أخبار مختارة

بنك السودانيين  العاملين بالخارج (Sudanese Expatriate Bank – SEB)

حسين أحمد حسين

مقدمة

في مقال سابق هنا بالراكوبة الموقرة ذكرنا في ديسمبر المجيد 2018 بأن عائدات سلعتين فقط من السلع السودانية – الذهب والبترول، تصل في العام الواحد إلى (19.15) مليار دولار بأسعار البترول والذهب ليوم 16/12/2018. فإذا وَضَعَ د. عبد الله حمدوك يده على هاتين السلعتين فقط اللتين تُداران الآن خارج الدورة الإقتصادية للبلد منذ بداية انتاجهما (وأنا مسئول من هذه المعلومة بحكم عملي السابق بوزارة المالية)، وأدخلهما إلى الخزانة العامة، وأضاف إليهما تحويلات السودانيين العاملين بالخارج البالغ قدرها على أقل تقدير 5 مليار دولار في السنة، فإننا بإذن الله سنضع سوداننا الحبيب وأهله الميامين الكِرام على منصة الإنطلاق (Take – off Stage) داخل مدي الفترة الإنتقالية.

حيثيات

1– لعلَّ فكرة إنشاء هذا البنك قديمة. وقد تم اقتراحه منذ عهد الديمقراطية الثالثة في إطار برنامج الإنقاذ الرباعي لسنة 1986؛ ذلكم البرنامج الذي سرقته الجبهة الإسلامية القومية (أنقصته سنة فصار ثلاثياً مرةً، وزادته سنة فصار خماسياً تارةً أخرى للتمويه على تلك السرقة) لتنقذ به نفسها  على حساب السودان والسودانيين.

والمغتربون السودانيون يحتاجون إلى هذا البنك حاجة ماسَّة الآن، خاصةً مع انهيار النظام المصرفي الشاخص والمستمر منذ فترة ليست بالقصيرة والذي وصل منتهاه في نهاية العام 2018. كما أنَّ الدولة السودانية تحتاجه ولكن ليس كما يبتغى نظام الخرطوم وكاموفلاجاته المتساقطان؛ أى ليس كمصيدة لتحويلات المغتربين وتوظيفها طفيلياً وفق أهواء الأخوانوية المرجوسة والغير منتجة؛ فقد ولَّى هذا العهد.

فالبنك يُمثل دعامة إقتصادية حقيقية ليست لها علاقة بالنظام الحاكم فى السودان (أيِّ نظام) بطبيعة الحال ولا تقع تحت مظلته. هذه الدعامة مهمتها تحديد وتجميع وإبراز وتوجيه قدرات المغتربين الإقتصادية (5 – 6 مليار دولار سنوياً) نحو تحسين أوضاعهم وأوضاع ذويهم بشكل منتج، والمساهمة استراتيجياً في تنمية الوطن المنتجة الخلاَّقة، وعليه أن يتقاسم رسم السياسات التنموية والإستثمارية مع أىِّ نظام فى السودان كتفٌ بكتف، وبإستقلالية تامة في إطار اتحاد عام أصحاب العمل السوداني، بغرض تلبية الأهداف التنموية الاستراتيجية لأهل السودان المقيمين والعاملين بالخارج.

ولعل ذلك سوف يتعضد بأن يخلق المغتربون/البنك جسماً تفاوضياً موازٍياً لأجسام النظام المتساقط ومستقلاً عنها تماماً (إتحاد عام السودانيين العاملين بالخارج)، وينوب عن المغتربين في النقاشات المتعلقة بكل تلك الأوضاع، وله القدرة على تبصير المغتربين بأهمية دورهم فى التنمية، وتوعيتهم بكيفية توظيف تحويلاتهم بشكل منتج والمحافظة عليها (خاصة أنّه من غير المنظور أن يتعافى َ القطاع المصرفي السوداني بوتيرةٍ سريعة حتى بعد السقوط التام للنظام)؛ وكذلك له القدرة على التأثير في توجيه سياسات الدولة نحو التنمية الحقيقية، والمساهمة فى خلق نظام ديمقراطي مستدام يكفل جميع الحريات لا سيما الحريات الإقتصادية التي تساعد فى إنجاز التنمية. وقد ثبت علمياً أنَّ أهم شروط إحداث تنمية هو الحرية، والشفافية، ودولة القانون واستقلال السلطات واحترام العقود.

