أخبار السودان

د. الشفيع خضر: الفترة الانتقالية يجب إدارتها بعقلية توافقية لا إقصائية كأغلبية وأقلية

أديس أبابا: عمرو شعبان

الشفيع خضر رجل المهمات الخاصة هكذا تحدث عنه أكثر من قيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير والحركات المسلحة بالجبهة الثورية بردهات فندقي رأديسون بلو وجوبيتر لدى مروره أمامهم.. الرجل يتأبط طيلة الوقت أوراقا وينهمك في أحاديث هامسة لا تخرج فحواها نهائيا مشكلا لغزا بوجوده هناك.. (السوداني) التقته في آخر أيام جولات المشاورات بين أبناء المعسكر الواحد.. فماذا قال؟

• كثيرون وصفوك بأديس أبابا بالجندي المجهول في هذه المشاورات وأنك من أنقذت التفاوض.. ما حقيقة وجودك ودورك؟

– طبعا دوري يرتبط بما قلته من قبل في وقت سابق عام 2016م بعد الحادثة المعروفة، بأنني في خدمة الوطن وقضاياه من أي منبر يتاح لي دون أن أنتظر مقابلا.. وحقيقة أشكر كل من تحدث عن دوري أو أشار إليه، وهو يتلخص في أنني ميسر أو مسهل لتقريب الشقة ووجهات النظر المختلفة حول القضايا المتباحث حولها، وأعتقد أنه كان عملا تضامنيا، بالتالي لا يوجد لي دور مميز أو خاص.

• وعلى أي أساس تمت مشاركتك؟ أي من وجه لك الدعوة؟

– في الحقيقة تلقيت دعوة من مجموعة “الديمقراطية أولا”، التي نظمت هذا اللقاء وترعاه وتتولاه، واتفقوا على أنه بالإضافة إلى فريقهم لا بد من وجود مجموعة أخرى. وبالفعل تم اختياري على أي حال بالتشاور مع الأطراف سواء الجبهة الثورية أو قوى إعلان الحرية والتغيير، وكلا الطرفين أجمعا على أن وجودي مفيد.. وبالفعل وصلت إلى أديس أبابا واستقررت بمفردي مع بعض أقربائي.

عمليا كنت أحضر كل الاجتماعات المهمة وأي اجتماعات فيها مشكلات كنت أشارك فيها بما لديّ من خبرة ومعرفة وعلاقة وطيدة بالطرفين في الحركة السياسية السودانية والحركات المسلحة.

• بغض النظر عن النتائج، ما يزال الشارع مهموما بالطريقة التي دارت بها النقاشات والاجتماعات، مقارنة بما كان في السابق، هل ما تزال أمراض العقل السياسي السوداني موجودة؟

– بصراحة، ودون أن يغضب مني الناس الأمراض موجودة، بالذات فيما يخص المحاصصات وتجدها موجودة في الذهن، وأنا لا أريد أن أقول حديثا إنشائيا لكن أعتقد أننا حاليا اخذنا 3 أسابيع للتفاوض، في مقابل ما شاهدته بنفسي في مؤتمر أسمرا 1995م للقضايا المصيرية، الذي أخذ ما يقارب 12 يوما وكان يناقش قضايا كبيرة جدا، مثل محور الدين والدولة، ومحور شكل الحكم، وتقرير المصير، وتقسيم الثروة، بالتالي منطقي أن يستغرق تلك الفترة الزمنية الطويلة.

• والاجتماع الحالي؟

– أما الاجتماع الحالي ففيه نقطة لم ينتبه لها الكثيرون، وهو أنه يجيء بعد ثورة حقيقية أجمعت عليها قطاعات الشعب السوداني كله، صحيح الثورة جاءت نتيجة تراكمات بدأت منذ الوهلة الأولى، ولا شك أيضا أن العمل المسلح والمجموعات المسلحة ساهمت في هذه الثورة عبر نشاطها لكن القدح المعلى للشعب السوداني الذي حسم الأمر.

