لنبدأ الاستعداد لليوم التالي بالكشكشة

جعفر عباس
لأنني مقتنع تماما بأن ثورة ديسمبر مستمرة، فإنني مقتنع بأنها ستحقق هدفها الرئيس بتشكيل حكومة مدنية مهما تأخر أو استطال التفاوض حول هذا الأمر بين قوى التغيير والمجلس العسكري، ومن ثم فإنني أتمنى أن يلتفت كل من قلبه على الوطن القفر اليباب، الذي ساد فيه الخراب، لشؤون اليوم التالي، عندما يتحول الفعل الثوري من هتاف واضراب عن العمل وعصيان مدني، الى جهد لإعادة البناء
ومقتنع تماما بأن الحكومة المدنية المرتقبة لن تصنع المعجزات في أمور إنعاش الاقتصاد وتحسين أوضاع معاش الناس في سنتها الأولى، رغم أن هناك برنامجا اقتصاديا اسعافيا لل100 يوم الأولى لها في الحكم، وعلى كل حال فنحن نعرف أن هناك أمورا جساما على تلك الحكومة معالجتها، ومنها إعادة هيكلة مؤسسات الحكم واستئصال الفساد واسترداد المال المنهوب، وتحقيق العدالة بمحاكمة جميع المجرمين على أفعالهم المخالفة للقانون منذ عام 1989 وغيرها من القضايا الكبرى
ولأن هذه الحكومة تأتي نتاجا لثورة شعبية كاسحة وللوسخ ماسحة، على كل مواطن نظيف وشريف ان ينزل الى ميدان العمل الطوعي كل في المجال الذي يعرف أدواته ومتطلباته وغاياته، ويمكننا تحقيق وإنجاز الكثير بالجهد الجماعي، ولأن الحكومة ستكون عرجاء بسبب عدم توفر الموارد المالية، فلا سبيل لإصلاح كثير من الأمور إلا بالمبادرات الشعبية
وهناك مجالان لا يمكن ان تنتظر عمليات الإصلاح والانعاش فيهما تحسن الأوضاع الاقتصادية، وهما التعليم والصحة، والرأي عندي هو أن يتم تعطيل الدراسة في مدارس التعليم ما قبل الجامعي لسنة كاملة، يتم خلالها إعادة تأهيل البيئة التعليمية بأكملها، ولتكن البداية بإعداد مناهج مدرسية جديدة، وما يعنيه ذلك من طبع ملايين الكتب، وبعدها لابد من ضمان وجود مقعد لكل طالب في مبان غير آيلة للسقوط كتلك التي ورثناها من النظام الساقط، كما ان إغلاق المداس لسنة واحدة ضرورة عملية لتجهيز مبان تصلح لإيواء البشر، وبالطبع لا يمكن إغلاق المستشفيات والمراكز الصحية ليتم إعادة تأهيلها، ولكن لابد من الحرص على توفير الحد الأدنى من متطلبات ولوازم الخدمات الطبية فيها، وعلى رأسها الأدوية ومعينات الجراحة والتصوير الاشعاعي.
أعرف أن تأهيل المدارس والمؤسسات الصحية يكلف مبالغ طائلة، ولكن عشمي كبير في المغتربين السودانيين الذي نظموا أنفسهم سلفا في مجموعات لمساندة الثورة ثم مساندة الوطن، وما زلت مقتنعا بأن من بين قرابة خمسة ملايين سوداني مهاجر، هناك نحو مليون كل واحد منهم مستعد للتبرع بألف دولار تلبية لنداء الواجب بعد قيام الحكومة الوطنية والناتج مليار دولار كافية للإعمار
على حكومتنا المرتقبة تفادي ان تحش ب”دقنها” بأن تبتعد عن الوعود غير القابلة للتحقيق، وان يكون تركيزها على منع المزيد من التدهور في مختلف الأصعدة، يعني الحكومة التي ستتولى مقاليد الأمور للسنوات الثلاث التاليات ليست مطالبة بتشييد او حتى اصلاح الطرق والجسور، ولا بتحسين الأجور (منين يا حسرة)، ولو اهتمت بأمر استقرار امدادات الكهرباء تكون قد ساهمت في دفع عجلة الاقتصاد والخدمات العامة
يا سودانيو المهاجر: واجب الأوطان داعينا، فهيا نشمر ساعد الجِد ساعة الجَد، والف دولار ما كتيرة على الوطن الجميل وشعبه النبيل، وثقتي عظيمة في أنكم لها، وفي أن من بين الرأسماليين الوطنيين شرفاء سيبذلون الكثير لدعم مشاريع تأهيل مرافق الصحة والتعليم، ف”كشكشوا” ليستعيد الوطن عافيته بالتدرج وتذكروا أن من قاموا بالثورة شباب مستعدون للإسهام في كل جهد بما هو أعلى قيمة من الكاش
وليت كل من قلبه على الوطن يساهم في النقاش حول أولويات المرحلة الانتقالية لأن إعادة بناء الوطن الحدادي مدادي لن يكون فرادي بل بإرادتنا الجماعية والتي ينبغي ان يكون أولها “أفكار وحوار”