غير مصنف

الخصم النظيف

 

علي عثمان علي


تضاءل مفهوم الدولة لدي حكومة الإفلاس من الأمن القومي، حماية وسلامة الأرضي السودانية، صحة وتعليم، توفير فرص العمل وزيادة معدلات الإنتاج وتحسين الخدمات.. الخ من المنظومة لتعريف مفهوم الدولة واقتصرت هذه الأيام فقط في توفير سلعتي القمح والوقود، تحت العجز المروع والفشل المتعاظم جراء ثلاثين عام من التخبط السياسي والإداري وتمكين الفساد والفشلة.

وشهادة لله ان سعر الخبز وأسعار الوقود متدنية جدا مقارنة مع اسعارها في الأسواق العالمية والاقليمية ويعتبر سعر الوقود الذي تقدمه حكومة الانقاذ لمواطنيها هذه الأيام أرخص تعريفة يمكن أن توجد في أي دولة أخري وهذا ناتج من الانهيار الخرافي في قيمة العملة المحلية أمام العملات الأجنبية والتغير اليومي في سعر الصرف.

ويعتبر الاستمرار في تقديم سلع الخبز والوقود بتلك الأسعار بادرة غير مسبوقة في تاريخ النظام ان يصرف على المواطن طيلة فترة حكمه السابقة حيث كان يلعب دور المحصل فقط ولا يكترث الي هموم ومعيشة المواطن مثقلا كاهله بكل الضرائب المتعددة والمتداخلة والجبايات الغير محدودة وزكاة وجمارك وكل ما خطر ببال عقلية التحصيل.

بيدا ان ذلك الصرف علي تلك السلع لم يأتي من فراغ فالاوضاع السياسية واتساع رقعة الاحتجاجات والتظاهرات المطالبة بالتغير وليس الخبز أجبرت النظام في تحمل الخسائر الفادحة واليومية جراء توفير الوقود بالمحطات والخبز حتي لا ينضم البقية من الصامتين الي الاحتجاجات في حالة الندرة وتوقف سبل المواصلات وانعدام لقمة العيش.

كان عراب الحركة الإسلامية حسن الترابي يوصي اتباعه بالسيطرة علي الاقتصاد ودعم التنظيم بالمال منذ أن كان خارج السلطة وحتي الدخول مع نميري بعد المصالحة وإنشاء بنك فيصل الإسلامي لبناء الحركة والتنظيم بدعمها المادي وتمويل مشاريعها حتي تصل السلطة واول ما قامت به هي الحرب الاقتصادية المزدوجة والتي تومن بها الحركة الإسلامية كأحد أقوى الأسلحة في البقاء والتمدد حيث سارعت الي عزل المعارضين، السياسيين واليساريين من الخدمة المدنية والعسكرية تمكينا لعضويتها ثم محاربتهم اقتصاديا في ارزاقهم والتضييق علي كل معارض بينما فتحت خزائن الدولة وامكانيتها أمام أعضاء الحركة، متسلقينا، وطباليها الأمر الذي أدي في نهاية المطاف الي فاشل كامل في الدولة لا حلول معه.

ظلت الحركة الإسلامية تتبجح في ادبيات السياسية السودانية بأنها حاربت الأنظمة بالسيطرة علي السلع الأساسية وتخزينها منذ نهايات نظام مايو وحتي في عهد الديمقراطية الثالثة متسببة في الأزمات وتغليب الشارع، بل كانت تفاخر بتلك الأعمال اللااخلاقية وقول ان تجار الحركة ثم الطيب النص وغيره كانوا يشترون السلع من الأسواق ويقومون بتخزينها حتي يجعلوا الشارع محتقن اما يخرج المظاهرات كما حدث إبان حكم مايو أو تقبل البديل الانقلابي اؤخر الديمقراطية.

هم الآن في أضعف حالتهم اكلهم الفساد من الداخل كما ياكل السوس الخشب وكما تجوف الأرضة الشجر فأصبح مشروعهم خاسر ودولتهم العميقة الفاسدة ابتلعت النظام بأكمله واصبحوا مجموعة مستنفعين لن يهدروا قرشا واحد من مالهم المكنوز لإنقاذ دولتهم التي تسقط يوما بعد يوم امام الاحتجاجات المتعالية وامام العجز الاقتصادي المتصاعد.

ولأن الخصم نظيف من أحزاب معارضة، منظمات العمل المدني ومجموعات الشباب التي قلبها على الوطن لن يقوموا باللعب علي قوت المواطن أو تخزين الوقود وخلق الأزمات لتحريك الشارع ضدهم.. بل الخارجين في الطرقات أبناء لهذا الوطن وانتماء حقيقي لشعبهم يمنون النفس بازاحة الظلام وفتح مشرع النور والحرية علي امتداد الوطن الفسيح.

الذين خرجوا ورغم ضيق الحال.. والغلاء وصعوبة العيش الكريم لم يطلبوا بالخبز أو المواصلات ولكنهم صدحوا حرية.. سلام وعدالة والثورة خيار الشعب، حتي يبنوا وطنا شامخ وطن ديمقراطي يحفظ الحقوق ويقوم علي الواجبات ويقدم المساواة في التعليم، الصحة والضمان الاجتماعي، تعلوا فيه قيم الشفافية والعدالة واستقلال القضاء ومحاسبة المقصرين والممتدة اياديهم علي المال العام.

#تسقط_بس

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..