وسوف يكون لهذا البنك/الاتحاد مهمة أُخرى عظيمة وهي توأمة/مشاركة الدولة في التداولات مع مؤسسات التمويل الدولية وتلك الثنائية حول تمويل المشروعات التنموية الاستراتيجية للبلد، بحيث يدخل البنك كضامن (Collateral) إذا رأى المفاوض السوداني أنَّ قرار المؤسسة الدولية المحددة من شأنه أن يؤثر على سياسة التنمية في السودان أو المنظومة الديمقراطية برمتها، كما كان يفعل البنك الدولى أبَّان الرأسمالية الأوصولية على عهد ريغان وتاتشر في ثمانيات القرن الفائت.

2– يجب ألاَّ ننسى أنَّ 50% من تمويل إستخراج البترول والذهب والمعادن النفيسة الأخري والصناعات التحويلية كانت من تحويلات المغتربين، والـ 50% الأخرى دفعها الشعب السوداني  استقطاعاً قسرياً من مخصصات تمويل خدمات قطاعي التعليم والصحة (تقرير وزارة المالية والبنك الدولي 2003).

غير أنَّ النظامَ غشَّ الشعب السوداني المقيم والمغترب وقام بسرقته وكذلك يفعل دائماً، حين وزَّع كل عائدات البترول والذهب والمعادن النفيسة الأخري والصناعات التجميعية حصراً على الأخوانويين دون سواهم؛ ويجب ألاَّ نُلْدَغ من جُحْرِ الأخوانوية المرجوسةِ مرةً أخرى.

3– من المهم أن يكون مقر رئاسة هذا البنك فى أحد البلاد الحرة التى تحترم القانون والحريات وتدعم الشفافية واستقلال السلطات، على أن يكون فرعُهُ الرئيس بالسودان، وله أفرع فى كل الدول الأخرى. كما يجب ان يكون منفتحاً على كل الجاليات العربية والأفريقية والأوروبية وغيرها؛ تلك الحريصة على الإستثمار الحقيقي المنتج والجاد فى السودان.

4– المغتربون المنضوون تحت مظلة تجمع المهنيين السودانيين/قوى الحرية والتغيير، لا زبانية النظام الحاكم فى السودان وخارجه، هم المعنيون بتكوين اللِّجان الإستشارية والفنية والتنفيذية لهذا البنك، والتي يجب أن تُتَرجم هذا الحلم إلى واقع. ويجب أن تُسارع هذه اللِّجان إلى بسط الفكرة على قواعد المغتربين والمهاجرين عبر جسمها التفاوضي وتحديد قيمة أسهم البنك (10 جنيه استرليني مثلاً) الذي سيكون شركة مساهمة عامة/خاصة وفق قوانين الدول المضيفة. ويجب أن يعلم ملاك الأسهم أن إمتلاك عدد كبير من الأسهم لا يُعطيهم ميزة تفضيلية فى التصويت واتخاذ القرارات وتوجيه سياسات البنك ومجلس إدارته. فَلِمالك السهم الواحد حقٌ متساوٍ فى كلِّ شئ، ولا يُضيره أنَّه يملك سهماً واحداً (قاعدة البنك في هذا الجانب شبه تعاونية بغرض توسيع المشاركة وجذب كل مدخرات المغتربين بلا استثناء).

5– نحن المغتربون/المهاجرون؛ من استفزَّه وهجَّره من أرض الوطن سياسات النظام المتساقط البئيس فى الخرطوم حتى بلغ عددنا بتقديرات محافظة ما يربو على 5 مليون سوداني، فلو اشتري كلُّ واحدٍ منا 100 سهم (ولو بالتقسيط) في السنة الأولى التأسيسية فقط، لبلغ رأس المال الابتدائي للبنك 5 مليار جنيه استرليني. وهذا المبلغ بطبيعة الحال يفوق رأس مال جميع البنوك العاملة في السودان البالغ قدره 3 مليار دولار في العام 2017 بحسب إحصاءات بنك السودان واتحاد المصارف العربية (http://www.uabonline.org/ar/research/banking/1575160416021591157515931575164160515891585160116/60802/1).

