أخبار السودان

هل يؤدي الاتفاق إلى وفاق أم شقاق؟

جعفر عباس

هللت الوساطة الافريقية صباح ال17 من يوليو الجاري، لتوقيع قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري لاتفاق سياسي، يحوي الخطوط العريضة لشكل وجوهر الحكومة الانتقالية المرتقبة، وقالوا ان التفاصيل، حيث يقبع الشيطان، ستخضع للنقاش يوم غد الجمعة، وفي تقديري فإن أصدق ما صاحب الإعلان عن التوافق السياسي، كانت دموع الوسيط الإثيوبي التي انهمرت وهو يتحدث عن “هذا البلد العريق والشعب العظيم”، وهكذا هي أفريقيا التي “بها ثاراتنا وأقدارنا، ووعودنا للعالم الرحب السعيد بحفنتين من العطاء”، كما قال شاعرنا الكبير محمد المكي إبراهيم، بينما العرب الذين نحاول الالتصاق بهم كما القُراد يكيدون لشعبنا كيدا
تضمّن الاتفاق السياسي بنودا إيجابية تساعد على انسياب نهر الثورة صوب مصبه المنشود، ولكن لا سبيل الى إنكار أنه أكد أيضا وجود ثقب كبير في أوزون المناخ السياسي المرتقب، فقد جاء فيه صراحة أن أمر تشكيل المجلس التشريعي (البرلمان) سيظل معلقا لنحو ثلاثة اشهر، مما يعني ان المجلس العسكري الذي تعودنا منه على الحنث بالعهود ولحس الكلام، لا يقبل بما سبق ان قبل له، وهو ان يكون ثلثا أعضاء المجلس مختارين من قبل قوى التغيير، ويعني أيضا أن قوى التغيير نفسها لم تعد متمسكة بهذا المطلب، وإلا لكان هناك إصرار على حسم هذا الأمر ضمن الورقة السياسية، كما حدث بالنسبة لمجلس السيادة.

ومعنى هذا أن المجلس سيفرمل مرة أخرى جهود تشكيل الحكومة الانتقالية، بعرقلة تشكيل البرلمان، ما لم- بالطبع- يأتِ كما يشتهي العسكر، متيحا العديد من المقاعد لفلول حكم البشير، وغيرهم من فئة “شعب كل حكومة”، بموازاة تراخي جماعة الحرية والتغيير، وعملهم بمنطق “المال تلته ولا كتِلتو”، فيتنازلون، ويخسرون بذلك الأغلبية المطلوبة جدا لتمكين الحكومة من انجاز مهام المرحلة الانتقالية، فالبرلمان هو العمود الفقري لأي حكومة ديمقراطية، وهو الذي يسن القوانين ويحاسب المسؤولين ويرفع الحصانة عن الخارجين على القوانين (لا اعتقد ان المجلس العسكري سيطالب الحصانة المطلقة في الإعلان الدستوري لأن في ذلك اعتراف صريح بأنه يخشى المساءلة في أمر عمليات القتل التي تمت منذ مطلع يونيو المنصرم).

وقد بدأت الشقوق سلفا في جسم قوى الحرية والتغيير بعد ان رفض الشيوعيون والجبهة الثورية (الحركات المسلحة) الاتفاق السياسي، وهو أمر ظل العسكر المسنودين بكتائب من المستشارين الكيزان تعمل على تحقيقه، كي تنكر على قوى التغيير تمثيلها حتى لجميع مكوناتها، على كل حال، أرفض تماما وصم من فاوضوا العسكر بخيانة الثورة والثوار، لأنهم وقعوا على الإعلان السياسي، ولكن من حقنا ان نعتب عليهم لأنهم لم يركزوا تماما في امر المجلس التشريعي، ولم يطالبوا بحسمه استنادا الى التوافق الذي تم التوصل اليه في مايو الماضي، وأعتب عليهم لأن هناك درجة من التراخي في مواقفهم وكأنهم لم يعودوا يدركون أنهم يتمتعون بسند شعبي لم يحظ به تنظيم او تكتل سياسي او حكومة في تاريخ البلاد، بينما المجلس العسكري بلا أي سند شعبي، ويمارس حيَل الكيزان بفبركة حشود هنا وهناك، بل أضاع 6 ملايين دولار للاستعانة بالشركة التي يديرها ضابط مخابرات إسرائيلي سابق لتحسين سمعته داخليا وخارجيا، ومن يسعى لشراء الصيت الحسن بالمال لابد يدرك أن سمعته “مش ولابد”.

والشاهد: الاتفاق السياسي هذا ليس شرَّاً كله، ولا هو انجاز يستحق التهليل، فهو لم يقارب أمورا جوهرية مثل تشكيل البرلمان، ولكنه ومن ناحية أخرى يجعل مجلس الوزراء يقوم بمهام البرلمان طوال الأشهر الثلاثة الأولى من عمر الحكومة المدنية، وهكذا أجد نفسي ممزقا بين التفاؤل والتشاؤم وبالتالي “متشائلا”، ومنشأ التفاؤل هو ان قوى الثورة ما زالت يقظة وقادرة على حراسة الثورة و”استعدالها”، ومتشائم لأنني لا أثق بوعود وعهود العسكر بعد أن أثبتت الوقائع أن كلامهم بالليل يمحوه النهار، ولأنهم محاطون في القصور والمكاتب برجالات ونقابات البشير، المستهدفين بالتغيير وبئس المصير، سأظل متشائلا، وأرحب بمداخلات القراء.

تعليق واحد

  1. استاذ جعفر لك التحية والتقدير.. الشارع فعلا مع قحت..ولكن إذا تكونت الحكومة المدنية وكلها من الكفاءات وتكون بواسطة قحت..وإضافة لذلك مجلس السيادة ٥اعضاء مع عضو محايد …هنا يزداد ثقل قحت يكون معهم الشارع اضافة للحكومة وال٥ أعضاء….الوزراء المعينون من قحت في امكانهم غربلة النقابات داخل وزاراتهم. والتي مازال يسيطر عليها النظام السابق….وهذه بعد أن تغربل تضاف لقوة قحت….اظن الاتفاق ممتاز .وفرصة يجب أن نستغلها. خاصة واننا مسنودون بالاتحاد الافريقي والترويكا..وقد شهد التوقيع وعلى الهواء مباشرة مجموعة لايستهان بها…مع ملاحظة أن اي تاجيل للاتفاق يصب في مصلحة فلول النظام المندحر…..مارايك استاذ جعفر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..