أخبار السودان

(المرسوم الدستوري) المكمل لـ(الإتفاق السياسي) .. هوامش وتعليقات

(المرسوم الدستوري) المكمل لـ(الإتفاق السياسي) .. هوامش وتعليقات

بقلم: ماهر أبوجوخ

أطلعت على نصي (الإتفاق السياسي ما بين المجلس العسكري الإنتقالي وقوى الحرية والتغيير) و(المرسوم الدستوري) الذي يتأسس على الإتفاق السياسي المبرم بين الطرفين، ورأيت أنه من الضروري الإشارة وعلى عجاله لبعض القضايا التي وردت ضمن (المرسوم الدستوري) بوصفه يحوى القضايا التفصيلية الخاصة بتنظيم هياكل وعمل مؤسسات المرحلة الإنتقالية.

تتطرق الإتفاق السياسي لشكل المؤسسات الحكم الإنتقالية ومهامها وتكوين لجنة التحقيق المستقلة وضرورة المساندة الإقليمية والدولية للسودان في مرحلة الإنتقال خاصة في ما يتصل بدعم جهود برفع إسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإلغاء الديون الخارجية، في ما تعد النقطة الأساسية في هذا الإتفاق مرتبطة بالنص التوفيقي الخاصة بالمجلس التشريعي القومي والمقرر تشكيله خلال ثلاثة أشهر وهو ما فتح الطريق أمام التوصل لإتفاق بين الطرفين حول (الإتفاق السياسي).

أتاح هذا النص التوفيقي لكل طرف التمسك بموقفه المتصل بنسب تشكيل هذا المجلس التشريعي القومي ، فقوى الحرية والتغيير استندت في موقفها على مرجعية إتفاق 15 مايو الماضي مع المجلس العسكري والذي نص على شغلها لـ67% من مقاعد المجلس التشريعي مقابل تخصيص 33% من المقاعد للقوى السياسية والإجتماعية خارج قوى الحرية والتغيير والذين سيتم تعينهم بالإتفاق بين الطرفين –أي قوى التغيير والمجلس العسكري- في ما تمسك المجلس العسكري بموقفه الداعى لمراجعة هذه النسبة.

يعد (المرسوم الدستوري) هو الجزء المكمل لـ(الإتفاق السياسي) بوصفه يتضمن الإجراءات الدستورية ذات الصلة بإدارة المرحلة الإنتقالية وهذا الأمر يجعل من (الإتفاق) هو مرجعية (المرسوم الدستوري) خاصة الجانب المتصل بإستنباط الأحكام والإجراءات المنظمة للعلاقات بين مستويات الحكم المختلفة.

من المهم الإشارة لجوانب إيجابية وردت ضمن محتويات (المرسوم الدستوري) وعلى رأسها تضمين وثيقة الحقوق ضمن بنودها ومحتوياتها، وإلزام المادة 4 (2) السلطة الإنتقالية بإنفاذ حكم القانون وتطبيق مبدأ المساءلة ورد المظالم والحقوق المسلوبة وعدم سقوط بالتقادم للجرائم الناتجة عن إساءة إستخدام السلطة التي أرتكبت منذ 30 يونيو 1989م، ونص المادة 5 (ي) على تفكيك التمكين الإقتصادي والسياسي والأمني الخاص بحزب المؤتمر الوطني وبناء دولة القانون والمؤسسات، ومنع المادة (11) رئيس وأعضاء مجلس السيادة والحكومة وولاة الولايات من الترشح في أول إنتخابات عامة يتم تنظيمها بعد إنتهاء الفترة الإنتقالية وإعلان المادة 58 (7) بإالإلتزام بإتفاقيات السلام المبرمة مع الحركات المسلحة بوصفه يضمن إستدامة السلام بمنع مسببات عودة تلك الحركات للحرب مجدداً في حال إلغاء الإتفاقيات المبرمة معها.

من المهم التوقف السريع عند بعض القضايا ذات الصلة بالمرسوم الدستوري لإبداء بعض الملاحظات حولها وعلى رأسها صيغة الحصانة الخاصة برئيس وأعضاء مجلس السيادة -الواردة بدون ترقيم ما بين المادتين (14) و(15) بالوثيقة- والتي تختلف صياغتها عن نص الحصانة لأعضاء مجلس الوزراء والمجلس التشريعي القومي في ذات الوثيقة.