6– هب أنَّ التجمع الوطنى الديموقراطى، وكل الكيانات المعارضة (المسلحة والمدنية) أنشأت هذا البنك منذ تأسيسها، هل كنا سنحتاج لجمع التبرعات لدعم جرحي الثورة السودانية منذ العام 1989 أو لبناء مدرسة أو توفير دواء؟ هل كان النظام سيستمر كل هذا الوقت؟ لا أعتقد.

غير أنَّنا شئنا أم أبينا، قد ساهمنا فى دعم النظام بتحويلاتنا التي وُظفت في إطار مشروعاته الحيوية كالبترول والذهب والصناعات التحويلية وغيرها، دعماً يصل إلى 50% كما جاء بعاليه؛ وكل ذلك لعدم وجود مثل هذا المشروع المنظِّم والمقنِّن لجهود المغتربين والمهاجرين.

وبسبب غياب هذا البنك والسياسات الرعناء للنظام المتساقط الآن ضد أبناء السودان من الطبقات الوسطي وغيرهم؛ بخاصةً تلك التي مسَّتْ النظام المصرفي السوداني مباشرة، فإنَّ تحويلات السودانيين العاملين بالخارج لمصرَ المجاورة فقط، قد فاقت الـ 40 مليار دولار في عقد التسعينات وحده.

7– لا تَدَعُوا الإخوانوية وكاموفلاجاتها تسرقكم مرتين ولا تطرد تحويلاتكم من وطنكم؛ فهو أولى بمدخراتكم من مِصرَ وغيرها من الدول التي آوت ونصرت. فإنشاء بنك في بريطانيا مثلاً لا يحتاج أكثر من 100 ألف جنيه استرليني كرأسمال ابتدائي للبنك زائداً على ذلك تكلفة إيجار مقر للبنك. فهلموا إلى تأسيس الذراع الخضراء التي تشيِّد حلمكم (Sudan NextGen) في إطار دولتكم المدنية في الفترة الانتقالية بقيادة السيد الهمام د. عبد الله حمدوك.

خاتمة

لقوى الحرية والتغيير إرْعووا وانسجموا ولا تُشْمِتوا بنا الأعداء.

حسين أحمد حسين
كاتب وباحث اقتصادي/ اقتصاديات التنمية.
[email protected]

 

‫13 تعليقات

  1. والله فكره رائعه جداً أتمني من السيد رئيس الوزراء الجديد أن يتبناها أو من السيد محمد عصمت

  2. خطة جميلة جدا و مخرج امن للبلاد و لكن السؤال استاذي الكريم , كيف يتم بناء الثقة بين قحت و المجلس العسكري في وجود مؤسسات مازالت مخطوفة من النظام البائد و علي رأسها القضاء (وما ادارك ما القضاء )

  3. Sorry to participate in English as the Arabic is not functioning in this keyboard
    I agree to the establishing of this bank and moreover suggest the following
    1. Each expatriate to donate a 100 dollar for the semi civil government after it is establishing as part of our contribution to rebuild our beloved Sudan
    2. Transfer at least 100 dollar through that bank till the stability of the dollar in our country
    These two suggestions are the least we can do as expatriate to our beloved Sudan as some did payed their lives for New Democratic Sudan
    Please any one of us has to do that
    Hope so.
    Eng. Ahmed Abdalla Guneid

  4. يحتضن المناطق الصحراوية حول العاصمة والقاحلة جدا اكثر من خمسة مليار دولار اذا لم يكن اضعاف ذلك ( 500 الف قطعة ارض بسعر القطعة بعشرة الف دولار) ومصر لوحدها اكثر من 5 مليار دولار بالإضافة ال دبي وغيرها من مدن العالم
    سؤالي لماذا لم تقم الحكومة بمخططات ممتازة من حيث الطرق والصرف الصحي والخدمات الملازمة من مدارس ومستشفيات وايضا ترفيهية مثل الحدائق ومضامير للمشي والالعاب المختلفة ثم تضاف هذه الخدمات لقيمة الارض ليكون لدينا مدن جميلة ويستفيد المواطن اما بالسكن او الايجار او الاستثمار في تلك المساحات المخصصة للخدمات والترفيه بدلا ان تترك كصحراء قاحلة لا استفاد المواطن ولا الحكومة استفادت ا(انا شخصيا اشتريت قطعة بما يعادل 150الف ريال قبل تسعة سنوات ولم استفد منها حتي الان لآنها صحراء ولا توجد أي خدمات).
    وهنا اريد ان انوه ان كل الدول تجهز مباني بخدمات ممتازة بل وصلت الي حد الشقق الالكترونية التي تتحكم فيها عبر تطبيقات الجوالات وبأسعار اقل من قطعة الارض لدينا

