منظومة قياس أداء مؤسسات السلطة التنفيذية….. هل حان أوان إطلاقها؟
رسالة موجهة إلى مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء

شهدت الساحة السياسية خلال الأسابيع القليلة الماضية نقاشاً مستفيضاً حول العديد من قضايا إدارة مؤسسات الدولة في الفترة الانتقالية، ويلاحظ بوضوح أن قضية من سيتولى إدارة مؤسسات الحكم الانتقالي قد استحوذت على قدر أكبر من ذلك النقاش، ويبدو أن ما آلت إليه الأمور بإعلان تشكيل المجلس السيادي، وتعيين رئيس مجلس الوزراء قد حظى بقبول شعبي واسع النطاق. وبغض النظر عن درجة التوافق والقبول التي حصل عليها من تم تعيينهم، ومن سيتم تعيينهم في التشكيل الوزاري القادم، فإن المرحلة الراهنة تتطلب من الجميع أقصى درجات المسؤولية الوطنية والمؤازرة (قدر الامكان) لانجاح برامج الحكومة المتوقع تبنيها لتحقيق شعارات الثورة المنادية بالحرية والسلام والعدالة. ولعل العنوان الأبرز لهذه المرحلة هو إعمال مبدأ الشفافية والمساءلة والمكاشفة مع الشعب في كافة الممارسات والقضايا المتعلقة بإدارة مؤسسات الدولة، حيث أن من المؤكد أن تشهد الساحة السودانية في مقبل الأيام تركيزاً كثيفاً على أداء الوزراء والمسؤولين بالمؤسسات والأجهزة الحكومية المختلفة، ولا شك أن المدخل الصحيح لتكريس هذا المبدأ يتمثل في وجود نظام فعال لمتابعة وتقييم مدى نجاح مؤسسات الحكم الانتقالي في تلبية تطلعات الشعب السوداني، وتحقيق مطالب ثورته المجيدة. في هذا السياق، يحاول هذا المقال أن يلفت انتباه أعضاء مجلس السيادة ورئيس مجلس الوزراء لضرورة أن تكون أجندة أولوياتهم في هذه المرحلة متضمنة تطوير منظومة وطنية لقياس أداء مؤسسات السلطة التنفيذية.
ويعتبر وجود هذه المنظومة أحد المؤشرات والشواهد الدالة على حرص الحكومة على إرساء مبادئ الشفافية والمساءلة والرقابة في أنظمة العمل بالمؤسسات والأجهزة الحكومية وفق أسس علمية تراعي متطلبات المرحلة، وتواكب المستجدات في مجال قياس الأداء الحكومي. ويأتي إطلاق هذه المنظومة ليحدث نقلة نوعية في مجال المكاشفة بين الحكومة والشعب، والقضاء على كافة ملامح الغموض والضبابية وعدم الوضوح المتعمد (الدغمسة) في القضايا التي تخص الوطن والمواطنين، كما أنها يمكن أن تكون واحدة من آليات الحكومة لمحاربة مروجي الشائعات والأخبار الكاذبة من أعداء الثورة الذين يتوقع أن ينشطوا بصورة مكثفة في الفترة القادمة. يضاف إلى ذلك أن المنظومة المقترحة تحاول التأكيد على أن عهد توظيف الوعود والشعارات الزائفة والخطب الجوفاء (فارغة المضمون والمحتوى) لكسب ثقة الشعب وتعاطفه قد ولى دون رجعة بأمر الثورة التي فرضت واقعاً جديداً معياره الوحيد حجم الإنجازات المتحققة على أرض الواقع، والتي لا يمكن التعبير عنها إلا من خلال المقاييس والمؤشرات الاحصائية، ويجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الزعيم البوسني الراحل علي عزت بيغوفيتش قد قدم توصيفاً دقيقاً لهذا الواقع الجديد في مقولته: “اذا كان من الممكن استلام السلطة بالوعود، فالمحافظة عليها لا تكون إلا بالنتائج”.
