أخبار السودان

المجلس العسكري هل هي محاولة للتنصل من تبعات الجريمة؟

جعفر عباس

قضيت معظم ساعات يوم أمس الأول السبت الموافق 13 يوليو أتمايل طربا، والملايين من أبناء وبنات بلادي يشكلون كتلا بشرية، تغطي معظم مساحات الوطن المأهولة، بينما تحلق فوق رؤوسهم أرواح الشهداء حتى حجبت عنهم قرص الشمس، وعندما اشتعلت الهواتف بالضياء بعد حلول الظلام، تمنيت لو استطيع ان اشعل أصابعي شموعا تسهم في قشع ظلمة الليل الطويل، وصولا الى محطة: وهزمنا الليل، وهزمنا الليل، والنور في الآخر طلّ الدار، وهزمنا الليل، والعزة اخضرّت للأحرار.

كانت مواكب السبت نداء قويا (عووووك) لمن يحسبون أنهم قادرون على الضحك على عقول الثوار بادعاءات موالاتهم ونصرتهم، ولكن لا حياء (بالهمزة) لمن تنادي، فرغم ادعاء المجلس العسكري أنه بصدد التوافق مع قيادة ثورة ديسمبر ممثلة في قوى إعلان الحرية والتغيير، إلا أنه ما زال يتعشم في تجيير التغيير الجزئي في شكل الحكم لصالحه، ولكنه عشم ابليس في الجنة، فقد أبلغهم الثوار بالأمس: نحن هنا، صامدون وعلى دروب الثورة سائرون، ولحماية مكاسبها ساهرون
بشكل مريب ظهر مؤخرا بند في الإعلان الدستوري، الذي سيكون التوقيع عليه بداية تشكيل الحكومة المدنية، يقضي بمنح أعضاء المجلس العسكري بعد ان يتحولوا الى عضوية مجلس السيادة، حصانة ضد المساءلة القانونية، وفي هذا يقال “كاد المريب ان يقول خذوني”، فمن يشك في أمر نفسه، ويخشى الافتضاح، يتصرف أو يتكلم بشكل يفضح فعلته، ومن باب التحلية فان هذا البند يمد غطاء الحصانة الى مجلس الوزراء؛ يا ترى من الذي أوعز للوساطة الأفريقية ان تحشر هذا البند في الدقائق الأخيرة من عمر المفاوضات؟ ولماذا تم حشره؟ هل لأن ذلك سيجعل عسكر المجلس أكثر ارتياحا فيعجلون بالتوقيع على الإعلان الدستوري دون كثير مماطلة؟

لو وافقت قوى التغيير على منح الحصانة لمجلس السيادة (العسكري) فلتسقط هي قبل العسكر غير مأسوف عليها؛ ورحم الثورة خصب وجاهز لانجاب قيادات ثورية صلبة العود، ولا تخون العهود، وقد أعلنت كل من قوى الاجماع الوطني وتجمع المهنيين الرفض التام لبند الحصانة والبنود المطاطية الأخرى التي تعطل تفكيك دولة البشير، او تمنح مجلس السيادة صلاحية شل عمل الحكومة المدنية، غير أن هناك وبين تلك القوى من يتحدث عن منح المجلس حصانة “إجرائية” تعفي أعضاءه من المساءلة القانونية خلال ال39 شهرا التي تعقب تشكيل المجلس، بمعنى ان تكون المحاسبة لاحقا، وهذه مهلة تكفي لمحو وطمس آثار الكثير من الأمور التي تستوجب الملاحقة القانونية.

قامت الثورة وهي تنشد الحرية والعدالة، وتعرض من نشدوا الحرية والعدالة الى التقتيل والتعذيب والإذلال على مدى عمر المجلس العسكري، الذي لا يفتأ يذكرنا بأنه مسؤول عن أمن البلاد والعباد، ولا مجال للحرية والعدالة في غياب سيادة القانون، ولا سيادة للقانون طالما ان هناك من يكون فوق القانون بحكم المنصب او الوجاهة أو المكانة، ولن يتنازل ثوري حقيقي عن الاقتصاص ممن قتلوا زهرة شبابنا وهم صيام ونيام في 8 و29 رمضان.

وإذا لم تكن هناك ريشة/ بطحة على راس الحرامي فلن يتحسسها، بل سيتصرف عملا بمقولة جمال الوالي التي نسبها زورا للحق جل وعلا بأن “العارف عزه مستريح”؛ أعني انه لو كان المجلس العسكري واثقا من براءة أعضائه (الذين شهد زميلهم شمس الدين كباشي بإدانتهم بجريمة 29 رمضان) فسيكون هو من يبادر بطلب سحب بند منح أعضاء مجلس السيادة حصانة ضد الملاحقة القضائية.

يجب ان تظل قضية شهداء مجزرة القيادة العامة هي البند الأول في جدول أعمال الحكومة المرتقبة وهي ليست شائكة كما ملفات الاقتصاد والسلام وغيرها، لأن الأدلة القطعية والظرفية التي تدين مرتكبيها موجودة بالكوم والردوم، واي تلكؤ أو مساومة حول وفي هذا الملف يعني ان يبدأ فصل جديد حاسم من فصول الثورة، ينتهي حتما بانتصارها الحاسم، وموكب السبت كما موكب 30 يونيو رسالة للعسكر بأن “الدرس انتهى، لمُّوا الكراريس”

إيد في إيد حلفنا نقاوم
وما بنتراجع وما بنساوم
بيننا وبينك تار يا ظالم

(بعد ان نشرت الكلام أعلاه طالعت في قناتي الجزيرة والحدث ان المجلس العسكري استأنف قرار القضاء بارجاع خدمة الانترنت وطالب بالغاء القرار… فلماذا؟ هل انزعجوا من فيديوات المجزرة؟ هل يعتزمون القيام بشيء يتطلب الكتمان؟ أن ان نقل مواكب السبت ارعبهم؟)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..