    1. سؤالي لماذا لم تقم الحكومة بمخططات ممتازة من حيث الطرق والصرف الصحي…..

      ياتو حكومه يادكتور ؟

  5. اهم حاجة كيف ترجع ثقة المغترب في الحكومة ، لانه منذ عهد نميري والصادق ، وبشة المغتربين فقدوا الثقة في السياسات الحكومية الظالمة لهم ..

  6. الفكره مش بس ممتازه بل واجبة التنفيذ فورا…

    لكن لا داعي لفتح فروع خارجيه وتأسيسه في لندن …. يؤسس ويكتتب رأس المال في السودان وتقليلا للمصاريف التشغيليه يقوم البنك بعمل قاعدة مراسلين متينه من البنوك العالميه والخليجيه

  7. الفكرة ممتازة جدا…،
    الثقة مستحيلة قبل محاكمة فاسدي العهد البائد واخراج بقاياة من كل مؤسسات الدولة، وتشكيك مؤسسة قضاء نثق بها…
    يجب على الدكتور عبد الله حمدوك الإنتباه لشركات الإتصالات، تتبع كلها لجهاز الامن وبعض الكيزان ولا يدخل منها قرش للخزينة العامة….، اعتقد ميزانياتها تفوق بكثير الذهب والبترول… سلعتهم الكلام.

  8. مع احترامي للدكتور لا اؤيد فكرة بنك للمغتربين او المهاجرين وذلك للاتي اولا نحن شعب وعندنا حكومة وواجب الحكومة توفير الاساسيات للشعب من مدخلات الصادرات الاساسية للبلد كما ذكرت انت مثل البترول والذهب والماشية ووازيد لك الصمغ فاذا كانت حكومة نظيفة سوف تستفيد من هذه الموارد بصورة تعطي رفاهية للشعب ثانيا محاسبة المجرمين الذين اخذوا مليارات من الدولة هل اذا ردت الي الدولة الم تكفي لتغطية مديونية السودان صحح ليكلامي ان كان خطأ فلماذا نعتمد للمسكين المتغرب واخذ ماله وانفاقة في ملذاتهم (القيادات)
    وبما ان السودان مترامي الاطراف ويجب علي الحكومة توزيع كل شئ بالتساوي لكل الاقاليم والقري بنفس السعر الذي يوزع في مكان الاستراد او الانتاج مثلا عندنا السكر يباع بسعر في الخرطوم ويباع في دارفور اوالشمالية اي منطقة نائية بسعر مختلف لماذا لايتوحد السعر ؟؟؟حتقولوا زيادة علي سعر الترحيل . وطبعا كلام غي صحيح وانت اقتصاديون لو قارنت اي دولة اوربية اوخليجية تجد سعرالوحدة لكل سلعة موحد لماذا وسوف اكمل عند الاجابة

  9. Again sorry for English as it is keyboard problem
    Mr. Taha . Why you have contradicting comments.
    Second: Till we gain our resources and introduce them in the economy circle we need to work together to restore our country.
    We believe that this contribution won’t get into corrupted men as they would be removed from their places as they are part of the past regime.
    Be optimistic, please.

  10. ينبغي ان لا يخصص البنك للمغتربين فقط ، بل ان يمتد ليشمل كل السودانيين داخل وخارج السودان – كل من يريد ان يساهم في البناء – فاليكن بالعملة الحرة والوطنية – بنكاً يقوم على مفاهيم وقيم جديدة ، ويكون نموذجاً للبنوك القائمة حاليا لتسير على نهجه بعد ان ضربها الفساد وساءت سمعتها ..! الى الامام بعون الله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..