• هل برز الحديث عن المحاصصات؟

– حينما يأتي من يتحدثون باسم الشعب من القوى السياسية لا بد من بروز العقليات السياسية المختلفة، وكان هناك حديث عن قسمة السلطة لكن فيما يشبه طلب ضمانات أكثر من كونها محاصصات.

• ضمانات لماذا؟

– حتى لا تحدث خيانة للعهود كما حدث كثيرا في وقت سابق وألا يحدث ما حدث من مشاكسات بعد نيفاشا، وهكذا جاء كل ذلك في هذا الإطار، لذا أخذت المشاورات وقتا طويلا حول (كيف يقاد السودان في الفترة الانتقالية وليس من يقوده؟)، وكذلك انتقلت المشاورات أوتوماتيكيا إلى من سينفذ الناتج أو النتائج جيدا، في سؤال (كيف سيقاد السودان؟).

وفي اعتقادي الناس كانت على قدر المسؤولية بالفعل للتوصل إلى ما تم التوصل إليه.

• إذن، هو اتفاق شامل في تقديرك؟

– هناك نقطة مهمة، أن كل ذلك اتفاق على موقف تفاوضي لمناقشة الإعلان الدستوري الذي سيتم التوافق عليه.. ولأن فكرة السلام الحقيقي ستطرح في مؤتمر السلام فقد تم الاتفاق على أن يبدأ التحضير له من الآن عبر الاتفاق في أديس أبابا.

• بمعنى؟

– بمعنى أنه من لحظة تسمية رئيس الوزراء مباشرة تكون هناك مفوضية للسلام، وأعتقد أن ذلك المؤتمر هو ما ستكون فيه نقاشات واسعة حول قضايا السلطة والثروة، لكن هذا الاجتماع حول موقف تفاوضي يتم من خلاه معرفة كيفية التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي، ومحاولة ضمه أو إدراجه في الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي.

• هذا يعني أنه لن يكون هناك تفاوض بين حركة من الحركات والمجلس العسكري؟

– نعم عبر المفوضية في حكومة الفترة الانتقالية، هي التي ستفاوض، وأعتقد أن المجلس العسكري بمجرد التوقيع على الإعلان الدستوري سيحل مكانه مجلس السيادة، وبناءً على ما سيتم الاتفاق عليه في الإعلان الدستوري ستكون هناك ترتيبات السلام التي ستكون مفوضية السلام هي الجسم التنظيمي لها، وأعتقد ستشارك فيها القوى السياسية المختلفة من الجانبين بما في ذلك الحركات المسلحة وبالتالي لا بد من مشاركة أجهزة الدولة المعنية بالترتيبات العسكرية والأمنية وبالتالي القوات المسلحة وأجهزة الأمن تكون جزءا منها.

• ألا ترى أن ذلك يعني أن تفاوض قوى إعلان الحرية نفسها؟

– لا لن تفاوض نفسها، فعلى سبيل المثال عندما تشكل حكومة ستتفاوض مع بعضها البعض، بالتالي وجود الحركات المسلحة أو أغلبيتها داخل قوى إعلان الحرية والتغيير لا يعني حسم قضايا السلام المرتبطة بالحكم والسلطة وقضايا الثقافة والدين بالإضافة إلى الحركات المسلحة الأخرى.

• حدد، ما الذي سيناقشه مؤتمر السلام؟

– اتفاق السلام أو مؤتمر السلام سيناقش ثلاث قضايا رئيسية وفقا للتصور الأولي: أولا قضايا كيف نحكم السودان، وثانيا الترتيبات الأمنية والعسكرية، ثالثا المشاركة في السلطة الانتقالية.. كل ذلك يجب أن يمضي مع كل القوى السياسية الأخرى حتى يُناقش في إطار المؤتمر الدستوري (كيف يحكم السودان؟)، وفي تقديري أن الاتفاق خطوة كبيرة جدا نحو المؤتمر الدستوري.

