هل تخلصت الحرية والتغيير من عبء الجبهة الثورية؟؟

*قراءة سياسية لألاعيب بعض قيادات قوى إعلان الحرية و التغيير و التي يبدو لي بأنها قد أجمعت على عملية التخلص من عبء قيادات الجبهة الثورية السودانية بشقيها على أساس أن دورها قد إنتهى و آن الأوان للرجوع إلي التداوير السياسية السودانية القديمة بحثاً عن تحالفات سياسية قديمة تضع الهامش السوداني العريض في الرف للإستثمار السياسي فيه متى ما كان ذلك ممكناً*.
هذه قراءة سياسية تبدو واضحة لمن أراد أن يرى و هي أننا أصلاً لدينا تحالفات سياسية هشة و غير عميقة و ليس لديها برنامج حد أدني ملموس هذه التحالفات أملتها ظروف بعينها و صارت بالتالي تحالفات للأمر الواقع فالمنطق يقول لا يمكن مثلاً لحزب الأمة القومي أن يكون حليفاً جاداً مع القوى السياسية المسلحة لأنها خصمه السياسي المباشر الذي خصم و سيخصم في المستقبل من رصيده الجماهيري و لا يمكن لحزب البعث العربي الإشتراكي الأصل أن يكون حليفاً إستراتيجياً للقوى الثورية المسلحة لأنها خصماً لمشروعه العروبي : أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة فبإختصار شديد نقول هنالك ظروف فرضها كرهاً لا طوعاً وجود نظام الجبهة الإسلامية القومية في سدة السلطة و هي التي أجبرت هؤلاء على وجود هذه التحالفات التي لن تصمد طويلاً و سوف تنهار في أول منعطف سياسي خطير يقابلها بعد سقوط النظام و إن كان السقوط نفسه شكلياً وهو ما يحدث الآن و بالطبع فإن حزب الأمة القومي يريد أن يتخلص من عبء التحالف السياسي مع خصومه السياسيين في القوى السياسية المسلحة/ الجبهة الثورية السودانية بشقيها لكي يستعد للفترة المقبلة التي تلي إنتهاء الحكومة المدنية الإنتقالية و لهذه الأسباب تتم قراءة مواقف الحزب و كذلك تتم قراءة موقف علي الريح السنهوري القومي العربي الذي تقع قيادة حزبه في بغداد فموقفه من ممثل الجبهة الثورية التوم هجو حينما منعه من حضور إجتماعات قوى إعلان الحرية و التغيير في دار حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل كما ذكر ذلك التوم هجو نفسه في تسجيل شهير فهو موقف أيديولوجي من الجبهة الثورية السودانية بشقيها أما حزب المؤتمر السوداني فهو حزب أصبح يلعب بالبيضة و الحجر و يظهر في دور مسيح السياسة السودانية و لكن المنطق السياسي يقول بأنه على تنسيق عالٍ مع حزب الأمة القومي و إنه أيضا يريد التخلص من حلفائه في قوى نداء السودان إستعدادا للمرحلة القادمة و يبدو في الأفق ملامح أن يصبح رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير رئيسا لوزراء الفترة الإنتقالية و البيان الذي أصدره الحزب نافياً فيه هذا الإتجاه أكَّد ذلك الإتجاه و لم ينفيه لأن صياغة البيان قالت إن الحزب لم يرشح الدقير لهذا المنصب و هذا الكلام صحيح لأن مَنْ رشح الدقير هم حلفائه بقيادة حزب الأمة القومي و الأمر المؤسف حقاً هو أن هؤلاء القوم يكررون الآن أخطاء الماضي القريب الذي أعقب أي تغيير في السودان و أقصد بذلك ماضي التسابق على كراسي السلطة في الوقت الذي كان يجب عليهم فيه إنجاز مهام التغيير و التأكد من أن الجبهة الإسلامية القومية قد تمَّ إخراجها من المسرح السياسي في الوقت الحالي حتى تتم تهيئة الأجواء لحياة سياسية راشدة و لكن هيهات و بإختصار شديد لقد عادت حليمة القوى السياسية السودانية القديمة إلي قديمها لذلك هنالك شبه إجماع على التخلص من القوى السياسية المسلحة المتحالفة مع قوى إعلان الحرية و التغيير ليترك المجال لمناورة القوى السياسية المسلحة الأخرى التي هي خارج هذا التحالف الحالي بمزيد من اللف والدوران و يبدو لي هنالك تنسيق كبير جداً بين المجلس العسكري مجلس الأمر الواقع و بين القوى السياسية التي تسعى للتخلص من الجبهة الثورية السودانية بشقيها و إلا كان بإمكان العساكر إدارج ما إتفقت عليه بعض قيادات قوى إعلان الحرية و التغيير في أديس أبابا مع قيادات الجبهة الثورية السودانية بشقيها و هو الحديث محل الخلاف الحالي إدارجه في الإتفاق لأن المجلس العسكري مجلس الأمر الواقع بيده مفاتيح العملية السياسية برمتها فهو الذي يحل و يربط. أتمنى أن تكون هذه القراءة خاطئة حتى لا يعود بنا التاريخ إلي الوراء حيث نقض العهود والمواثيق الماركة المسجلة للحركة السياسية السودانية القديمة.
نرجع و نقول تتحمل الجبهة الثورية السودانية بشقيها المسؤولية كاملة لما يجري الآن من محن و إحن لأنها فرطت في مسألة الإمساك بمفاتيح التفاوض في بداياته و أكثرت من التكتيات و الألاعيب و اللف والدوران حول نفسها و حول العالم و سوف تتحمل القوى الثورية السودانية التي هي خارج تحالف قوى إعلان الحرية و التغيير الآن كذلك المسؤولية في حالة ضياع هذه الفرصة التاريخية التي تقتضي وجود كتلة تاريخية حقيقية لقوى الهامش السوداني العريض لوضع الأمور في نصابها الصحيح أمام هذه الألاعيب التي يجيدها قادة مركز صنع القرار السوداني فلابد أن يرتفع قادة الهامش السوداني العريض إلي مستوى المسؤولية الملقاة على أعناقهم بأن يتجاوزوا جميع خلافاتهم البينية مهما كان حجمها حتى لا تضيع قضايا المهمشين السودانيين شمار في مرقة من خلال قراءة التكتلات السياسية السودانية التي أمامنا الآن بقيادة حزب الأمة القومي الذي لن يسمح للقوى اليسارية والديمقراطية و للقوى الثورية المسلحة بأن تقلب عليه الطاولة بسهولة. فيا قوى المهمشين السودانيين إتحدوا أو الطوفان لأن المجلس العسكري مجلس الأمر الواقع و القوى السياسية السودانية التقليدية بالإضافة للقوميين العرب وجهان لعملة واحدة لذلك سوف يتكتلون ضدكم عليه لمنع الثورة السودانية الحالية الفريدة من الوصول إلي نهاياتها المنطقية لذلك دعكم من التحالفات السياسية القائمة على المجاملات و على تطييب الخواطر و أبنوا للمهمشين تحالفاً إستراتيجياً جاداً يُلبي طموحاتهم و آمالهم بعد أن ضاعت أكثر من ستين عاما هي عُمر ما يُسمى بالإستقلال من أعمارهم فكفاية الإستمرار في مسلسل الضياع هذا.
برير إسماعيل
07 أغسطس 2019م