مقالات سياسية

جهاز المخابرات.. قرار سليم

القرار الذي أصدره المجلس العسكري بتحويل جهاز الأمن والاستخبارات إلى جهاز للاستخبارات الوطني وجد ترحيبا وارتياحا واسعا، فهذا القرار أكثر ذكاء وحكمة من قرار المجلس العسكري والوزراء عقب انتفاضة أبريل 1985 عندما أخطأ بحل جهاز الأمن فكان كارثة على الأمن القومى.. صحيح كان قرار الحل كما جاء في بيان المجلسين هو استجابة لمطلب الانتفاضة ولكن كان المفروض أن يخضع القرار لمتطلبات الأمن القومي ومصالح الوطن العليا. وهذا ما فعله المجلس العسكري الحالي بإعادة هيكلة جهاز الأمن وليس حله.

وكما كتبت سابقا لا يوجد في العالم لا ولا الأنظمة الديمقراطية دولة خالية من جهاز للاستخبارات لمكافحة المؤامرات الخارجية ولسد الثغرات في أمنها القومى..

لقد ورد في دستور 2005 المادة 151الذي أقرَّته وشاركت فيه الحركة الشعبية ما يلى: 1- ينشأ جهاز للأمن الوطني بالأمن الخارجي والداخلي ويحدد القانون رسالته وواجباته وشروط خدمته 2- تكون خدمة الجهاز ممثلة لكل أهل السودان – 3- تكون خدمة الجهاز خدمة مهنية وتركز في مهامها على جمع المعلومات وتحليلها وتقديم المشورة للسلطات المعنية ويكون تحت إشراف رئاسة الجمهورية.

كان يفترض بذلك الجهاز وبحكم الدستور أن يلتزم بما ورد فيه ولكن كما ظل نظام الإنقاذ يمارس الكذب والتلاعب والظلم فقد أمر المجلس الوطني الذي لا قيمة له بإصدار قانون جديد للأمن يخالف الدستور وروحه، كما عودنا في كل القوانين الخاصة بالحريات العامة مثل قانون الصحافة الذي ورد في المادة الدستورية رقم 39 الخاصة بحرية التعبير حيث تلاعب النظام بعبارة (بما يحدده القانون) فأخذ بالشمال ما أعطاه الدستور باليمين فكانت النتيجة التحكم في الصحافة والحريات العامة حيث تمنع نشاطات المعارضة ويسمح فقط لحزب المؤتمر الحاكم احتقارا للدستور وكذبا على الناس مثلما فعل في حوار الوثبة..

لقد استخدم نظام الإنقاذ جهاز الأمن مثلما حدث في نظام مايو لحماية النظام ومارسا تعسفا واضحا في استخدام السلطة والقانون تجاوزا للعقيدة المهنية السليمة وإن كان جهاز الأمن في العهد المايوي أقل سوءا ولا يقارن بجهاز الأمن الإنقاذي في مواجهة المعارضين ورغم ذلك لم يكن من الحكمة حله بل إعادة هيكلته وتغيير عقيدته لخدمة الأمن القومي كما فعل المجلس العسكري الانتقالي الحالي. لقد مارس جهاز الإنقاذ أخطاءَ وجرائم كثيرة وتعسُّفا واضحا متجاوزا كل الأخلاق الإسلامية السليمة التي كان النظام يدَّعيها، فكان مجرد أداة بيد حزب المؤتمر الوطني وكما اعترف بعض من عملوا فيه فقد كان حاميا لكثير فساد مالي كان طابع نظام الإنقاذ الأمر الذي كان موضع سخط شعبي واسع.. ورغم ذلك لا يجب حله بل إعادة هيكلته كما فعل المجلس العسكري بجعله جهازا للاستخبارات. وعليه يجب أن يتحول الأمن العام إلى وزارة الداخلية لحماية الشعب والوطن وليس محاصرة الحريات العامة أو ما يسمى الأمن الإعلامي والاقتصادي وغير ذلك من مسميات عديدة أُنشِئت للتحكُّم وتكريس النظام الشمولى.. بل يجب عدم السماح لجهازي الأمن والاستخبارات أن يمارسا التجارة والعمل الاستثماري كما ظللنا نرى في عشرات الشركات، الأمر الذي أدى إلى فساد واسع.. يجب أن تتحول جميع شركاتهما إلى وزارة المالية والاقتصاد الوطني بعد إجراء المراجعة والمحاسبة اللازمة لمن أفسد وسرق.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..