يشير ذاك النص المتعلق بحصانة رئيس وأعضاء مجلس السيادة على (يتمتع رئيس وأعضاء مجلس السيادة بحصانة في مواجهة أي إجراءات جنائية ولا يجوز إتهامهم أو مقاضاتهم أمام أي محكمة ولا يجوز إتخاذ أي تدابير ضبط بحقهم أو بحق ممتلكاتهم أثناء فترة ولايتهم) ، أما نصوص الحصانة المتعلقة برئيس وأعضاء مجلس الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي القومي فإنه إتفقت على منع إتخاذ أي إجراءات في ما عدا حالات التلبس ضدهم أو ممتلكاتهم إلا بإذن من رئيس مجلس السيادة في ما يتصل برئيس الوزراء أو رئيس الوزراء في ما يتصل بالوزراء أو رئيس المجلس التشريعي القومي في ما يتصل بأعضاء المجلس التشريعي القومي.

عند النظر في متن نص الحصانة الخاص برئيس وأعضاء مجلس السيادة الوارد بالمرسوم الدستوري نجده يتطابق بشكل كبير مع نص المادة 60 (1) من دستور 2005م الخاص بحصانة رئيس الجمهورية والنائب الأول مع إضافة شق جديد يتصل بمنع إتخاذ أي تدابير ضبط بحقهم أو ممتلكاتهم. نجد أن المادة 60 (2) من دستور 2005م حددت الإجراءات التي تجيز محاكمة رئيس الجمهورية والنائب الأول في حال الخيانة العظمي أو إنتهاك الدستور..

أغفل المرسوم الدستوري الإشارة لأي إجراءات تتصل بالإجراءات الواجب إتباعها تجاه أي من أعضاء مجلس السيادة أو الجرائم التي يمكن إعتبارها مبيحة للشروع في إقالته من موقعه على خلاف ما جاء في المرسوم الدستوري بتحديد إشتراطات هذا الإجراء بالنسبة لأعضاء مجلس الوزراء والمجلس التشريعي القومي. أما بالعودة للدساتير التي تلت إنتصار ثورتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م نجدهما قد حددا الإجراءات المرتبطة بتوجيه إتهام إنتهاك الدستور لأعضاء مجلس السيادة بإشتراط موافقة ربع أعضاء البرلمان عليه.

نجد أن إستجلاب هذين النصيين من دستوري 1964م و1985م حول هذه الإجراءات تجاه أي من أعضاء مجلس السيادة سيكون بمثابة صب مزيد من الزيت على نار الخلاف الناشب حالياً ما بين قوى التغيير والمجلس العسكري حول نسب تكوين المجلس التشريعي القومي خاصة مع إستصحاب طبيعة النظام البرلماني الذي سيترتب عليه منح قوى التغيير ما لا يقل عن أغلبية نواب التشريعي. وفقاً لهذه المعطيات قد يبدو أن التصور الأقرب للحل هو إستكمال ذلك النص بالمادة 60 (2) الواردة في دستور 2005م بمنح المحكمة الدستورية سلطة الفصل في إتهامات الخيانة العظمي وإنتهاك الدستور تجاه أي من أعضاء مجلس السيادة، مع إدخال تعديلات عليها برفع الشرط اللازم لإتخاذ هذا الإجراء من نواب البرلمان ليكون في حدود ثمانين في المائة من أعضاء المجلس التشريعي القومي للموافقة على هذا الإجراء.

أشارت المادة 23 (1) إلي مراعاة المجلس التشريعي القومي عند تكوينه لتمثيل كافة القوى المشاركة في التغيير لكن بالعودة لنص (كافة القوى المشاركة في التغيير) فنجده عمومياً مثيراً للخلافات مستقبلاً وهو يستوجب ضبطه بغرض وضع تصنيف واضح لتحديد القوى المشاركة في التغيير بتعريف أسهل يتضمن الجهات التي لن يُسمح لها بالمشاركة في المجلس التشريعي والذي يُعد أفضل نص في الوقت الحالي هو الذي ورد ضمن المبادرة الإفريقية الأثيوبية المشتركة بالإشارة إلي أن المجلس التشريعي القومي (يستثني النظام السابق والأحزاب والأفراد الذين تعاونوا معه عند سقوطه).

إشترطت المادة 25 (1) أن لا يحمل عضو المجلس التشريعي القومي جنسية دولة أخرى ويعد هذا النص متطابقاً للشروط الموضوعة لعضوية مجلس السيادة في المادة 16 (أ) وعضوية مجلس الوزراء في المادة 21 (أ) وقد يكون هذا الإشتراط الخاص بعدم إزدواج الجنسية مفهوماً في ما يتعلق بعضوية مجلس السيادة والحكومة للصفة السيادية المتصلة بهما، ولكن تطبيقه على مستوي المجلس التشريعي القومي يترتب عليه حرمان البلاد من الإستفادة من كفاءات سودانية نالت جنسيات دول اخري وإكتسبت خلال وجودها بالخارج خبرات متراكمة يمكن أن تفيذ البلاد على المستوي التشريعي.