• ما يربط حركات الجبهة الثورية أنها ترى إمكانية ضم كل هذه الجيوش في جيش قومي واحد، بينما ترى حركات أخرى ضرورة بقاء جيشين خلال الفترة الانتقالية.. ماذا عن هذه الحركات؟

– على المستوى الشخصي لا أعرف ماذا عن برنامج قوى إعلان الحرية والتغيير لهذه الحركات بالمعنى التنظيمي.. لكن ما فهمته أنهم أرسلوا رسائل لعبد الواحد وعبد العزيز الحلو، وما عرفته أن هناك طرفا من قوى إعلان الحرية والتغيير ممثلا في تجمع المهنيين عقد لقاء مع قيادات الحلو، وربما يظهر البيان المشترك بين الطرفين.. هذا كله في سبيل توحيد الرؤى حول كيف يحكم السودان وكيف يتحقق السلام.. أما الترتبيات الأمنية حول جيشين أو جيوش ودمج كل ذلك يخضع للترتيبات الأمنية ومناقشاتها. لدينا حقيقة تجربة كتجربة نيفاشا في اتفاقية السلام الشامل، سنستفيد منها، حيث كان هناك الاتفاق على جيشين أو جيش مشترك وقيادة مشتركة، والفكرة كانت أنه حال الوحدة يحدث دمج كلي تدريجيا.. حاليا في مشروع السلام الآن غير مطروح فكرة حق تقرير مصير والمطروح شكلا من الإدارة الذاتية أو الحكم الذاتي أو المعاملة الخاصة أو الميزة الإيجابية أو التفضيلية، وهو ما سيسهل مسألة الجيوش.
وفي اعتقادي هي مسألة خاضعة للتفاوض والمناقشة ويساهم فيها السياسيون والعسكريون بهدف عدم وجود جيوش متصادمة في السودان.

• وهل سيكون ذلك بهذه السهولة؟

– لا بالطبع.. لا أظن أن هذا الموضوع سيمضي بهذه السهولة التي نتحدث بها بل ستكون هناك قضايا ستطرح بما في ذلك الجيوش الموجودة حاليا سواء دعم سريع أو خلافه.

• كنت شريكا في 95 أم الآن فوسيط.. هل هناك فرق كبير؟

– أعتقد أن هناك كثيرا من الظروف الإقليمية تلقي بظلالها في الراهن، ناتجة عن أن أسمرا كانت فكرتها إنتاج تجمع متماسك بهدف إسقاط النظام، حاليا هذا الهم غير موجود لكن هناك هم ما سنفعل في النظام الجديد.. أرى أن هناك نضجا في العملية السياسية بلا شك، نضج في الأداء والتفكير وتقارب كبير بين القوى المختلفة وهو أمر إيجابي، بل هناك إصرار على تحقيق اختراق.

• هل تعني تدخلات إقليمية مباشرة؟

– سأكون واضحا، هناك ظلال إقليمية أو أدوار إقليمية تلقي بظلالها بشكل غير مباشر، الجيد أن كل القوى بلا استثناء كانت مصممة على تخطي هذه الظلال أو الجزء السالب منها.

• ممَّ تخاف على المشروع الحالي في البلاد؟

– أخاف من أن الموضوع كله يختزل وننسى كل شيء ونصطرع حول المشاركة في السلطة بين القوى المختلفة على الرغم من تطمينات كل القوى بأن ذلك ليس الأجندة الرئيسية، لكن بالطبع في إطار العمل السياسي لا تعرف ما الأولويات.

ثانيا أخشى من مواصلة الصراع الإقليمي وأن يكون السودان مرتعا للصراع الإقليمي وندخل في مرحلة الاستقواء بهذا الطرف أو ذاك، ونعلم أن هذه هي السمة لموجودة حاليا في ليبيا أو اليمن أو سوريا.. لكن كل من التقيتهم وسمعتهم وما أدرته من مناقشات، لم أجد أحدا غير متخوف من ذلك ويفكر في كيفية منعه ومعالجته.

