مقالات متنوعة

فَاطِمة؛ أيَا مِسْكَاً أَذْفَر

– [ فَاطِمة ; أيَا مِسْكَاً أَذْفَر ] – —
– اليوم , عَصْرَاً, مَرَرْتُ بميدان أبو جنزير .فأحْسَسْتُ بِصَمْتٍ قاتِلٍ يسود وكر كتائب الظل .ولكن سُرعان ما رَأَيْتُ امرأةً من اللاتي لا مأوَى لهُن تَرْقُب حَلَّةً فوق نار مشتعلة من الحطب ، وبجانبها طفل يلعب صامِتاً في بعض الأقذار .فعادَتْ بي الذاكِرة إلى نحو عشرة سنواتٍ مَضَيْنَ .كُنْتُ أبِيتُ فيها على الطوى في أيِّ مكانٍ يَتِّفِق، ودون أنْ أجِد لُقْمَة واحِدة أتَبَلَّغ بها .حتى إذا تَجَمَّعت لديَّ بضع جنيهات أسْرَعْتُ فاشْتَرَيْتُ بعض الكُتُب ،وبعض الأوراق أُسَجِّلُ عليها أفكاري .وكُنْتُ من حِينٍ إلى آخَر، كُلَّما مَرَرْتُ ببحري ،أتَرَدَّدُ على شابَّة في الديوم ، كانت تبيع الأكل ،وكانت تمُدُّني بطعام لا أدفع ثَمَنه . إِلَهِي إنَّها فاطمة .! ! .
وأنا ، أيَا فطومة ، أنا. كما تَرَكْتِني وجَدْتِني .لم أعْبَأ مطلقاً بالتوافِه التي يتعلَّق بها الناس متوَهِّمين أنَّها تجعل حياتَهُم سعيدة .لم أهتم يوماً بالمادة ولا سَعَيْتُ إلى مالٍ أجمَعُه، ولا إلى أيِّ مؤسسة قائمة من المؤسسات التي يستمد منها الناس تقديرهم لذاتهم ، وإرضاءَهُم لغرورهم الزائف .حتى الشهادة الجامعية ركلْتُها وأنا على بعد أمتار منها ،لأنّني أدْركْتُ أنَّها تُوَرِّطني في الخرافات وغَسَق الأوثان.لقد عِشْتُ بسيطاً مِثْلَكِ ،وهَمِّي الوصول إلى غاية تمكَّنَت من نفسي ، وطغت على كُلِّ المشاعِر الكامِنة في أعماقي .عِشْت دائِماًُ وحيداً كراهِبٍ في صحراءٍ قَاحِلة .لم أسأل أحَداً من أهلي أو أصدقائي إلا أنْ يتركوني وشأني.كُنْتُ دائماً على استعداد بالتضحية لا بنفسي فقط ولكن بغيري أيضاً في سبيل تحقيق غرضي في أنْ أكون وحيداً ، بعيداً عن الناس ، ودنيا الناس .
وَجَدْتُ فَاطِمة ،وفي لهجتها , وهِيَ تتكلم , مزيجٌ من التسامُح مع النفس والأشياء والأشخاص ، والرِقَّة ذاتها التي عرفتها فيها .
ولِلَحْظَةٍ واحِدة ، ولِمَرَّةٍ نادِرة ، فَقَدْتُ ثباتي وعزيمتي ، وترقرقت الدموع في عيني ثُمَّ انحدرت بِبُطءٍ على وجنتي .

“شُكْرِي”
شكرى عبد القيوم
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..