على المستوي القانوني فإن التوسع في هذا الإشتراط الخاص بعدم الحصول على جنسية دولة أخرى يجعل الحق الذي ورد في نص المادة 36 (4) من ذات المرسوم الدستوري الذي جوز حق الحصول على جنسية دولة أخرى يؤخذ بالشمال بالحرمان من المشاركة في الأجهزة السياسية الدستورية، وكأنما ذاك الإقرار في المادة 36 يناظره الحرمان والمنع في المواد ذات الصلة بالشروط، وبالتالي فإن هذا الإشتراط المانع لأصحاب الجنسيات المزدوجة من عضوية المجلس التشريعي القومي يستوجب الإلغاء.

من بين القضايا التي تحتاج لتدقيق وتفصيل هي المرتبط بالقوات النظامية وما ورد حولها في المادة 5 (و) ضمن الشق الخاص بإصلاح المؤسسات العامة للدولة بصورة تعكس قوميتها وإستقلاليتها وعدالة توزيع الفرص فيها دونما إخلال بمبدأ الكفاءة خاصة النص على (إسناد مهمة إصلاح الأجهزة العسكرية للعسكرين)، والمادة 9 (ج) التي نصت على تبعية القوات المسلحة والدعم السريع لمجلس السيادة في ما تتبع الشرطة للحكومة أما جهاز الأمن فنص على خضوعه في مهامه لمجلس السيادة والحكومة وفقاً لقانونه.

في تقديري أن المادة 5 (و) تستوجب تعديلاً بحيث تصبح مهمة العسكريين (تنفيذ) الإصلاح الواردة ضمن الخطة المعتمدة من مجلس السيادة والحكومة –في رأيي التصور الأمثل أن تتأسس هذه الخطة على توصيات لجنة كفاءات عسكرية يشكلها مجلس السيادة والحكومة بشكل مشترك- وأن يشمل الإصلاح وضع أسس إستيعاب مقاتلي الحركات الثورية المسلحة. أما الشق المرتبط بالمادة 9 (ج) فمن الضروري تحديد الجزئية المتصلة بتبعية جهاز الأمن والمخابرات لأي من مجلس السيادة والحكومة وفي رأيي أن الشق المرتبط بمهام الأمن الخارجي والمخابرات هو الأكثر إرتباطاً بطبيعة مجلس السيادة أما الجانب الخاص بالأمن الداخلي فهو الأكثر إرتباطاً بمهام الحكومة مع إمكانية أن يقتضي هذا التمييز لفصل جهاز المخابرات عن الأمن الوطني نظراً لإختلاف المهام وفي ذات الوقت للحيلولة دون إزدواج التبعية وتنازعها ما بين مجلس السيادة والحكومة.

من بين التفاصيل التي أغفلها المرسوم الدستوري الجوانب ذات الصلة بهيكل مستويات الحكم الأدني من المستوي القومي والمشار إليها بشكل عام ضمن المادة (6) من المرسوم مع وجود نصوص أخرى تتناول تعين ولاة الولايات. من الضروري النص على ثلاث نقاط، تتصل الأولي بتحديد مدى زمني لإستكمال تكوين هياكل المستوي الولائي أسوة بالسقف الزمني الموضوع لتشكيل المجلس التشريعي القومي والمحدد بثلاثة اشهر في الإتفاق السياسي. أما الأمر الثاني فهو ضرورة النص الواضح على جعل أساس تقديم الخدمات والتعيين والتمثيل في المؤسسات العامة للدولة سيقوم على (الأقاليم)، أما النقطة الثالثة فهي الإتفاق على مناقشة وبحث الإنتقال من (الولايات) إلي (الأقاليم) خلال الفترة الإنتقالية وجعل الأساس لهذا القرار يتأسس على أراء ومطالب المواطنين ورؤيتهم حول هذه القضية.

هذه ملاحظات أوردتها بشكل سريع حول بعض ما ورد في وثيقة (المرسوم الدستوري) التي بات واضحاً أن بعض نصوصها تحتاج لبعض الضبط والإحكام والتفصيل بما يضمن عدم حدوث تجاذبات مستقبلية بين مؤسسات الحكم المختلفة طوال الفترة الإنتقالية.

14 يوليو 2019م
الخرطوم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..