بإختصار: الثورة الحقيقية بدأت الآن بين “تسقط بس” و”ترجع بس” لذا سنبقي نصوّت بأجسادنا في هذا الأسفلت ولن نغادر الشارع – لا بديل ولا تراجع!

تعليق المفاوضات مع المجلس العسكري خطوة في الإتجاه الصحيح، بل هي في وجهها الآخر، تمثل الخيار الوحيد الذي من شأنه إعادة الروح للمطالب والحماس للجماهير والقوة الضاغطة لشعبنا لفرض إرادة الثورة ونفض اليأس الذي بدأ يتسلل الي روح الثوار .
كل من يدّعي النصر ويقول أن الثورة بلغت نهايتها المرجوّة والتي من أجلها إنتفض شعبنا، فإستشهد الشباب وضحي الأخيار بما لا يمكن حصره من تضحيات، يغفل مطلوبات الثورة وضآلة الحصاد بل وإنعدامه.
فالشعب لم ينتفض ليزيح البشير، شكلا ووجها، ويأتي بثلة من تنظيمه لتواصل حكمنا بذات المنهج المرفوض سلوكا وفكرا . الشعب ثار وطالب بإسقاط هياكل النظام كلها، وبالقصاص ممن قتلوه ونهبوه، وطالب بالحرية وبالسلام وبالعدالة وبإطلاق الحريات وبسيادة حكم القانون . مع شروق وغروب شمس كل يوم يتبدي جليا توافر معطيات خطيرة تسندها شواهد وحيثيات مرعبة تستلزم تغييرنا لقواعد إستراتيجية التعاطي بكاملها.
فواضح جدا أن المجلس العسكري يتعمد جرجرة أقدامه في مفاوضات عقيمة حول مظاهر سيادية وتنفيذية مدنية مشروعة إنتزعناها قوة وفداءا وإقتدارا ولم تتنزل علينا كمنحة لا من قصر البشير ولا من قيادة برهان . إذن لا يجوز أن نترك للمجلس العسكري، بتركيبته الحالية، قرار إدارة التفاوض وفق منظورهم كأن يكونوا “هم” من يبادرون بالفعل ويتركوا لنا الإستجابة في رد علي ذلك الفعل . هذه المعادلة الشائهة يجب أن تجد طريقها منذ هذا المساء للمزبلة ونمطمرها فيها والي الأبد . فليصبح تجمع المهنيين (المسنود بوحدة فولاذية لكل أطياف الكتل المنضوية له ) ومنذ الليلة هو المبادر وعليهم “هم ” الانجرار وراء القاطرة بالاستجابة إذا أرادوا.
لقد كان واضحا خلال الأيام الماضية أن المجلس العسكري إنصرف متعمدا عن كل الملفات الساخنة ذات القيمة المضافة، كالاعتقالات والتوقيف والتطهير الأمني بفكفكة وإعلان حل أجهزة القمع المسلحة من ميليشات ظل وحزب ودفاع شعبي وخلافه . فأبقي الحال علي ماهو عليه بلا معالجات فورية مطلوبة. وكأني به يتقصد سوء النية بترك المنظومة الامنية الكيزانية العقائدية المسلحة حية تسعي لاستخدامها كورقة ضاغطة لصالحهم، تماما كما كان يفعل علي عثمان والجاز ونافع وأحمد هارون وغيرهم من المجرمين الذين بنوا هذه الهياكل الفاشية سيئة السمعة والصيت.
إذن، إن اللهث خلف المجلس العسكري ليعطينا ماإنتزعناه من شرعية والوقوف ببابهم صباح مساء لمباركة خطواتنا هو عين الخطأ . فمن يطلب الإذن له بممارسة حقوقه الأصيلة يماثل في غبائه من يتبرع بأن يبرك في قارعة الطريق ويعلن للمارة أنه يتمتع بمشي الناس علي ظهره !
كفانا سمسرة بدماء الشهداء، فلعمري تلك دماء طاهرة لا يجوز إخضاعها لسوق النخاسة السياسية الرخيص.
الخلاصة : أعتقد ان تعليق الحوار ليس كافيا لما أطلبه من إستراتيجية بديلة لكن التعليق يمثل أولي العتبات الجريئة التي يجب ان نستتبعها بخطوات وتصرفات أكثر صعقا ووقعا ترفع سقف المطالب الي الاعلي . من هذه الخطوات اللاحقة الصادمة يجب التهيؤ للجهر صراحة بضرورة:
١- تغيير الوجوه الأربعة لأعضاء المجلس العسكري التي تأكد إرتباطها الأيديولوجي بالنظام الكيزاني.
٢- تصعيد التعبئة الشعبية الشاملة في كل الاعتصامات الحية في المدن الكبري لمؤازرة مايحدث في العاصمة.
٣- خلق منصة إعلامية ثابتة في ميدان الاعتصام تنطق بإسم القوي المنضوية تحت تجمع المهنيين لتقديم إيجاز يومي Daily Briefing لتنوير المعتصمين وغيرهم بمجريات ووقائع اليوم كالمقابلات والقرارات والاجتماعات ألخ مما يسهم في خلق ترابط قوي مابين مكونات تجمع المهنيين وقياداته، من جهة، ولتفويت الفرصة علي الإشاعات والبلبلة المعلوماتية، من الجهة المقابلة.
٤- نؤمن، ايضا، علي أهمية التواصل الفوري وتشجيع إنسياب زيارات الفعاليات والشخصيات الدولية، والدعوة لترتيب لقاءات مع ممثلي الحلفاء والأصدقاء في منظمات المجتمع المدني العالمية والبرلمانيين والمراسلين الدوليين من أجل زيادة الضغط العالمي ومحاصرة زبانية نظام الكيزان الجدد.
الان فقط، بدأت المعركة الحقيقية لتحقيق مطالب الثورة وهي الأهم . فخلعنا للص الفاسد المجرم عمر البشير لن يقضي علي مكونات نظامه السرطاني . فهذا الداء المستشري في حياتنا سيفتك بجسد الثورةإذا لم نخضعه لجراحة إستصال، نعم مؤلمة لكنها واجبة حتي لا تفسد مطالب ثورتنا المشروعة . فشعبنا ينتظر أهل الدراية والخبرة ليحسنوا قيادته الي غد نحلم به ونشتاق لتوريثه لأجيالنا القادمة ويرفض أن تسيطر عليه حفنة عسكر اليوم ليرموننا مرة أخري في وهدة فشل آخر تستمر لعقود.
عبدالرحمن الأمين
[email protected]