إخراج السوء.. وسوء الإخراج..!

مرتضى الغالي
مسرحية سيئة الإخراج.. الذي جرى من اللجنة الأمنية (جملة هزيلة لا مكان لها من الإعراب)..! هذا ليس هو مهر التضحيات الجسام ولا ما ينتظره الشعب..! ومطالب الشعب مُشهرة ومعلنة ومعلومة.. هذا خلل جسيم في الحيثيات التي استندت عليها لجنة أمنية أعطت نفسها الحق في أن يحمل بيانها اسم الجيش السوداني..! واستمد منها البيان الهزيل قراراته ومكوناته؛ وهي كتلة من التناقضات والإشارات والقرارات التي يعاكس بعضها البعض الآخر، وتهرب فيها كل جملة من أختها..! هذا تصوير خاطئ لواقع الحال والمآل.. والشعب السوداني ليس بهذه الغفلة والغَرارة والبلاهة التي يخدع بها هؤلاء الناس أنفسهم ومن معهم، وهم يظنون أنهم يخدعون الشعب الذي يعرف (لدغة الثعبان من مجر الحبل)..!.. فهل يجوز للجنة أمنية أن تقوم بتفصيل الترتيبات السياسية والتشريعية والتنفيذية والعلاقات الخارجية والداخلية لعامين قادمين، علاوة على الحق في إعلان الكيفية التي يجري بها تنظيم الأحزاب والحركات، ومسار الانتخابات وتكييف الفترة الانتقالية، ومن يتولى السلطة فيها، وماهية الكيانات التي تقوم بوظيفة اللاعب والأخرى التي تلعب دور المتفرِّج.. بل و (كمان) تحديد عمر الفترة الانتقالية، وفرض حالة الطوارئ، وتعطيل الدستور ومنع التجوال! . هذا طريق لا يلتقي في أي (تفريعة) مع ما يطلبه الشعب… إنها ذات المعالجات الأمنية الصرفة التي تزيد من الاحتقان ولا تسير بالوطن إلى دروب السلامة ومطلوبات الحرية والديمقراطية والعدالة..!
من أين جاءت هذه الأفكار العقيمة البائسة التي تحمي جماعة الإنقاذ وتقابل المجتمع والشباب والقوى السياسية والمدنية (عدا المؤتمر الوطني) بكل ما يدخل في باب الاستعداء والتقييد والتهميش؟! والناس يعلمون إن هذا البيان الراكد الهامد قد ابقي على ذات الحال الذي خرج الناس يطالبون بتغييره ..فإذا به يثبّت أركان ما يطلب الناس اقتلاعه، ويتحدث عن والصرامة والحسم وعن القيود والسدود وعن اللجامات والشكائم.. وعن الأحكام العرفية وتعطيل الدستور ومنع التجوّل وعن ملاحقات قانون النظام العام الذي هو جوهر التجبر والطغيان والتجسس والتعسُّس والقهر والتكميم..؟! ومن العجيب أن يُبقي بيان لجنة الأمن الكفيف هذا على المؤسسات (أياها) التي هي من صنع كوارث المؤتمر الوطني، وعلى الهيئات السياسية ذات الطابع الحزبي والمؤسسات الموازية والهيئات التنفيذية والعدلية والنيابية والسفراء ووكلاء الوزارات (والناس تعلم من أين يأتي وكلاء الوزارات ورؤساء المؤسسات والهيئات)..
مع عدم ذكر كلمة واحدة عن الفساد وأهله أو حق الدماء والتعذيب أو عن التحقيق في الجرائم والسرقات التي سارت بذكرها الركبان..! مع الإبقاء على الدولة العميقة والدولة الموازية كما هي..! فهل هذا هو التغيير؟ وهل هذه هي الاستجابة لمطالب الشعب؟ وماذا كان يفعل نظام الإنقاذ أكثر من هذا؟! ولماذا يخرج السياسيون المعارضون من السجون ويتم احتجاز سجناء الإنقاذ في (الفيللات الٱمنة)؟!
إن العجلة مع (دفن الليل) الذي يترك أرجل الميت في الهواء الطلق هي التي جعلت البيان يتحدث عن حل الحكومة مع الإبقاء على وزير الدفاع.. فما هي السلطة التي أبقته؟ وما هي هذه اللجنة الأمنية التي تصنع كل هذه القرارات المصيرية في حياة السودان وشعبه لمدى عامين؟! ..وهل هذا من وظائف أي لجنة في الدولة مهما يكن شأنها وشأن عضويتها..! إن هذه الصياغة الركيكة التي أفرزتها موازنات الكيانات المتشاكسة في الإنقاذ والمؤتمر الوطني هي بنت الارتباك والاضطراب والعجلة التي قضت بإعلان إلغاء الدستور مع الإبقاء على المؤسسات الدستورية والمحكمة الدستورية كما هي..! فمن أين تستمد هذه الكيانات صفة الدستورية مع إلغاء المصدر الذي يقضي بتشكيلها ويمنحها هذه الصفة؟!
هذا ليس هو الطريق.. وها هو الشعب يعرب عن رأيه في هذا العجين النئ، ويُظهر في ذات الوقت عظيم وعيه وتصميمه واستمراره في سلميته التي سيجني بها من الشوك العنب..!!