مقالات وآراء

هل تضيع ثورتنا ما بين الإنضباط، الإلتزام، الإنضباط الذاتي، والمسئولية الثورية

الإنضباط، (Discipline)، هو إحترام النفس قبل الآخرين.. سواء المتفقين منهم أو المختلفين معنا في الرأي، وذلك بعدم التطاول أو التعالي أو محاولة تقليل الشأن، أو تبيان عدم المقدرة على الفهم الصحيح أو التحليل الصائب أو إثبات عكسه! من الإنضباط عدم الرد على المعلم (الأستاذ) أو محاولة تصحيحه عندما يخطئ دونما قصد أو عن سوء تقدير.. من الإنضباط عدم الرد على الأم والأب كلمة بكلمة وإن أدركت أنك أكثر منهما فهما وأدراكا لمفهومي الصواب والخطأ.. من الإنضباط (و يتفق هذا مع التهذيب) الإمتناع عن ذكر الغائب بسوء أو منقصة، تماما كما أن من إحترام الذات كذلك عدم نبذ الحاضر بسوء أو منقصة.

الإنضباط ليس هو التقيُّد بالأوامر وإنما هو أكثر من ذلك: التقيُّد بمبدأ الحرص على الجو الصِحِّيّ المُعَافَى الذي يتيح لك المزيد من الإحترام لذاتك قبل الغير.. ولما كان الإنضباط في اللغة العسكرية هو الإلتزام الصارم بتنفيذ الأوامر، ما صَلَح منها وما فَسَد، فإن المعنى القِيَمي للإنضباط أرقى وأسمى من ذلك؛ يرتبط بمفهوم الأديان كلها والإلتزام معها أو فيها بعالي القِيَم والأخلاقها.

أما الإنضباط الذاتي، (Self-discipline)، فإنه -وفقا لبعض التعاريف- يشير إلى نوع السلوك الذي يحاول الشخص الإلتزام به وفقا لقناعات محددة. ووفقا لبرنامج حياتي يُرجَى الإلتزام به أو ربما لتحقيق هدف ما؛ وللأغراض المرجوَّة هنا؛ فإن الإنضباط الذاتي يتم تعريفه بأنه “الإتساق مع القناعات الشخصية” وبالتالي الإلتزام بنمط أو أنماط سلوكية، أو طريقة تعاطي محددة، مع محددات تمَّ تعيينها سلفا، تتوافق مع هذه القناعات.

الإلتزام عموما، (Commitment)، هو الوقوف إلى جانب الخيارات والقناعات المُختارة بقوة، ورغم أنه ليس من الإنضباط في شئ، إلا أن الإلتزام “التنظيمي” عندنا في السودان يقترب كثيرا من الإنضباط “العسكري”، وكلاهما يختلف كيفا وكما ومضمونا عن الإلتزام الذاتي؛ بل ربما يتعارض معه!. في الإلتزام نجد أمثال مانديلا وغاندي ونوبل وفي الإلتزام الذاتي نجد أمثال شريف حرير والدقير والشفيع خضر ورودني!

أما الإلتزام الثوري فهو الوقوف إلى جانب كل ما يحقق نجاح للثورة؛ يتوافق أو يختلف مع الذاتي أو المجرد أو، ربما، مع التيار (الغالب) على سوشيال ميديا اليوم، تلك التي ساقت هذه الثورة حتى محطتها هذه، والتي هي قاب النصر أو أدنى، إن إتفقت إفئدة الناس وبصائرها!

تشتد الـ (هرجلة) هذه الأيام! وكما قال المهنيين على لسان محمد حسن عربي -حسب ما وصلنا- في الإعتذار للعالم عن ثلاثين سنة من الغياب القسري؛ فإن أفراد شعب رزح نفس هذه العقود الثلاث تحت إيهام أنتم (لا تعلمون ولا تقدرون)، فإنهم؛ وحال تنسمهم عبير الحرية، يحاولون أن يثبتوا لأنفسهم أولا، ولقاهرهم ثانيا، ثم للغير تاليا، أنهم يفقهون ويدركون، وبالتالي فكل ذو منصة ليقول، يعبر فيها عن عكس ما حاول سادنه أن يثبِّت في ذاكرة وجدانه: أنه دُون!
مبرَّرٌ تماما هذا الذي اللغط، ولكنه يفتقر الوعي بالمسئولية الثورية!! تلك التي يتوجب علينا جميعا أن نتلبَّسها درعا ضد محاولات النيل من نجاحنا غير المسبوق هذا! نعلَم أن الدولة ليست عميقة كما حاولوا أن يغرسوا في تفكيرنا! ونعلم أنهم لا يملكون الآن غير أموال سرقوها من عرقنا ودمنا وخيرات بلادنا! نعلم أن كل هاتيك المحاور والدوائر (محلية كانت، إقليمية أو دولية) لا تريد لنا أن نصل الغاية التي تفضحهم وتخزيهم، ما لا نعيه -جمعا- أنهم يقتادون تفكيرنا لننفذ عنهم ما عجزوا عن القيام به: إجهاض ثورة نادرة الحدوث! بالإنسياق وراء تيارهم الذي يبدو في ظاهره لنا، وفي باطنه لا يفيد إلا ما يضمرون!

لقد جثموا، والمنتفعين معهم، على صدورنا ثلاثين عاما لأنهم عرفوا كيف يفرقوا فيما بيننا! وها هم يستغلون عدم مقدرتهم الآن على تفريقنا -كما نجحوا فيما مضى- بإن يجعلونا نقوم عنهم بهذا الواجب بكل إقتدار وبتامِّ الغياب!
يظهر الشق العسكري من معضلة الإتفاق الراهن أشد تماسكا وأقوى موقفا وأشد عودا، لأنهم ملتزمون بالـ “الإنضباط العسكري”: متحدث واحد وموقفٌ موحد!
حين يتبادى علينا الإعياء والخزي والتشتُّت لكوننا لم نعِ بعد أن الإلتزام الذاتي يجب أن يصب في (قادوس) الإلتزام الثوري! وأن إنفلاتنا من قيد العقود الثلاث لن يكون بالهرجلة التي نحن عليها الآن بل بالإلتزام بالمسئولية الثورية والإلتزام الذاتي؛ لا غير!

إذا كان للعساكر أن يلتزموا لمختلف الأسباب، فمن باب أولى أن نلتزم حرصا على إكمال ما بدأناه ونعلم جميعنا أن ما تبقى منه أصعب مما سبق، تماما كما نعلم أن من الصعب إفشال مظاهرة ولكن من السهل بذر الخلاف بين صفوف العدو: نحن العدو ويجب أن نوقف نمو هذا البذر لننتصر!

(*) لم يتم تدقيق التعريفات المدرجة ولا تتفق إلا مع القصد والسياق.

هشام عبيد جودة

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..