وتتمثل الفكرة الأساسية وراء تطوير المنظومة المقترحة في أنها تسعى لتوظيف الأساليب والمناهج العلمية في التعبير عن الخطط والبرامج المعدة من قبل الوزارات والأجهزة الحكومية في هيئة مقاييس ومؤشرات أداء (كمية ونوعية) تسهم في إعطاء صورة دقيقة وصادقة عن مستويات الإنجاز المتحققة في تلك الخطط والبرامج. ومن الناحية التطبيقية، فإن تطوير المنظومة المقترحة سينطلق من الأهداف والتوجهات الاستراتيجية الواردة بخطة /برنامج عمل الوزارة المعينة، وبناءً على ذلك، فإن أهم متطلبات إطلاق المنظومة المقترحة تتمثل في الآتي: أولاً: يقوم السيد رئيس مجلس الوزراء بإلزام كل وزير بإعداد خطة/برنامج عمل لوزارته خلال فترة لا تتجاوز 30 يوماً. ثانياً: يتم تشكيل وحدة فنية تابعة لمجلس السيادة لتتولى مهام إدارة المنظومة المقترحة. ثالثاً: تقوم الوحدة الفنية بصياغة الإطار المؤسسي الذي ينظم عملها، ومن ثم اعتماده من قبل مجلس السيادة تمهيداً لإعلانه لكافة قطاعات الشعب السوداني. رابعاً: تقوم الوحدة الفنية بتطوير نسخة مبدئية من مؤشرات قياس أداء كل وزارة من الوزارات استناداً إلى خطة/برنامج العمل الذي تعلنه الوزارة، ومن ثم تقوم الوحدة الفنية باتاحة وثائق تلك المؤشرات لمجلس السيادة، ورئيس مجلس الوزراء للحصول على تغذية راجعة تمهيداً لاعتمادها وإعلانها. وفي مرحلة الحصول على قيم مؤشرات الأداء، سيتم استخدام مجموعة من نماذج تقييم الأداء المؤسسي المبني على التقارير والوثائق الحكومية، ومجموعة من نماذج استطلاع وقياس الرأي العام حول القضايا ذات الصلة بمجالات عمل المؤسسات والأجهزة الحكومية، وغيرها من نماذج.
وأخيراً، لا يدعي هذا المقال أن الفكرة المطروحة قد لامست كل التفاصيل المطلوبة لإطلاق منظومة قياس أداء مؤسسات السلطة التنفيذية، إلا أنها تمثل محاولة علمية جادة تتضمن العديد من العناصر التي يمكن التأسيس عليها إن توافرت الرغبة لدى الحكومة في تبنيها ضمن مجموعة آلياتها الموجهة لإعادة بناء مؤسسات الدولة وفق أسس جديدة تواكب المتغيرات التي فرضتها الثورة.
والله الموفق
د. سليمان زكريا سليمان عبدالله
جامعة السلطان قابوس – سلطنة عمان
[email protected]
فكرة ممتازة جدا. تقييم علمي و عملي لأداء اي منظومة.لي تجربة عملية لاستخدامها في تقييم اداء المنظومة الكهربائية.
فكرة ممتازة جدا. تقييم علمي و عملي لأداء اي منظومة.لي تجربة عملية لاستخدامها في تقييم اداء المنظومة الكهربائية.
أحييك دكتور سليمان زكريا على المقال وأؤيد فكرته بشدة في وجود منظومة قياس الأداء لمؤسسات السلطة التنفيذية .
ولتسهيل وتطبيق هذه الفكرة الرائعة فنحن الذين نعمل في مجالات البيئة لدينا مؤشر عالمى قامت بإعداده جامعتي كولومبيا وييل الأمريكيتين ويتم عرض نتائجه كل سنتين في مؤتمر دافوس الإقتصادى والهدف من المقياس وإسمه بالإنجليزية ( Environmental Performance Index )
تقييم السياسات المتبعة عالميا من أجل تحسين الأداء البيئي . ومثله مثل أي أداة قياس أخري عالمية يمكن تعديله بواسطة الخبراء والمختصين ليؤدى الغرض المطلوب منه …