• ومن أين يمكن أن يتسرب ذلك الخطر؟

– المدخل إلى الصراع هو موضوع السلطة، لأن المعادلة تقول بوجود قوى تريد استلام السلطة لم تستلمها بعد، هناك قوة شاركت في هذه الثورة وترى أن لها مساهمتها كالجيش وغيره ولها خطتها حول السلطة. وهناك قوى كانت في السلطة ستقاوم التغيير، هذه القضية في تقديري ستكون مستمرة.. أعتقد أن اتفاق القوى السياسية عبر اتفاق سريع مع القوى الأخرى وتمتينه ثم الإعلان الدستوري، وفي نفس الوقت تمليك كل المعلومات والتفاصيل للجماهير.

كذلك هذه المرة ليست تجريدا، بل هناك ما هو ملومس، هناك لجان أحياء ولجان مقاومة ولجان ميدان، تحرك الشارع وهناك تجمع المهنيين الذي له دور رئيسي، ويجب تمليك كل الحقائق التفاصيل والمعلومات مهم جدا حتى يضمن الناس نجاحات للثورة.

• هذا يعني أن يستمر الضغط في الشارع؟

– نعم لا بد من ذلك، وأي سياسي سواء كان مدنيا أو عسكريا، يتضجر من الضغط الموجود في الشارع، إما أن يعيد حساباته، أو يتم النظر إليه على أنه صاحب أجندة أخرى؛ لأنني أعتقد أن الضغط الجماهيري ضمان.

هناك من يتهم الجماهير بأنها تقول شعارات غير واعية ومتطرفة، ولمنع هذه الشعارات المتطرفة تقع المسؤولية على القوى المتفاوضة بتمليك المعلومات الحقيقية والتحليل الصحيح وتطرحه للجماهير خاصة وأن الشباب لا يفكرون كما تفكر الحركة السياسية، ويمتلكون أدوات تفكير وطرائق أخرى، وهو ما يطرح قضية جديدة هي قضية الخطاب السياسي التي يتفترض أن يتطور ليتواءم مع عقلية الشباب ليكونوا مع القوى السياسية في هارموني، أما الضغط فلا أرى له بديلا إلا تحقيق مطالب الثورة السودانية.

• ما طبيعة وحيثيات المقترحات التي تقدمت بها وأنقذت المفاوضات من الانهيار؟

– هذا الحديث يجعلني أبدو كسيمبويا أو اوبوسانجو، وأنا لست كذلك، أنا شخص يعرف الأطراف كلها، وأعرف العقلية، فأقدم مقترحات عبر العمل على تجميع الآراء والرؤى من الناس، وأجمع الأشياء وأستخرج القاسم المشترك كمنهج، هذه العملية لم أفعلها بمفردي بل كل الناس شاركت بما في ذلك القوى السياسية والمدنية لأن الحوارات متواصلة، من أحاديث لا ينتبه لها أحد وتكون مهمة، هناك من قدم مقترحات مدهشة تدل على نضج عالٍ في التفكير في محاولة لم الشمل.

• ما روشتتك لنجاح المرحلة الانتقالية؟

– أعتقد أن ما تم خطوة واحدة، وأعتقد أن الفترة الانتقالية حتى تنجح لا بد أن تقوم على أسس واضحة، حول كيف تدار الفترة الانتقالية، بعقلية توافقية وليس بعقلية إقصائية كأغلبية وأقلية، لأن مهامها جسام.. هذه الفترة الانتقالية هي الخامسة منذ استقلال السودان، 4 فترات فشلت إما بانقلاب عسكري أو كالأخيرة بانفصال الجنوب الذي عملنا على وحدته لكن فشلنا فيها، بدليل استمرار الحرب الأهلية. حاليا فرصة تاريخية خامسة لا أعلم ماذا سيحدث بعدها حال فشلت، وعلى القوى السياسة الالتزام بإدارتها بتوافق وروح البحث والتوافق حول المشروع الوطني لبناء الدولة السودانية الذي ظل غائبا منذ فجر الاستقلال، وهو مشروع كبير والوصول إليه سهل لأنه في أطروحات الجميع، حتى القوى خارج التغيير يمكن أن تساهم ما عدا من ارتكب جريمة في حق الوطن والمواطن وأمامه المحاكم والعدالة الانتقالية، بالتالي لا بد من عدم إقصاء أي تيار فكري.

السوداني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..