2018 ؛ قال أن قضايا السودان تحتاج لمؤسسات قادرة على الإبداع والمتابعة والإنجاز.وأتفق مع صلاح قوش فى أن كل مؤسسات إدارة الدولة بما فيها الأحزاب السياسية مؤسسات معطوبة.وحاجتنا الحقيقية اليوم لمؤسسات حية ومنتجة وقادرة على تحويل قواعد إدارة الدولة المنصوص عليها فى الدستور والتوصيات؛ تحويلها إلى أفعال تمشى على الأرض.

ورابعاً الوقت المتبقى لإنتخات (2020) عام واحد.والشئ المنطقى هو أن تنصرف الأحزاب السياسية للإستعداد للإنتخابات ولكن بعض تلك الأحزاب ،( الأحزاب المردوفة)، يروج اليوم لفترة إنتقالية تبدأ بعد أبريل 2020 . وهذه دعوة ليس لها أى سند قانونى وتكشف بوضوح أكبر أسباب عدم الإستقرار السياسى فى السودان وأعنى به ذهنية (البلطجة) وعدم الإعتراف بسيادة حكم القانون.

مصادرة إرادة الشعب السوداني:

يقول الله سبحانه وتعالى فى كتابه الكريم إن أمر الناس شورى بينهم (الشورى38).ويعنى ذلك أن يدير الناس شؤون دينهم ودنياهم بالتفاكر والتناصح والتراضى بدون وصاية أو إستبداد من فرد أو جماعة.وقد أستقرت التجربة البشرية على أن السيادة فى إدارة الدولة لإرادة الشعب.وأن التعبير عن إرادة الشعب يكون من خلال الإنتخابات الحرة المباشرة والدورية والإقتراع السرى ومن خلال الإستفتاء.وقد عبر دستور السودان لسنة 2005 عن هذه المعانى فى المادتين (2) و(4)(د). وتقول كل الأحزاب السياسية السودانية إنها تعترف بالدستور وتحترمه وتصونه. ولكن يبدو أن ذلك كذب وإستعباط.وأغلبية عناصر الطبقة السياسية السودانية ،حكومة ومعارضة، لا تؤمن بسيادة إرادة الشعب ولا تحترم سيادة حكم القانون. الحاكم لا يحترم الدستور والقانون. والمحكوم لا يحترم الدستور والقانون.وكلنا (بلطجية)والعياذ بالله.والذين ينادون اليوم بفترة إنتقالية تبدأ بعد أبريل 2020 يقولون بصراحة إنهم يريدون مصادرة حق الشعب السودانى فى أن يمارس سيادته فى إدارة الدولة ويختار ويفوض من يأنس فيه النزاهة والجدارة لشغل المواقع الدستورية التشريعية والتنفيذية.والذين ينادون بفترة إنتقالية يتصرفون وكانهم أوصياء على الشعب السودانى ويحق لهم أن يقرروا إنابة عنه.وهم ينتمون لمشارب مختلفة.فهناك أحزاب أقصى اليمين وأقصى اليسار التى لا تؤمن أصلاً بسيادة إرادة الشعب لأن تلك الأحزاب تعتقد بأنها تملك حق الوصاية على الشعب . وهناك من لا يريد الإنتخابات ربماخوفاً من إنكشاف عورته وهى ضآلة حجم الـتأييد والتفويض الذى سوف يناله من الشعب.وهناك من وجد متعة خاصة فى الهروب من تحدى المنافسة.وهناك المردوف الذى أنعمت عليه الحركة الإسلامية بمنصب دستورى تشريعى أو تنفيذى ويريد الحفاظ عليه ويخاف من فقدانه فى حالة إجراء الإنتخابات فى مواقيتها القانونية فى 2020.وهؤلاء هم الأعلى صوتاً اليوم فى المناداة بفترة إنتقالية فى مخالفة صريحة للدستور وقانون الإنتخابات.

لماذا التمسك بحكم القانون؟

تعنى سيادة حكم القانون التوافق على قواعد تحكم سلوك الناس السياسى والإقتصادى والإجتماعى والثقافى.وأن تنطبق وتطبق تلك القواعد على الجميع ؛ الغنى والفقير ،والحاكم والمحكوم.وأن يحرس العمل بتلك القواعد قضاء مستقل.ويأتى فى مقدمة تلك القواعد نصوص الدستور.وقد برهنت تجارب البشر أن سيادة حكم القانون هى التى تحقق الإستقرار السياسى والسلام الإجتماعى وتفتح آفاق التقدم فى جميع مناحى الحياة.ولذلك أرى إنه يجب أن يحترم الجميع الدستور وقانون الإنتخابات ويطالب برفع حالة الطوارئ لكى تشرع الأحزاب السياسية فى الإستعداد للإنتخابات لأنها إستحقاق قانونى وفى إجرائها فى مواقيتها فوائد كثيرة:

أولاً إعطاء المواطن السودانى حقه الذى ينص عليه الدستور ليختار ويفوض من يرى فيه النزاهة والجدارة لشغل المنصب الدستورى التشريعى أو التنفيذى.

وثانياً إعطاء الذين يريدون إسقاط نظام حكم الحركة الإسلامية فرصة حقيقية لإسقاطه بتكاليف معقولة وبدون إراقة دماء.

وثالثاً تؤدى الإنتخابات إلى إخضاع كل الأحزاب السياسية للتنافس حول تأييد وتفويض المواطنين السودانيين. و التنافس القوى هو أنجع وسيلة لتطوير الأحزاب الذى ينادى به صلاح عبدالله قوش.ولن تتطورالأحزاب السياسية بالأوامر السلطانية ولا بالمواعظ .ولكن بالتنافس القوى والرغبة فى الحصول على تأييد الناس وتفويضهم.وذلك وحده هو ما يجبر الأحزاب على إعداد برامج تخاطب المصالح العامة وهموم وتطلعات المواطنين وإعداد كوادر قادرة على إدارة الدولة بفاعلية وكفاءة.

ورابعاً سوف يؤدى التنافس القوى إلى دفع الأحزاب السياسية ذات العقائد السياسية المتشابهة والمتقاربة إلى الإندماج بدون الحاجة إلى التدخل الحكومى الذى ينادى به الدكتورغازى صلاح الدين العتبانى.

وخامساً سوف تؤدى الإنتخابات إلى تنظيف المسرح السياسى السوادنى من الطحالب.

وسادساً يؤدى إجراء الأنتخابات فى مواقيتها والمداومة الدورية على ذلك، يؤدى إلى ترسيخ الإيمان بالديمقراطية وسيادة حكم القانون ويحقق الإستقرار السياسى والسلام الإجتماعى ويفتح آفاق التقدم.

سعيد أبو كمبال
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..